من يستنزف من.. حماس ام نتنياهو؟ ولماذا تجسد “المرحلة الثالثة” الهروب الكبير الوشيك للجيش الإسرائيلي من غزة؟ وكيف دمّر مقاومان راجلان دبابة “الميركافا” في أكبر إعجاز بطولي في التاريخ العسكري واكدا “انتصار الكف على المخرز”
من أغرب التصريحات التي صدرت عن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي تلك التي ادلى بها امس وقال فيها “بطريقة ملتوية” ان المرحلة الثالثة للحرب في غزة، ستتضمن شن حرب استنزاف على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وان إسرائيل لن تستسلم، وتوقف الحرب قبل تحقيق أهدافها كاملة، أي هزيمة حماس واستعادة جميع الاسرى.
مصدر الغرابة هنا، ان هذه التصريحات التي تصدر مع اقتراب إكمال العدوان على قطاع غزة شهره التاسع ودخوله العاشر، تعكس حالة من “الهذيان”، لانها تقلب الحقائق رأسا على عقب، فمن يواجه حرب الاستنزاف البشري والمادي والسياسي والعسكري، هي دولة الاحتلال الإسرائيلي، وليس كتائب المقاومة، حيث يتساقط جنود جيشها مثل الذباب، وبصورة يومية، وفي اتجاه متصاعد من حيث النوعية والكمية.
فهذه التصريحات الجوفاء تصدر في اليوم نفسه الذي كشفت فيه صحيفة “نيويورك تايمز” الامريكية نقلا عن أربعة جنرالات في الجيش الإسرائيلي ان الجنود فيه يعانون من “حالة انهاك” بسبب الخدمة المتواصلة لتسعة أشهر في قطاع غزة، ودون تحقيق، او حتى الاقتراب، من النصر المطلق الذي يتحدث عنه نتنياهو، ولم يضلل ويخدع فيه الا نفسه.
فاذا كان الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم، حسب السرد الرسمي، يعاني من الانهاك، وترفض قوات الاحتياط الانضمام اليه والقتال في غزة، أكثر المناطق خطورة في العالم، تمتلئ المقابر بقتلاه، والمستشفيات بجرحاه، فكيف سيقاتل على الجبهة الشمالية ضد قوات “حزب الله” ويخوض حربا أكثر شراسة ستواجه فيها إسرائيل اكبر هجوم بالصواريخ والمسيّرات في التاريخ، وتوغل بري تحريري هو الأول من نوعه منذ قيامها.
جنرالات الجيش الإسرائيلي المنهكون أيضا، وربما بدرجة أكبر من جنودهم، باتوا على قناعة راسخة بأنهم مُنيوا بهزيمة كبرى، والطريق الأقصر لتقليص الخسائر هو الانسحاب من قطاع غزة، والتسليم ببقاء حركة “حماس” في السلطة والانفاق معا، مقابل الافراج عن الاسرى المحتجزين لديها.
نتنياهو سيكابر ولن يرفع الرايات البيضاء استسلاما، واعترافا بالهزيمة، لكنه سيلجأ الى تطبيق القاعدة المزدوجة، السياسية والعسكرية التي يجيدها ويحترفها وهي “الكذب”، وقد بدأ التمهيد لتطبيقها، بالإعلان عن انتصار وشيك في رفح، والادعاء بإنهاء الجيش لمهمته فيها، والانتقال بالتالي الى “المرحلة الثالثة”.
البنود الأساسية في هذه المرحلة سحب معظم القوات الإسرائيلية من القطاع، وإبقاء لواءين فقط، واحد في ممر “نتساريم” الذي يفصل جنوب القطاع عن شماله، والثاني على طول الحدود المصرية مع القطاع، والتركيز على الغارات الجوية لاستهداف كتائب المقاومة.
المرحلة الثالثة هي الهروب الاولي الإسرائيلي الكبير من القطاع، لان البقاء في محوري “نتساريم” في الشمال، وصلاح الدين في الجنوب لن يعمر طويلا، لان الهجمات تصاعدت على القوات الإسرائيلية فيهما، وبات القتلى والجرحى بالعشرات يوميا، بعد تصاعد قوة المقاومة وتطور استراتيجية الكمائن التي تجيدها، وتنصبها بكفاءة عالية لاصطياد القوات الإسرائيلية.
التفوق العسكري الإسرائيلي المدعوم بتكنولوجيا وقذائف وصواريخ أمريكية دقيقة ومتطورة جدا، فقد معظم مفعوله في ميادين المواجهة في القطاع، وقريبا في الضفة وجنوب لبنان، والبحرين الأحمر والمتوسط، وانهزم امام الإرادة القوية لرجال المقاومة، ودهاء قيادتهم، في جميع الجبهات دون استثناء.
فعندما يهاجم مقاومان اثنان دبابة “ميركافا” سيرا على الاقدام، ويضعا عبوتين ناسفتين فوقها، ويفجرانها بصاعق يفجر العبوة بعد 4 ثوان من سحبه، ويقتلان جميع من في داخلها من جنود، ويصوران العملية بدقة متناهية، وينتشر الفيديو مثل النار في الهشيم على جميع منابر وسائل التواصل الاجتماعي، فان هذا إعجاز غير مسبوق في أي مكان آخر في العالم.
المقاومة تقترب بسرعة من النصر، والجيش الاسرائيلي بخطوات أسرع نحو الهزيمة، اما نتنياهو فبات على بعد خطوة واحدة من الزنزانة التي سيقضي ما تبقى من حياته فيها، هذا اذا لم يتعرض لعملية اغتيال مثلما حدث لمعلمه الأبرز اسحق رابين.. والأيام بيننا.