روسيا وأوكرانيا.. الدفاع خارج الأسوار
ليس من دون معنى أن روسيا بكل أشكال الحكم التي توالت عليها، ظلت هدفاً للغرب، من تشارلز الثاني ملك السويد، إلى نابليون بونابرت، إلى هتلر.
كما يهود الدونمة في تركيا، الذين أعلنوا تحوّلهم إلى الإسلام في العلن وانتشروا حيث امتدت سلطنة الاحتلال الإقطاعي العثماني، بما في ذلك الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وزاد نفوذهم مع اكتشاف النفط والغاز، وراحوا يعقدون التحالفات والاتفاقات والزيارات في ما بينهم باسم الإبراهيمية الجديدة، ثمة يهود اخترقوا المجتمعات المسيحية والأميركية والأوروبية شرقاً وغرباً، وظهروا مثل (رصيد سياسي) مؤجل في بنوك الرأسمالية العالمية، كما هي الحال مع أوكرانيا.
من هذا الرصيد، اختارت أوكرانيا سفيراً لها في عاصمة الإمبريالية البريطانية، لندن (نعرف أيضاً أن معظم الفريق الذي قفز إلى السلطة في كييف بعد الثورة الملوّنة المشبوهة، من هذا الرصيد، بما في ذلك الرئيس الكوميدي للدولة، ووزير المالية ومحافظ البنك المركزي، حيث نعرف أن أغلبية محافظي البنوك المركزية ووزراء المالية في بلدان الثورات الملوّنة التي سقطت تحت حكم المتروبولات الرأسمالية واليهودية العالمية، يجب أن ينالوا ثقة الحكومات السرية لعالم روتشيلد).
إلى ذلك، تحوّل السفير المذكور من سفير لـ (بلاده) في لندن، إلى أداة استخبارية بريطانية، وراح يُزوَّد بمعلومات مفبركة تُحوَّل إلى كييف عن غزو روسي أكيد لأوكرانيا، كما لاحظت موسكو، وهو ما يذكّرنا أولاً بهذا التقليد من التلفيق البريطاني، كما مارسه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بلير العمالي و”الديمقراطي” جداً، لتبرير غزو العراق بذريعة أسلحة دمار شامل عراقية غير موجودة، وثانياً بالجذور المشتركة لليهودية العالمية والمصالح الإمبريالية الأنجلوسكسونية.
إذ نعرف أن رئيس الوزراء البريطاني الحالي جونسون، الثور المندفع بحسب توصيف خصومه العماليين، هو الاختراق اليهودي الثاني للحكومة البريطانية، فجدّه تركي من يهود الدونمة، ولم يكن ذلك الاختراق اليهودي الأول لشارع داونينغ، فقبل جونسون تولّى يهودي آخر هو دزرائيلي (شاعر وروائي مرهف جداً) رئاسة الحكومة البريطانية، وهو الذي نظّم مع روتشيلد، اليهودي المعروف، مؤتمر لندن لإجبار محمد علي والجيوش المصرية على الانكفاء عن أسوار إسطنبول وفك الحصار عنها، وإعادة السلطان العثماني بعد هروبه من المصريين إلى قيصر روسيا…
بالعودة إلى لعبة الأكاذيب والصراع مع روسيا، تنتشر تقارير السفير الأوكراني المُعَدّة من قبل الاستخبارات البريطانية والأميركية، عبر الخارجية ووكالات الأنباء العالمية ومنابر الأطلسي وفضائيات النفط والغاز المُسال الإبراهيمية والإخوانية على حدّ سواء، كما عبر صفحات التواصل الاجتماعي لجماعات الثورات الملوّنة والمجتمع المدني المزعوم، وتستند إلى كتابات بريجنسكي، مستشار الأمن القومي السابق، وخاصة (رقعة شطرنج) و(خطة لعب) التي تعتبر أوكرانيا أهم وأخطر (ساحة لعب) ضد روسيا، ولا تُولي أي اعتبار للأوكرانيين كشعب ودولة حقيقية.
بحسب بريجنسكي، اعتماداً على دراسات سابقة لراتزل وماكندر وسبيكمان، فإن من يسيطر على أوراسيا يسيطر على (الهارت لاند) أي قلب العالم، ولا يفرّق بريجنسكي بين روسيا الاشتراكية، عندما صدرت دراساته، وروسيا بقيادة بوتين، التي أصبحت أكثر خطراً على الغرب ما إن أصبحت أكثر أوراسية، مستبدلة الأيديولوجيا الاشتراكية بأيديولوجيا قومية أرثوذكسية.
ولمن لا يعرف أيضاً، فإن الغرب الكاثوليكي أيام الإمبراطوريات الإقطاعية، الجرمانية المدعومة من الفاتيكان، كان يرى في صعود روسيا وتبنّيها الأرثوذكسية بمنزلة بعث لـ”بيزنطة الجديدة” مقابل ما مثلته روما، الأمر الذي دفع البعض إلى تفسير الحروب الصليبية كحروب (الإقطاع الكاثوليكي) ضد “بيزنطة الأرثوذكسية”.
وليس من دون معنى أن روسيا بكل أشكال الحكم التي توالت عليها، ظلت هدفاً للغرب، من تشارلز الثاني ملك السويد، إلى نابليون بونابرت، إلى هتلر، وقد دُفنت مشاريعهم السياسية ضد روسيا مع جيوشهم في الثلج الروسي الحار.
انطلاقاً من التشخيص الاستراتيجي الغربي عموماً والأنجلوساكسوني خصوصاً لروسيا (قيصرية أو اشتراكية أو أوراسية) لعبت الجغرافيا السياسية لأوكرانيا دوراً مهماً في هذا التشخيص، كمخلب قط وساحة للضغط الجيوسياسي، وصل حدّ تحويلها إلى محمية أطلسية بضمّها إلى الناتو، وقد وجدت أقلام الاستخبارات التابعة لدوائر الإمبريالية البريطانية والأميركية الفرصة لترجمة أهدافها مع الانهيار السوفياتي وفقدان التوازن في موسكو، بل وفي سقوطها برهة من الوقت في أيدي اليهود المتخفّين في نسيج الحزب الشيوعي.
وإضافة إلى ما مثّله غورباتشوف ويلتسين في موسكو، شكّل بريجنسكي (خلية خاصة) لإدارة ملف أوكرانيا، بمشاركة يهود موسكو مثل تشوبايس، كما بمشاركة المفكرين الاستراتيجيين اليهود الأميركيين، برنار لويس وجورج سوروس، الأب الروحي للثورات الملوّنة وجماعات المجتمع المدني المزعوم في كل مكان، وكانت النتيجةُ إسقاط أوكرانيا تمهيداً لإلحاقها بالناتو.
وكما الإمبريالية الأميركية، لم تتورّع أوروبا الديمقراطية، من أجل هذه الغاية ولخدمة المتروبولات الإمبريالية، عن تبنّي مجموعة نازية أوكرانية وُلدت من قلب “الغستابو” الهتلري، كما لم تتردّد اليهودية العالمية أيضاً في بناء تحالف وثيق مع هذه المجموعة في أوكرانيا، وإطلاق ثورة ملوّنة مشبوهة لسرقة السلطة في أوكرانيا.
في المقابل، كانت موسكو بوتين تدير الصراع ضد موجات الاقتراب الأطلسي منها، سواء في جورجيا أم أوكرانيا، بطريقة الدفاع قليلاً خارج الأسوار، وبالاعتماد على مصالح الأقليات القومية في هذين البلدين، مثل (المسلمين في جورجيا)، وروس المقاطعات الشرقية في أوكرانيا.
ومن المؤكد أنها جاهزة للتقدم أكثر خارج الأسوار إذا تقدم الأطلسي نفسه أكثر، ولن تسمح أبداً بأن تتحول أوكرانيا من دمية جديدة بيد الثورة الملوّنة إلى محميّة أطلسية.