ذكرى ثورة 23 يوليو تذكرني ب بنجلادش وإرهاب الدين السياسي وطمس الهوية،
عادل سمارة
تصادف مع هذه الذكرى لرحيل عبد الناصر انفجار موجة موت في بنجلاديش لأن السلطة هناك تتحيز مالياً للمحاربين القدامى.
لكن من هي بنجلادش ومن هم المحاربون القدامى؟
قبل أن يخرج الاستعمار البريطاني من شبه الجزيرة الهندية أنضج ضرورة تجزئتها دينيا بين المسلمين والهندوس حيث دعم محمد علي جناح ليعلن انفصال باكستان عن الهند على اساس ديني فانفصل جزء شرقي الهند باسم باكستان الشرقية وآخر باكستان الغربية باعتبارهما دولة إسلامية واحدة تفصل بينهما مسافة 1600 كلم. وبقيت ملايين المسلمين في الهند. ولكن لاحقاً حصل صراع بين جزئَيْ باكستان انتهى إلى انفصالهما في دولتين باكستان وبنجلاديش وكلتاهما تعانيان الفقر والصراع الدموي على اساس طائفي وخاصة باكستان شديدة العلاقة مع الوهابية السعودية! انفصلتا رغم أن الدين واحد مع وجود شيعة وسنة بالطبع، كما أن هذا الانفصال كرَّس الصراع الدينسياسي في الهند نفسها بين الهندوس ومن بقي فيها من المسلمين بعد قيادة نهرو وابنته أنديرا غاندي حيث يحكم الهند اليوم نظام دينسياسي هندوسي معادي للعرب خاصة ومع ذلك تتآمر معه على فلسطين أنظمة دينسياسي خليجية نفطية، فأية تعقيدات هذه! فمن مؤسس هذا التوحش؟ مهاتما غاندي أم محمد علي جناح!
لكن نفس الاستعمار جزَّء الوطن العربي بكل الوسائل: الدينسياسي، القبائلية، القطرية، الإقليمية، الطائفية، التخارج غرباً واضاف عليها الاستعمار الاستيطاني، ولذا كانت مهمة عبد الناصر شديدة التعقيد. ومع أنها نجحت في توحيد الجماهير نحو دولة عروبية واحدة إلا أنها انكسرت على حدود الأنظمة القطرية المصنوعة من فولاذ غربي فصمدت في وجه الدولة القومية ووصلت اليوم حد التفرّْج على مذبحة غزة وكأنها أمام فيلم من الخيال! وهذا ما اسميناه المساكنة بين الجماهير والأحزاب والأنظمة بقيادة الأنظمة.
ولكن هناك في بنجلادش من هم المحاربون القدامى الذين من أجلهم قُتل المئات في بضعة ايام؟
هم الذين شاركوا في حرب انفصال دينيسياسي أولا بدعم الاستعمار وثانيا لمصالح الطبقات الحاكمة في باكستان وبنجلاديش، اي أن الدين لم ينجح في الحفاظ على وحدة الدولتين. وثالثاً لدور هؤلاء المحاربين في الحرب المتكررة بين الهند وباكستان حيث سمح الغرب لهما بالسلاح النووي! فهل حارب هؤلاء المحاربون لأجل الشعب أم لأجل السلطات الطبقية الحاكمة! والإرث الاستعماري.
لعل الفارق بين حالة كامل شبه الجزيرة الهندية والأمة العربية أن الجماهير هناك كانت مع الانفصال، اي ان جماهيرنا كانت أفضل وعيا والتزاماً، وبهذا كانت الجماهير هناك منسجمة مع قياداتها المصنوعة من طين غربي استعماري.
لذا، قال جواهر لال نهرو أول زعيم هندي بعد المهاتما غاندي والاستقلال وصديق جمال عبد الناصر:
“… بأن الحاكم البريطاني العام كان في السنوات الأخيرة لحكمه 1947 قادر على منع الانفصال”
ولكن يا سيد الهند، كان هذا دور الحاكم الاستعماري.
يُغريني سؤال رواتب المحاربين القدامى لأسأل:
ماذا عن الذين حاربوا ضد الوحدة العربية في كل قطر عربي؟
ماذا عن الذين حاربوا من عدة أقطار عربية ضد أقطار أخرى أكثر تقدمية من أقطار حكامهم؟
ماذا عن المحاربين من قوى الدين السياسي من الطائفتين الكبريين الذين حاربوا لتدمير قطريات عربية أخرى؟
ماذا عن الذين حاربوا أهلهم خدمة لهذه الدولة الجارة أو تلك؟
لماذا يأخذون رواتباً؟ (أنظر الجدول أدناه)
أعود للمقارنة، في عهد عبد الناصر تمكنت الإمبريالية والرجعية العربية وخاصة النظام الأردني والبرجوازية التجارية السورية من فك الوحدة بين مصر وسوريا 1961. لكن الفارق أن الشعب السوري كان في معظمه مع الوحدة، ولكن كما أشرت كان الانفصال مصنوع من الحديد الصُلب.
خلاصة القول أن الاستعمار طالما جزَّأ المستعمرات على اساس ديني مع أنه علماني وعلى اساس قبائلي مع أنه حداثي! مما يدل على قطيعية سكان كثير من المستعمرات، وأنعش فيها الطائفية والقبائلية ولأنها كذلك فقد حافظت على التراث الاستعماري أي الصراع الديني والطائفي وحتى الطبقي بما يحول دون عودة توحيدها. لكن الوطن العربي كانت محنته اشد حيث أجاد الاستعمار في تصنيع أدواته بما حصَّنها دون أية وطنية أو عروبية من جهة، ومكَّنها من مساكنة وتصنيع جماهير انتحارية تقتُل وتٌقتلَ من أجل سيد خارج الوطن والأمة. اي أن تخريب الجماهير العربية كان بأيدي عربية مباشرة، هي الأنظمة هذه!
وعليه، لم يبق سوى أن نُجدد العهد والدور للرجل الذي قضى من أجلنا ولكن هذه المرّة بعبد الناصر المتعدد كتنظيم حديدي الممتد من المحيط إلى الخليج، وهذا هو الطريق للجم الدين السياسي وطمس الهوية.