نعم.. الله لا يختار شعبا يقتل الأطفال والنساء في غزة.. ما هما الردان القويان اللذان دمرا مشروع ترامب وأفسدا فرحة نتنياهو؟ وكيف سيأتي الرد على الاقتحام الإرهابي لسفن “اسطول الصمود” العالمي؟

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان
اكبر ردين صاعقين على مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المسموم لوقف الحرب في قطاع غزة، وعدوان الجيش الإسرائيلي اليوم على سفن وقوارب “اسطول الصمود”، واعتقال اكثر من 500 ناشط ومتضامن كانوا على ظهرها، جاء الأول منهما من قبل الصحافي والكاتب والنجم التلفزيوني الأمريكي الشهير تاكر كارلسون، الذي كان من أكبر الداعمين لدولة الاحتلال الإسرائيلي والمعروف بعدائه للعرب والمسلمين، والثاني يتمثل في هجوم الطعن الذي استهدف كنيس يهودي في مدينة مانشستر شمال إنجلترا، وادى الى مقتل اثنين، واصابة ثلاثة آخرين وُصفت جروحهم بأنه خطرة للغاية.
نبدأ بالرد الأول، والتصريحات “الصادمة” للإسرائيليين، ونتنياهو تحديدا، وتابعه دونالد ترامب، وعلى لسان الإعلامي الشهير كارلسون الذي يتمتع وبرنامجه الخاص الذي يحظى بشعبية واسعة في أمريكا، فقد كان في قمة الجرأة والبلاغة عندما قال بالصوت والصورة “لا يوجد شيء اسمه شعب الله المختار.. هذه (هرطقة).. فالله لا يمكن ان يختار شعبا يقتل الاطفال والنساء في قطاع غزة، وكل ما تقوم به إسرائيل هو ضد الانجيل وتعاليم يسوع.. فكيف نوافق على شيء كهذا؟”.
اما الرد الثاني الذي تمثل بطعن شخص مجهول (حتى الآن) مصلين يهود في كنيسة احتفالوا بعيد الغفران في مانشستر شمال انجلترا، لان هذا الهجوم كان متوقعا، وان كان يعارضه ويدينه الكثيرون، لان حرب الإبادة التي تشنها قوات نتنياهو وتحظى بموافقة نسبة كبيرة جدا من الإسرائيليين، شكلت، وتشكل، خطرا على أمن الجاليات اليهودية في العالم بأسره، وتحرض على شن متطرفين هجمات مسلحة ضدهم، وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، فعندما يقدم جيش شعب الله المختار على قتل 66 الفا معظمهم من الأطفال والنساء، ويصيب اكثر من 200 الف آخرين، ويمارس حرب الإبادة والتجويع، ويدمر 35 مستشفى، و95 بالمئة من الأبراج والبيوت، ويشرد مليونين ونصف المليون، وكل هذا باسم اليهود ودينهم، فمن غير المستبعد ان يكون هناك رد من قبل بعض المتشددين وبغض النظر عن جنسهم او عقيدتهم.
بنيامين نتنياهو احتفل بشكل غير مسبوق بمشروع ترامب لوقف الحرب في غزة، لانه يتضمن تحقيق كل اهداف حرب إبادته، في القضاء كليا على المقاومة، وطردها من القطاع، وتحقيق الاستسلام المطلق، ووضع القطاع كله تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية.
هذان الردان، وان اختلفا في جوهريهما، ونوايا المقدمين عليهما، يقوضان ويئدان فرحة نتنياهو واحتفالاته هذه بعد أربعة أيام من إطلاق “الخطة الترامبية”، وخاصة الهدف الأهم منها، وهو “كسر عزلة إسرائيل في العالم، وفرضها على حركة حماس”.
اقتحام القوات البحرية الإسرائيلية لسفن اسطول الصمود الاممي، واعتقال الناشطين المسالمين على ظهرها، ومنعهم من تحقيق هدفهم الإنساني في إيصال الطعام والدواء الى المحاصرين المجوعين في قطاع غزة هو قمة الإرهاب، ويصعّد الغضب العالمي ضد الدولة المارقة التي تمارسه، ويزيد من عزلتها عالميا، فإن هؤلاء الناشطين الشرفاء يمثلون أربعين دولة من مختلف انحاء العالم، وخاصة في القارة الأوروبية، وجاء اول رد من الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو الذي بادر فورا بطرد جميع الدبلوماسيين الإسرائيليين، واغلاق سفارتهم، وإلغاء جميع الاتفاقات التجارية والاقتصادية مع دولتهم، وسيسير على نهجه معظم حكومات أمريكا اللاتينية وأعلنت نقابات في تركيا واليونان وايرلندا الاضراب، واطلاق مسيرات الاحتجاج غدا السبت احتجاجا على هذا الإرهاب الذي مارسته حكومة تل ابيب ضد السفن والقوارب باقتيادها الى ميناء اسدود واعتقال كل من كان على ظهرها تحت تهديد السلاح.
نعم.. نتفق مع الإعلامي الشجاع كارلسون بأنه لا يوجد شيء اسمه شعب الله المختار، فالله لا يمكن ان يختار شعبا يؤيد معظمه حكومته “الديمقراطية” وأعمال إبادتها وتطهيرها العرقي، وتجويع مليونين من العزل المحاصرين حتى الشهادة، والأخطر من ذلك تسرق ارض شعب آخر مسالم وتقيم دولتها العنصرية الإرهابية على ارضه.
نتنياهو وحكومته هو المسؤول الأكبر عن كل نقطة دم يهودية تنزف، وعن حالة الكراهية التي تتوسع في العالم ضد أبناء الديانة اليهودية، داخل فلسطين المحتلة وخارجها.. ومن المؤسف انه يجد الدعم المطلق لسياساته هذه من الرئيس ترامب وحكومته الذي يلقب نفسه بزعيم العالم الحر وقيمه وخاصة حقوق الانسان وسلسلة طويلة من الحريات التي تأكد زيفها.
شكرا للاعلامي الأمريكي كارلسون.. وشكرا لكل الشرفاء الذين عرضوا حياتهم للخطر تضامنا مع المحاصرين المجوعين حتى الشهادة في قطاع غزة، والشكر موصول أيضا لكل الزعماء في أوروبا وامريكا اللاتينية، والعالم بأسره، وعلى رأسهم قادة اسبانيا وكولومبيا وايرلندا الذين كانوا أكثر شجاعة من معظم الزعماء العرب والمسلمين.