هل تنجح الجزائر في معالجة الانقسام الفلسطيني؟

 هل تنجح الجزائر في معالجة الانقسام الفلسطيني؟

د. أسامه الفرا

د. أسامه الفرا
منذ أعرب الرئيس عبد المجيد تبون في ديسمبر الماضي على هامش زيارة الرئيس الفلسطيني للجزائر بأن بلاده ستستضيف لقاءً جامعاً للفصائل الفلسطينية في محاولة منها لتوحيد الصف الفلسطيني، ورغم ترحيب الرئيس الفلسطيني ومباركته لأي جهد تبذله الجزائر في سبيل تحقيق الوحدة الفلسطينية وما تبعه من ترحيب بالدعوة الجزائرية من قبل كافة الفصائل الفلسطينية دون إستثناء، إلا أن الدعوة لم تجد طريقها للتنفيذ والمؤكد أن الأسباب وراء ذلك لا علاقة للجزائر بها، وكي يذيب شيئاً من الجليد ويبث الدفء في دعوته للفصائل الفلسطينية جمع الرئيس الجزائري على هامش احتفالات الجزائر بذكرى استقلالها في يوليو الماضي نظيره الرئيس الفلسطيني محمود عباس برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ولم يرشح حينها عن اللقاء شيء والذي يبدو أنه لم يكن أكثر من لقاء لأخذ صورة تذكارية عجزت عن إشاعة التفاؤل سيما ما حملته من لغة جسد سارت بنا في الاتجاه المعاكس.
كشف الرئيس الجزائري بالأمس على أن لقاء الفصائل الفلسطينية في العاصمة الجزائرية سيكون قبل القمة العربية دون أن يضع موعداً محدداً لذلك، وهذا يبقي إمكانية حدوث اللقاء من عدمه قائمة، وإن بدت مهمة الجزائر في معالجة الانقسام الفلسطيني بالمهمة المعقدة نتاج تأثر الانقسام بعوامل فلسطينية وأخرى إقليمية ودولية إلا أنها في الوقت ذاته ليست مستحيلة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن عوامل عدة تصب في مصلحة الجزائر وقدرتها على ترتيب هذا اللقاء وأن يخرج عنه ما يمكن الشعب الفلسطيني من طي صفحة الانقسام الذي ألحق بالغ الضرر بالقضية الفلسطينية ناهيك عن تفاقم معاناة وآلام الشعب الفلسطيني بفعل تداعياته المختلفة التي طالت كافة مناحي حياته اليومية، والتي يمكن تحديدها بالتالي:
ـ أولاً: أن الجزائر تقف على مسافة واحدة من كل المكونات السياسية الفلسطينية، وأنها حافظت على موقفها الثابت في دعم حقوق الشعب الفلسطيني القائم على الفلسفة التي وضع قاعدتها الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين حين قال “نحن مع فلسطين ظالمة أم مظلومة”، وحالة التماهي من قبل الشعب الجزائري مع فلسطين وشعبها بنيت على منظومة من الأدبيات التي نلمس حضورها الفاعل في المحطات المختلفة.
ـ ثانياً: أن الجزائر لا تبحث عن دور لها في منظومة العمل الفلسطيني ولا تبني سياستها بالمطلق على إستخدام القضية الفلسطينية لتحقيق مصالحها، وكل ما يعنيها أن يستعيد الشعب الفلسطيني وحدته دون إقصاء لأحد ودون تقوية طرف على حساب طرف آخر.
ـ ثالثاً: ليس للجزائر أطماع في أن يكون لها دور في الشؤون الداخلية الفلسطينية، واحتضانها للقاء يجمع الفصائل الفلسطينية لا يشكل حساسية لدول عربية أخرى، وبالتالي يمكن لنتائج اللقاء إذا ما كتب له النجاح أن يجد حاضنة عربية له، سيما من مصر بإعتبارها الدولة الأقدر على إنجاح تنفيذ ما يتم التوافق عليه فلسطينياً.
ـ رابعاً: أن اللقاء كما كشف عنه الرئيس الجزائري يأتي قبل القمة العربية القادمة في الجزائر، ولهذا دلالة مهمة بضرورة أن تذهب فلسطين للقمة العربية موحدة لما لذلك من أهمية في إعادة تموضع القضية الفلسطينية في مكانتها الطبيعية بإعتبارها قضية العرب المركزية، سيما وأنها تأتي بعد قمة جدة التي أعاد فيها الزعماء العرب التأكيد على محورية القضية الفلسطينية رغم المحاولة الأمريكية استبعادها من أجندة اللقاء.
رغم هذه العوامل المؤثرة التي تمنح الجزائر روافع لتمكينها من مساعدتنا في تحقيق المصالحة الوطنية إلا أن تفاعل الفصائل الفلسطينية معها لم يكن بالقدر المطلوب، وهو مدعاة للحيرة حيث يفترض الواقع أن يسارع الكل الفلسطيني لتمهيد الطريق لإنجاح المبادرة الجزائرية، فالكثير من العمل مطلوب قبل أن نذهب إلى الجزائر كي لا نعود منها كما عدنا من عواصم عربية أخرى نوزع البشريات ثم لا نلبث أن يتجرع شعبنا مرارة الخيبات، خاصة وأن هذه المرة معادلة الماضي في المصالحة الوطنية المبنية على ” تشكيل حكومة وحدة وطنية والتحضير للانتخابات وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية” لم تعد لوحدها تجدي نفعا، فسنوات الإنقسام التي طال أمدها خلقت إنشطاراً سياساً لم يتوقف فقط على الشأن الفلسطيني الداخلي بل وجدنا أنفسنا ننساق خلف حالة الاستقطاب التي تشهدها المنطقة، والمؤكد إن أردنا أن نستعيد عمقنا العربي وأن نبني تحركنا القادم على موقف عربي مشترك داعم ومساند للقضية الفلسطينية بشكل فاعل ومؤثر لا بد من صياغة جديدة لعلاقتنا مع الدول العربية مبنية على العقلانية والقليل من العاطفة.
لسنا في مرحلة ترف سياسي كي تواصل القيادات الفلسطينية التسويف والمماطلة في طي صفحة الانقسام، ولسنا بحاجة إلى خيبة أمل جديدة بصناعة فلسطينية خالصة، ولا نريد للجزائر أن تنضم إلى الدول العربية التي سئمت حماقاتنا ونحن نتمسك بالإنقسام وإفرازاته السيئة، فهل ننجح هذه المرة في تحقيق ما عجزنا عنه في السابق أم أنها ستكون مناسبة أخرى لفشل آخر؟
كاتب فلسطيني

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *