يوسف الزق وُلد أسيراً وقضى شهيداً

 يوسف الزق وُلد أسيراً وقضى شهيداً

كتب عبدالسلام الريماوي

بين زنزانتين، مغلقتين بالأبواب ومحاصرتين بالجدران والأسلاك الشائكة، توزعت حياة الفتى يوسف الزق ذي البشرة البيضاء والعينين الزرقاوين.


يوسف محمد سليمان الزق (17 عاماً) الفلسطيني بالقلب وجواز السفر، الغزي بالهوى ومكان الإقامة، فتح عينيه على الدنيا في إحدى زنازين سجن “تلموند-هشارون” الذي يفتقر لأبسط مقومات الحياة الآدمية، وأغلقها أمس إلى الأبد تحت أنقاض بيته في شارع الثورة وسط مدينة غزة.


كانت والدته الأسيرة المحررة فاطمة الزق في أواخر عقدها الرابع عندما حاولت  في العام 2007 اجتياز معبر بيت حانون المعروف بـ “معبر إيرز”، بغرض العلاج، عندما اعتقلها المحتلون، ووجهوا لها تهمة “محاولة تنفيذ هجوم”، دون أن تعلم في حينه أنها كانت تحمل في أحشائها طفلاً يشع وجهه بالنور.  


بعد شهور قليلة من اعتقالها وتحديداً في العام 2008، أنجبت الأسيرة فاطمة الزق طفلها يوسف في سجنه “تلموند هشارون”، في ظروف في غاية القسوة، ليكون التاسع بين أبنائها الذين لم يروها منذ اعتقالها، وأصغر أسير في سجون الاحتلال دون أدنى ذنب أو تهمة.  


أمضى الرضيع يوسف الزق عشرين شهراً مع والدته في سجون الاحتلال دون أن يشفع له ولها سنه الصغيرة، كما هو منصوص عليه في المواثيق الأممية والإنسانية وحقوق الطفل، لكنهما استنشقا هواء الحرية بموجب صفقة تبادل جزئية في أكتوبر/ تشرين الأول 2009 مع عشرين أسيرة أخرى، مقابل شريط مصور للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في حينه.


خرج يوسف الزق من سجنه الصغير إلى سجن آخر أكبر من حيث المساحة، لكنه هو الآخر مغلق بالبوابات ومحاط بالجدران العالية والأسلاك الشائكة، ليعيش مثل مليوني فلسطيني ويزيد حصاراً هو الأطول والأبشع والأقسى، وسلسلة من الحروب التي كانت في كل مرة تخلف المزيد والكثير من الضحايا والدمار. أظنه لم يعرف مكاناً في هذا العالم الرحب سوى غزة وبحرها.


فجر أمس كانت شقة عائلة المواطن محمد الزق هدفاً لصاروخ من طائرة إسرائيلية مسيرة، مثل تلك التي تتربص بالناس في بقايا بيوتهم وفي الخيام وفي مراكز الإيواء وأمام نقاط توزيع “المساعدات”، ما أدى إلى استشهاد صغيره يوسف.


والدة الشهيد، الأسيرة المحررة فاطمة الزق تحضن صغيرها الذي كبر بأسرع مما تتخيل، للمرة الأخيرة، تودعه بالدموع والحسرة، كأنه أبنها الوحيد. أي ذكريات مرت أمام عينيها وهي ترى قلبها مسجى أمامها؟


حتما إنها عادت إلى تلك الزنزانة البائسة، التي رزقت فيها بقمرها الصغير، لعلها استعادت ضحكاته الأولى وفرح رفيقات الأسر به كأنه ابن لهن جميعاً. لعلها تذكرت اللحظة التي أبصرت فيها وصغيرها ضوء الحرية التي لم تتأخر كثيراً، وفرح أخوته ووالده به عندما عانقوه أول مرة. لعلها تستعيد كل تلك الأيام التي عاشها في البيت والروضة والمدرسة وحتى تلك الأوقات القاسية في هذه الحرب اللعينة وما كابدوه من خوف وألم وجوع ورغبة عارمة في النجاة…


يوسف الزق ولد أسيراً وعاش محاصراً وقضى شهيداً.

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *