صواريخ “فتح 360” الباليستيّة الإيرانيّة هل وصلت موسكو؟ ولماذا تُواجَه بحالةٍ من السُعارٍ الامريكي؟ وهل سيُفعّل بوتين العقيدة النوويّة في حال أرسلت أمريكا صواريخ “جسم” لزيلينسكي؟
الانتشار العر بي
اتّهام الولايات المتحدة الأمريكيّة إيران بإرسال شُحنات من صواريخ “فتح 360” الباليستيّة قصيرة المدى، والمُوجّهة بالأقمار الصناعيّة لمُساعدتها في الحرب الأوكرانيّة، يُؤكّد على أمرين أساسيين: الأوّل، احتمال وجود خطط أمريكيّة إسرائيليّة لفرض عُقوبات اقتصاديّة جديدة على إيران، وربّما توجيه ضربات عسكريّة إليها باستِخدام هذه الاتّهامات كمُبرّرٍ للتّصعيد، والثّاني، تصاعُد حالة القلق التي تسود أمريكا وحلف النّاتو من حُدوث هذا التقدّم الكبير في الصّناعات العسكريّة الإيرانيّة، وفي قطاع الصّواريخ تحديدًا، الأمر الذي يُشَكّل تحدّيًا لهذا الحِلف وتفوّقه العسكريّ في ميادين القتال، خاصَّةً في مِنطقة الشّرق الأوسط.
صحيفة “وول تسريت جورنال” الأمريكيّة المُقرّبة من وزارة الدّفاع، قالت في تقريرٍ لها نشرته الجمعة نقلًا عن مسؤولٍ أمريكيّ لم تُسمّه “أنّ إيران سلّمت بالفِعل شُحنات بمِئات الصّواريخ قصيرة المدى إلى روسيا يرى مُراقبون أنّه سيكون لها دور حاسم في تعزيز الهُجوم الروسي المُضاد لاستعادة مُقاطعة كورسك الروسيّة كُلِّيًّا من القوّات الأوكرانيّة المُتراجعة، وتسريع التقدّم الروسي في مِنطقة دونباس التي ضمّتها روسيا و”تطهيرها” من بقايا القوّات الأوكرانيّة”.
السّفير الإيراني في الأمم المتحدة نفى هذه الأنباء التي سرّبتها وزارة الدفاع الأمريكيّة (البنتاغون) إلى الصّحيفة المذكورة آنفًا ووصفها بأنّها مُضلّلة، ولا أساس لها من الصحّة، واتّهم أمريكا وفرنسا وبريطانيا بالتّرويج لهذه الأخبار الكاذبة، وقال “إنّ إرسال الأسلحة الغربيّة والمُتطوّرة إلى أوكرانيا، ومن أمريكا على وجْهِ الخُصوص، هو الذي أدّى إلى إطالة أمد هذه الحرب”.
الغريب أنّ هذه الاتّهامات لإيران بإرسال هذه الصّواريخ التي تراها الولايات المتحدة تصعيدًا “كبيرًا” في الحرب بين روسيا وأوكرانيا يأتي في وقتٍ تُعلن فيه وزارة الخارجيّة الأمريكيّة عن إرسال شُحنة من الأسلحة إلى أوكرانيا تبلُغ قيمتها 250 مليون دولار تلبيةً لطلبٍ أوكرانيٍّ عاجلٍ، وتشمل صواريخ دفاع جوّي ومنظومات صاروخيّة أُخرى أرضيّة، وذخائر مِدفعيّة، وأسلحة مُضادّة للدبّابات ومدرّعات وناقلات جُنود.
والأخطر من ذلك أنّ الإدارة الأمريكيّة تقترب من اتّفاق لنقل صواريخ “جسم” بعيدة المدى لتمكين الجيش الأوكراني من قصفِ العُمُق الروسي، الأمر الذي تراه روسيا تَدَخُّلًا مُباشرًا في الحرب ضدّها، وانتهاكًا لكُلّ الخُطوط الحُمر.
بغضّ النّظر عن مدى صحّة التّسريبات التي نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال” حول إرسال إيران مِئات الصّواريخ، وربّما آلاف المُسيّرات الإيرانيّة الانتحاريّة فإنّ إيران يجب أن تفتخر بهذه التّسريبات الغربيّة التي تُؤكّد حاجة دولة عُظمى مِثل روسيا لأسلحتها المُنتَجة ذاتيًّا، وبِما يُؤكّد قُدراتها العمليّاتيّة العالية في التّصدّي للأسلحة الغربيّة، والأمريكيّة تحديدًا، التي تُعتبر الأكثر تقدّمًا في العالم.
إنّها قمّة النّفاق والازدواجيّة، فحَلالٌ على أمريكا ودُول حِلف النّاتو إرسال ما قيمته مِليار دولار من الأسلحة الحديثة والمُتقدّمة ومن بينها طائرات
“إف 16″ و”إف 15” وصواريخ الباتريوت والدبّابات الحديثة إلى أوكرانيا، وحرامٌ على إيران إرسال صواريخ لدولة روسيا الحليفة، ثمّ لماذا تتوقّع أمريكا من إيران التي تُحاصرها وتفرض عليها عُقوبات مُنذ 40 عامًا، وتدعم الاحتِجاجات والعُدوانات والاغتِيالات الإسرائيليّة فيها أنْ تقف على الحِياد ولا تُقدّم أسلحة لروسيا الحليفة؟
الرئيس الهنغاري فيكتور أوربان كانَ في قمّة الشّجاعة، والحصافة، وبعد النّظر عندما قال في حديثٍ لصحيفة “كوريري ديلا سيرا” الإيطاليّة ا السبت “ليست من مصلحة الاتّحاد الأوروبي تبنّي موقف أوكرانيا في نِزاعها مع روسيا، وحذّر أوروبا من مغبّة التدخّل في حربٍ ليس لها علاقة بها”، وأعرب أوربان عن قناعته أيضًا “بأنّه لا يُوجد تهديد لأمن أوروبا من قِبَل روسيا، وإذا قرّرت أوروبا أنْ تُصبح جُزءًا من هذا الصّراع، فإنّ هنغاريا لا تلتزم بهذا الموقف”.
أهميّة هذا التّصريح لا تكمن في تغريد هذا الرئيس الهنغاري خارج السّرب الأمريكي، وإنّما أيضًا من كون بلاده رئيسة للاتّحاد الأوروبي اعتبارًا من أوّل تمّوز (ويوليو) الماضي، وأنّه يقوم حاليًّا بجولةٍ أوروبيّةٍ في مَهمّة لإيجاد صيغة سلام تُوقف الحرب الأوكرانيّة.
ديمتري بيسكوف المتحدّث باسم الكرملين أيّد وجهة نظر الرئيس الهنغاري هذه، عندما اتّهم أمريكا في تصريحٍ رسميٍّ اليوم بلعبِ دورٍ مُدمّرٍ في القارّة الأوروبيّة، وتُهدّد ليس المصالح الروسيّة فقط، ولكن أمن جميع الدّول الأوروبيّة، برفضها الحِوار، الأمر الذي سيدفع روسيا للتّفكير في تحديث “العقيدة النوويّة”.
بعد أكثر من عامين ونِصف العام من الحرب الأوكرانيّة لم تركع روسيا، ولم ينهار اقتِصادها، ولم يتمرّد الجيش الروسي على رئيسه فلاديمير بوتين، مثلما كانت تُؤكّد التوقّعات الأمريكيّة الواثقة، فروسيا تتقدّم وأوكرانيا زيلينسكي وشعبها تدفع الثّمن، وأي قصف للعُمُق الروسي بالصّواريخ الأمريكيّة من طِرازِ “جسم” المُتوقّع وصولها إلى الجيش الأوكراني في الأسابيع القليلة المُقبلة قد يدفع الرئيس بوتين إلى إحياء عقيدة الجيش الروسي النوويّة بالرّد على أيّ عُدوانٍ على هذا العُمُق لحماية الجبهة الداخليّة الروسيّة.
أمريكا فقدت الكثير من هيبتها ووحدتها الداخليّة، الشعبيّة والترابيّة، بدعمها لحرب الإبادة الإسرائيليّة في قطاع غزة، وفشلها “المُصطَنع” في إيقافها خوفًا من نتنياهو واللّوبي الصّهيوني، وباتت على أبوابِ هزيمةٍ كُبرى في أوكرانيا وربّما حربٍ نوويّة بعد أنْ فشلت كُل خططها في تركيع روسيا وإرهابها، وما حدث هو العكس تمامًا، فأمريكا هي التي باتت معزولة وليست روسيا، ولعلّ استِضافة الأخيرة قمّة بريكس القادمة في قازان أرض “التّتار” يوم 22 تشرين أوّل (أكتوبر) المُقبل، وبحُضور روؤساء الصين، ومِصر، وإيران، والسعوديّة، والإمارات، وجنوب إفريقيا، والهند، وإثيوبيا، وأخيرًا تركيا التي تأكّد تقدّمها و30 دولة أُخرى بينها الجزائر، بطلبٍ رسميٍّ للانضِمام لهذه المنظّمة المُضادّة لقمّة السّبع الغربيّة بقيادة أمريكا وربّما حِلف النّاتو أيضًا.
الزّمن الأمريكي يتآكل بسُرعةٍ لمصلحة وزمن أُممي جديد مُتعدّد الأقطاب ستكون مكانة أمريكا فيه مِثل مكانة الإمبراطوريّات الأوروبيّة الاستعماريّة، مِثل فرنسا وبريطانيا والبرتغال وبلجيكا.. والأيّام بيننا.