هل تذكرون المُفاوضات النوويّة في فيينا؟

 هل تذكرون المُفاوضات النوويّة في فيينا؟

عبد الباري عطوان

وهل ما زالت على قيد الحياة؟ ومتى موعد الدّفن؟ ولماذا نعتقد إزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب “ذريعة” وليس “عقبة”؟ وما هي الأسباب الأربعة التي تدفع إيران لتجنّب التّوقيع؟

عبد الباري عطوان
هل يتذّكر أي أحد المفاوضات النووية في فيينا المستمرة منذ ما يقرب العام، والمتوقفة منذ شهر آذار (مارس) الماضي؟ وهل يعرف أحد، أوروبي او امريكي او إيراني متى ستُستأنف أم انها لفظت أنفاسها الأخيرة؟ ونضيف سؤال آخر ضروري، وهو لماذا لم يتم اعلان الوفاة رسميا، وتحديد موعد الدفن؟
نطرح هذه الأسئلة وغيرها، بمناسبة القرار الذي صدر بالأمس عن مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي يعارض أي صفقة نووية بين الولايات المتحدة وايران، على أرضية المطالب الإيرانية بإزالة الحرس الثوري من قائمة المنظمات الارهابية التي تصدرها وزارة الخارجية الامريكية كل عام.


منذ اليوم الأول لإستئناف هذه المفاوضات النووية، وفي زمن السيد حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، قلنا، وفي هذا المكان، ان ايران لا تريد التخلي عن برامجها النووية، وستتبع سياسة المماطلة والنفس الطويل لعدة أسباب:

الأول: ان القيادة الإيرانية الممثلة بالسيد علي خامنئي المرشد الأعلى، والجناح المتشدد داخلها، لا تريد التخلي عن طموحاتها النووية وتكرار السيناريوهان العراقي والليبي.
الثاني: هذه القيادة لا تثق بالولايات المتحدة، وتعتبرها عدوا استراتيجيا، يريد تجريدها من هذا الردع النووي الذي بات امرا واقعا، لمصلحة إسرائيل، وتكريس هيمنتها على “الشرق الأوسط” برمته، وتوفير البيئة الملائمة لضرب ايران.
الثالث: القوة الامريكية تتآكل بشكل متسارع لمصلحة حليفي ايران، أي روسيا الصين، كما ان الحصار الأمريكي فقد مفعوله، واستطاعت ايران الالتفاف عليه، وباتت تصدر خبراتها في هذا المضمار الى دول العالم، وخاصة روسيا.
الرابع: ما يفصل ايران عن الحصول “تصنيعا” محليا، على المواد الانشطارية اللازمة لصنع سلاح نووي بضعة أسابيع فقط، اذا صدر القرار بذلك، بعد ان أصبحت دولة حافة نووية تملك الكميات المطلوبة من اليورانيوم عالي التخصيب ومعدنه.

ايران لن تبادر بإتخاذ قرار الانسحاب من المفاوضات النووية، وسيظل مفاوضوها يشاركون فيها، ويواصلون رحلات الحجيج الى فيينا، ويطرحون شروطا تعجيزية لدفع امريكا اتخاذ هذا القرار وتحمل ما يترتب عليه من تبعات، ومن يقول غير ذلك لا يعرف سياسة النفس الطويل الإيرانية، ودهاء الذين يقفون خلفها.
كل الظروف الإقليمية والدولية الحالية تصب في مصلحة ايران وابرزها الحرب الأوكرانية التي رفعت أسعار النفط الى 115 دولارا حتى الآن، ورفعت حجم الإنتاج الإيراني الى ما يقرب من مليوني برميل يوميا يذهب معظمها الى الصين، دون ان تجرؤ أمريكا إسرائيل على اعتراض نافلة نفط إيرانية واحدة في البحار المفتوحة.
معظم التسريبات التي تناسلت في الفترة الأخيرة، وتتمحور حول اكتمال الصيغة النهائية للاتفاق كانت مضللة، ولشراء المزيد من الوقت، وقد حققت جميع أهدافها في خداع الإدارة الامريكية المشغولة حاليا حتى اذنيها في الحرب الأوكرانية التي قد تؤدي الى نزيف يستمر لعدة سنوات، او تتطور الى حرب نووية.
هناك من يقول ان العقبة الرئيسية التي تحول دون التوصل الى الاتفاق هو الشرط الإيراني برفع الحرس الثوري من قائمة المنظمات الارهابية الامريكية، ونحن لسنا مع هذا الرأي، لأنه ماذا ستكسب او تخسر ايران من تجاوب أمريكا لهذا الشرط التعجيزي المهين لها؟
في تقديرنا ان تنازل أمريكا عن مناقشة دور ايران الإقليمي، ونزع أسلحة اذرعها الحليفة في لبنان والعراق واليمن وفلسطين، وإيقاف برامجها الصاروخية، وحضور “إسرائيل” لمفاوضات فيينا كلها تنازلات اكثر أهمية بكثير من ازالة تهمة الإرهاب عن الحرس الثوري.


بإختصار شديد نقول ان مفاوضات الاتفاق النووي في فيينا أصبحت تاريخا، وتحتل مكانة متدنية جدا على سلم أولويات ايران من ناحية، وامريكا والدول العظمى من ناحية أخرى، وليس من المنطقي ان تتخلى ايران المستهدفة أمريكيا واسرائيليا عن برنامجها النووي بعد ان أصبحت في موقف قوي لحاجة العالم “مكرها” الى غازها ونفطها، وفي وقت بات هذا العالم على حافة حرب عالمية نووية.
حالة الفوضى العالمية الحالية التي خلقها الغباء الأمريكي هي الأنسب لإيران لتحقيق طموحاتها النووية بشكل كامل او جزئي، بعد ان راهنت بذكاء على المحور الصيني الروسي الأقوى والمتماسك، وقررت الوقوف في خندقه منذ اليوم الأول للحرب الأوكرانية.. والأيام بيننا.

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *