هل منع ترامب اغتيال خامنئي فِعلًا؟ وما الذي أزعجه في خِطابه المُصوّر الذي ألقاهُ بعد وقف إطلاق النّار؟ وما هي الحقائق الجديدة عن الحرب التي يُحاول ترامب ونتنياهو التّعتيمَ عليها؟

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان
على مدى 40 عامًا من العمل في الصّحافة، واحتِراف الكتابة، ومُتابعة التطوّرات السياسيّة والحُروب، لم أرَ في حياتي رئيسًا “ثرثارًا” و”كَذوبًا” مِثل الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، فهذا الرئيس “بزّ” الجميع في “الإسهال” في التّصريحات المُتناقضة، وخاصّة تلك التي يُطلقها هذه الأيّام، قبل، وأثناء، وبعد، الحرب التي شنّتها بلاده ودولة الاحتلال الإسرائيلي على إيران تحت عُنوان “تدمير مُنشآتها النوويّة”، وفرض الاستِسلام عليها، وهي حربٌ لم تُحقّق أي من أهدافها، خاصّة البندين المُتعلّقين بتغيير النظام واغتيال المُرشد الأعلى السيّد علي خامنئي.
لن نغرق في رصد الأكاذيب وسردها، ولكنّنا سنُركّز على تصريحاته في اليومين الماضيين فقط، التي تُؤكّد ما قُلناه سابقًا، أي الثّرثرة الرّخيصة الحافلة بالأكاذيب، وهو ما لا يليق برئيس دولةٍ عُظمى تدّعي زعامة العالم الحُر، ويُمكن التوقّف عند تصريحين فقط في هذه العُجالة:
الأوّل: ادّعائه بأنّه كان يعمل على رفع العُقوبات عن إيران، ومنحها فُرصةً أكبر للتّعافي، ولكنّ المواقف القويّة التي وردت على لسان السيّد علي خامنئي في أوّلِ إطلالةٍ له، بالصّوت والصّورة، بعد يومين من انتِهاء الحرب، وخاصّة التي تُؤكّد انتِصار بلاده وتشديده على الاستِمرار في الدّفاع عن النّفس والتصدّي للأعداء، وعدم الاستِسلام مُطلقًا.
الثاني: زعم ترامب أنه كان يعلم بالمكان الذي كان “يختبئ” فيه السيّد خامنئي، ولم يسمح لإسرائيل، أو للقوّات الأمريكيّة باغتياله، وهو بذلك أنقذ حياة المُرشد الأعلى الإيراني، مِن “ميتةٍ بشعة” ومُهينة، تُحتّم عليه شُكره، وهذا لم يحدث.
بالنّسبة للبند الأول، أي الادّعاء بأنّه كان يعمل على “رفعٍ سريع” للعُقوبات المفروضة على إيران فإنّه كذبٌ صريح، فرفع العُقوبات يتطلّب قرارًا مِن الكونغرس، مُضافًا إلى ذلك، أنّه لا يُمكن أن تُقدم حُكومته على هذه الخطوة قبل أن يهدأ غُبار الحرب، وتظهر الحقائق واضحة للعيان، والأهم مِن ذلك أنّ إيران لم تستسلم، وترفع الرّايات البيضاء، وتقبل بالشّروط الأمريكيّة، التي عبّر عنها السّيناتور الجُمهوري الصّهيوني لينسي غراهام، المُقرّب جدًّا من ترامب، حين قال اليوم “لا اتّفاق مع إيران دون اعترافها بحق إسرائيل في الوجود”.
أمّا بالنّسبة إلى البند، أو الأُكذوبة الفاضحة الثّانية، وهي منع ترامب إسرائيل وقوّات بلاده من اغتيال السيّد خامنئي، فنكتفي بالرّد بالاستِناد إلى تصريحات يسرائيل كاتس وزير الحرب الإسرائيلي التي أطلقها قبل بضعة أيّام، واعترف فيها أنّ مِن أبرز أهداف الحرب على إيران كان تغيير النّظام الإيراني، واغتيال السيّد خامنئي، ولكن لم تتوفّر الفُرصة والمعلومات الدّقيقة عن مكانِ “اختبائه”، ممّا حال دون اغتِياله.
لن نُكرّر تقييمنا لهذا العُدوان الأمريكي- الإسرائيلي ونتائجه، وتحديد مَن المُنتصر، ومَن المَهزوم، ونكتفي فقط بالتوقّف عند مجموعةٍ مِن النّقاط الاستراتيجيّة التي كشفتها حرب الـ 12 يومًا، سواءً في المجالات السياسيّة، أو في الميادين العسكريّة والجبَهات القتاليّة:
أوّلًا: إيران، ومُنذ بداية الحرب، وحتى انتِهائها، لم تطلب مُساعدة أيّ دولة من حُلفائها، ونحن نتحدّث هُنا عن روسيا والصين وكوريا الشماليّة تحديدًا، ولا حتّى الأذرع العسكريّة الحليفة، بينما استنجدت “إسرائيل” بالولايات المتحدة، وطلبت تدخّلها فورًا لقصف المُنشآت النوويّة الإيرانيّة، وإرسال مِئات الأطنان مِن المَعدّات العسكريّة، وخاصّة الصّواريخ والقذائف، والحماية الجويّة.
ثالثًا: لم تتوقّع الولايات المتحدة الأمريكيّة ودولة الاحتلال الإسرائيلي أنْ تكون إيران على هذه الدّرجة من القوّة، وتملك في ترسانتها هذه الصّواريخ المُتطوّرة جدًّا، والمُزوّدة برُؤوسٍ بقُدرات تدميريّة عالية جدًّا، وخاصّة الصّواريخ من نوع فتّاح، وسجيل وخيبر، التي فشلت 7 منظومات دفاعيّة جويّة إسرائيليّة وأمريكية في اعتراضها، ومنعها من الوصول إلى أهدافها وتدمير عدّة مدن “إسرائيليّة” مِثل تل أبيب، وحيفا، وأسدود، وعسقلان، وبئر السبع، وصفد، ومُعظمها تحوّل إلى مدن أشباح، وصُور الدّمار الذي أصاب العمارات، وناطحات السّحاب لا تَكذِب، بل تُكذّب نتنياهو وتابعه ترامب.
نختم هذه المقالة التي نأمل أنْ يطّلع الرئيس ترامب وأركان إدارته على مضمونها، سريعًا، ومِن المُؤكّد أنهم سيفعلون، وسنزفّ إليه بعض الاخبار الأوّليّة التي لا تسرّه، وأبرزها أنّ أكثر مِن مِليونيّ مُستوطن إسرائيلي هربوا من دولة الاحتلال ودون عودة (حتّى الآن)، عبر قبرص، والأردن، وشرم الشيخ، ودفع بعضهم 20 ألف دولار لسماسرة وأصحاب زوارق صغيرة، قبل وأثناء الحرب، بحثًا عن ملاذاتٍ آمنة والهُروب ما زال مُستَمِرًّا، علاوةً على مقتل 462 جُنديًّا، وعشرات ضبّاط الجيش، والموساد، والشين بيت، وحواليّ 423 مدنيًّا، وأربعة آلاف إصابة، وخسائر تُقدّر قيمتها بحواليّ 11 مِليار دولار، ناهيك عن عشرات الآلاف من الذين يُعانون مِن صدماتٍ نفسيّة، حسب إحصاءات وزارة الصحّة الإسرائيليّة، ونتحدّى نتنياهو أنْ يرفع الرّقابة عن أرقام الخسائر البشريّة والاقتصاديّة.
العُدوان الإسرائيلي- الأمريكي المُشترك الأخير على إيران غيّر الكثير من مُعادلات القوّة على الأرض، ربّما يُؤكّد أنّ الشّرق الأوسط الجديد يقف على أبواب عمليّة تغيير شاملة، لن يضع أركانها على الأرض ترامب أو نتنياهو، وإنّما نحنُ أبناء المِنطقة وجُيوشها، ابتداءً مِن غزة وانتهاءً بطِهران.. والأيّام بيننا.