نشرة “كنعان”، 3 يناير 2023
يناير 2023
السنة الثالثة والعشرون – العدد 6446
في هذا العدد:
■ عادل سماره
- نتقاسم العدو نتقاسم المصير: من دمشق إلى كفر دان إلى كييف
- الإعلام البديل هو الشعبي:“دع مائة. زهره تتفتح”
■ ملف خاص في “الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد السوفيتي”، الجزء السابع والأخير، إعداد د. زياد الزبيدي
- كيف حاول ستالين انقاذ الاتحاد السوفياتي من الانهيار
- كيف ولماذا تم إنشاء الاتحاد السوفياتي – تجربة عمرها 100 عام
✺ ✺ ✺
عادل سماره: https://kanaanonline.org/2023/01/03/%d8%b9%d8%a7%d8%af%d9%84-%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%b1%d9%87-1-%d9%86%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d9%88-%d9%86%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d9%8a/embed/#?secret=p0Msj4jjtt#?secret=fed1JXcBmJ
(1)
من دمشق إلى كفر دان إلى كييف
في الليل نفسه من كفر دان إلى دمشق والعدوان واحد. والشهداء واحد والجرحى واحد.
أما قرار العدوان فيمتد من واشنطن إلى الأرض المحتلة (أ) أي فلسطين والوطن المحتل بالتطبيع (ب) الوطن العربي الذي يحكمه حكام محكومون حلُّوا محل الإمبريالية في مشروع إبادة العروبة.
ليس الواضح هوية حكومة الكيان فقط، فهذه منذ 1897 إن لم تكن من قبل، بل الواضح شركاء العدوان.
لن نقول لماذا لم يستنكروا، ليس لأنهم أقل حتى من ذلك بل لأن ذلك لا يكفي كحقنة تخدير خبيثة.
العدوان هدية السنة الجديدة للكثيرين:
· للحكام العرب الذين يودون أن يصحوا على موت الفلسطيني كي لا يكون مفجرا لحراك شعبي عربي. لذا، قد نسمع ذات يوم في ذات تصريح بأن من ألقى الصواريخ على دمشق هي قائدة طائرة من الإمارات! من يدري وأن بين الجنود الذي اغتالوا وفجروا المنازل في كفر دان فرقة من جيش المخزن في رباط الفتح لتتدرب على دمنا وتفتك بالمغرب نفسه أو الجزائر لا فرق.
· هدية لدُعاة دولة مع المستوطنين، لا يتعب هؤلاء ولا يخجلوا. هل أُمروا إلى هذه الدرجة من تحول وجوهم إلى بلاستيك، أم أن الدفع يزداد طبقا للموقف، أم لأنهم استدخلوا الهزيمة، أم لأنهم بيولوجيا كارهين للعروبة وفلسطين.
· هدية لقوى الدين السياسي التي “ستحرر” للوصول إلى فلسطين أي يحرروا سوريا من الشعب السوري.
· هدية للنفط الذي أحرق في سوريا 2 ترليون دولار، وهذا المعلن.
· هدية لمنظمات الأنجزة التي تدعو لمواجهة التبديد والإبادة وتستبدل التنمية بإشعال شموع لا تضيئ.
· وهدية للسيد الإمبريالي الذي يصرخ كل يوم: أين الدم؟
قلنا غير مرة أن العالم لا يحتاج إلى تسمية حرب الدفاع الروسية ضد الناتو بداية حرب عالمية ثالثة، لأن العالم في ظل راس المال هو في حروب متعددة متنوعة متفاوتة الشدة والامتداد.
فالعدوان على دمشق يقابله معاقبة كييف لتكون بلا كهرباء ولا دفئ. هل الأمور مترابطة؟ نعم.
العدوان احتجاج هذه المرة، فقط هذه المرة، على دور روسيا في لجم العدو التركي ليجلس مع سوريا.
ذلك لأن سوريا صمام بقاء فلسطين.
يتوجع الناتو في كييف، فينتقم من دمشق ومن كفر دان. هذه هي المعادلة اليوم، وستتضح في الغد أكثر.
لذا، فلنقل “صبراً آل ياسر” هذا قول محمد العربي وليس محمد النفطي وليس التركي وليس الأمريكي وليس الوهابي وليس الصهيوني وليس الداعشي.
(2)
“دع مائة. زهره تتفتح” … ماو
في مرحلة انكشاف سيطرة إعلام الإمبريالية على عقول الجماهير الشعبية وبالطبع يلتقط ذلك مثقفو الطابور السادس فيروجوه.
لقد كتبت عدة مرات عن أهمية البديل لكل هذه الحرب على الوعي والنفس والضمير والأجيال القادمة. الإعلام الشعبي هو البديل المتاح عبر الانخراط في الناس في الأحياء في المساجد المحررة من قوى الدين السياسي في الجامعات في المدارس وفي فيديوهات كالمرفق أدناه.
هذا البديل يحتاج شرطا لم يتوفر بعد وهو الحزب العروبي الثوري الاشتراكي على الأقل لأنه وحده الذي يركز الوعي الشعبي النقدي.
إذا خطر لك معرفة ضمير الشعب، شاهد هذا الشاب الذي يتحدث على السليقة والبساطة بما يغني عن عديد المقالات.
كل ما قاله مهم جدا، ولكن لي فيه نصيب خاص. تحدث الشاب ان سوريا لا تملك فلوسا لتدفع لمحبيها. قلت هذا عام 2012 على الفضائية السورية حيث قلت يثرثرون بأننا نقبض من سوريا ههههه ولأن سوريا لا تملك فلوسا فلترسل لي كيس قمح. وقلت أنا لا أحب الأسد لكن احتقر حمد، ولم يغضب السوريون. وقد فطنت امريكا وقيادات قسد المتصهينة فاحتلوا حقول القمح.
كتب أوغاد عني وعن غيري وذكرت هذا في محاكمتي، وبالطبع رفضت رفع دعوى ضد أقزام.
لا تهتموا ولا تقلقوا، بل اشتغلوا على أمرين على الأقل:
أولاُ: توسيع الوعي الشعبي النقدي بالانخراط بين الناس
ثانيا: اشتغلوا على تفكيك مفاصل السلطة القُطرية فتحققوا المقاطعة ورفض التطبيع والتوجه لاستعادة الشارع العربي من انياب الإمبريالية والنفط وقوى الدين السياسي وصولا إلى الوحدة والتحرير. https://www.facebook.com/v2.3/plugins/post.php?app_id=249643311490&channel=https%3A%2F%2Fstaticxx.facebook.com%2Fx%2Fconnect%2Fxd_arbiter%2F%3Fversion%3D46%23cb%3Df32cb2cf8990528%26domain%3Dkanaanonline.org%26is_canvas%3Dfalse%26origin%3Dhttps%253A%252F%252Fkanaanonline.org%252Ff3670bca7e94014%26relation%3Dparent.parent&container_width=0&href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fpermalink.php%3Fstory_fbid%3D197135759533508%26id%3D100077112560854&locale=en_US&sdk=joey&width=552
✺ ✺ ✺
ملف خاص في “الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد السوفيتي”
الجزء السابع والأخير
إعداد د. زياد الزبيدي https://kanaanonline.org/2023/01/03/%d9%85%d9%84%d9%81-%d8%ae%d8%a7%d8%b5-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a6%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%aa%d8%a3%d8%b3%d9%8a%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa%d8%ad-7/embed/#?secret=OxTgapJlDY#?secret=megnSbEkDC
كيف حاول ستالين انقاذ الاتحاد السوفياتي من الانهيار
كيف ولماذا تم إنشاء الاتحاد السوفياتي – تجربة عمرها 100 عام
(11)
كيف حاول ستالين انقاذ الاتحاد السوفياتي من الانهيار
ميخائيل ديونوف
مؤرخ روسي وعالم انثروبولوجيا
تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف
23/9/2022
قبل مائة عام بالضبط، اقترح الزعيم المستقبلي للاتحاد السوفياتي، جوزيف ستالين، فكرة رائعة للغاية. يتعلق الأمر بالهيكل الإقليمي للبلد. لو كانت خطط ستالين قد تحققت في ذلك الوقت، فربما كان تاريخ الاتحاد السوفياتي قد اتخذ مسارًا مختلفًا تمامًا. ولكن، تحدث لينين بحدة ضد مقترحات ستالين، ودافع عن آرائه التي تبين في النهاية أنها كانت قاتلة للدولة.
استندت سياسة القومية للبلاشفة إلى أطروحة لينين حول اضطهاد الأقليات القومية من قبل القيصرية الروسية. لذلك، كان لا بد من تقسيم الإمبراطورية الروسية إلى جمهوريات قومية، حتى يعيشوا حسب رغبتهم، ولكن، بالطبع، تحت سلطة الشيوعيين. حقيقة أن الشيوعيين في الأطراف كانوا في أغلب الأحيان قوميين “حمر” لم تزعج لينين. كان يعتقد أنه كان رد فعل طبيعي لقرون من “القمع”.
لقد افترض بناء الدولة “حسب لينين” كونفدرالية بحكم الأمر الواقع – اتحاد جمهوريات يكون فيها لجميع الشعوب، بغض النظر عن أعدادها ونفوذها وقوتها العسكرية، حقوقًا متساوية. بما في ذلك، بالطبع، الحق في الانفصال – ذلك الرمز المقدس للشيوعيين. تم السماح بالحكم الذاتي، ولكن فقط كإجراء مؤقت يتم تطبيقه على الشعوب المتخلفة التي لم تكن جاهزة بعد لبناء وطنها. كان من المفترض أن كل مناطق الحكم الذاتي سوف تنمو بدعم من “المركز”، وبعد ذلك سيصبحون أيضًا جمهوريات سوفياتية على قدم المساواة
في خطط لينين، تم تكليف روسيا بدور “المعيل”، الذي كان من المفترض أن يخلق للأقليات صناعتها الوطنية، وينمي البروليتاريا القومية فيها، ويدعم ويطور الثقافة الوطنية، وبعد ذلك، دون ندم، يقوم بتوديع الشعوب التي عاشت كجزء منه وفي كنفه لعدة قرون. ليس من قبيل الصدفة أن البلاشفة، بعد وصولهم إلى السلطة، اعترفوا على الفور باستقلال فنلندا وأوكرانيا، ثم دول البلطيق لاحقًا.
حتى أن البلاشفة أقروا إمكانية تقسيم روسيا نفسها إلى جمهوريات عديدة. في نهاية عام 1917، تشكلت “ولايات الأورال والفولغا” على نهر الفولغا، ثم جمهورية “زابولاتشنايا”، وفي نفس العام، تحت الشعارات السوفياتية، تم إعلان دولة سيبيريا، وظهرت منطقة الأورال السوفياتية شبه المستقلة، وأعلنت جمهورية “جبال شمال القوقاز” الاستقلال.
خلال الحرب الأهلية، تغيرت ممارسة البلاشفة (لكن ليس النظرية) تدريجياً. جميع المناطق التي دخلها الجيش الأحمر خضعت لسيطرة واحدة. كانت هذه المتطلبات الطبيعية في زمن الحرب. لكن على مستوى الأيديولوجيا، لم يتغير النهج الرسمي. احتفظت جميع الجمهوريات التي تأسست فيها السلطة السوفياتية إلى حد ما على الأقل (أوكرانيا، بيلاروسيا، عبر القوقاز) بوضع “الدولة” على قدم المساواة مع روسيا.
بالفعل خلال الحرب الأهلية، بدأت الحكومة السوفياتية في تشكيل كيانات مستقلة داخل البلاد. في مارس 1919، تم تشكيل جمهورية باشكيريا ذات الحكم الذاتي، في يونيو 1920 – كومونة العمل كاريلي (ثم تحولت إلى جمهورية كاريليا ذات الحكم الذاتي) ومنطقة تشوفاش ذات بالحكم الذاتي (أصبحت فيما بعد جمهورية تتمتع بالحكم الذاتي)، و في ديسمبر 1920 – مارييسكايا وفوتسكايا ( اودمورتسكايا) مناطق الحكم الذاتي وما إلى ذلك. بحلول نهاية عام 1922، اكتمل الاستقلال الذاتي لمعظم شعوب روسيا. أصبحت جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية تضم 10 جمهوريات تتمتع بالحكم الذاتي و11 منطقة حكم ذاتي. في وقت لاحق، سيتم أيضًا إنشاء تشكيلات وطنية إقليمية أصغر.
أنكر لينين بشكل قاطع هيمنة الثقافة الوطنية الروسية. إليكم ما كتبه عام 1913 في ملاحظاته النقدية حول المسألة القومية: “هل يستطيع ماركسي روسي عظيم أن يقبل شعار ثقافة روسية وطنية عظيمة؟ لا. يجب وضع مثل هذا الشخص بين القوميين وليس الماركسيين. إن عملنا هو محاربة الثقافة القومية البرجوازية المهيمنة للروس العظماء، وتطوير تلك الأجنة (او البدايات) التي هي موجودة أيضاً في تاريخنا الديمقراطي والعمالي بروح أممية في أقرب تحالف مع عمال البلدان الأخرى”.
بالطبع عارض لينين نظريا اي شكل من النزعة القومية: أوكرانية أو جورجية او غيرها. لكن في الوقت نفسه، اعترف دون قيد أو شرط بالحق في الوعي الذاتي القومي بين الشعوب الأخرى: “إذا كان الماركسي الأوكراني يسمح لنفسه بأن يشعر بالكراهية المشروعة والطبيعية تمامًا للاضطهاد الروسي إلى درجة أنه يسقط على الأقل جزء من هذه الكراهية على الثقافة البروليتارية والقضية البروليتارية للعمال الروس العظام، فإن هذا الماركسي سوف ينزلق بالتالي إلى مستنقع القومية البرجوازية”. هذا ما كتبه لينين، مما يعني، كما يقولون، أنه من الممكن والضروري أن تكره الظالمين، لكن أخاك العامل – إنه جيد، لا يجب أن تكرهه.
ومع ذلك، أدى هذا الموقف إلى أيديولوجية مثالية وعبثية للأممية البروليتارية، والتي أصبحت أساس السياسة القومية السوفياتية وقادت في نهاية المطاف الاتحاد السوفياتي إلى العديد من المشاكل.
في عامي 1917 و1918، كان البلاشفة يأملون جديًا أن يتخذوا الخطوة الأولى نحو الثورة الألمانية بالاستسلام لألمانيا. وبعد ذلك سيوقف العمال الألمان الحرب وسيتخذون البروليتاريين الروس إخوة واصدقاء. لم ينجح الأمر. لقد قاتل العمال الألمان، بدافع الشعور القومي وليس التضامن البروليتاري، عن طيب خاطر ضد روسيا السوفياتية، كما قاتلوا في السابق ضد روسيا القيصرية.
حتى في عام 1941، اعتمد الكثيرون على حقيقة أنه إذا دخلت ألمانيا الحرب ضد دولة العمال والفلاحين (اي ضد الاتحاد السوفياتي-المترجم)، فستحدث ثورة على الفور هناك. دعمت الدعاية الرسمية هذه المشاعر. وهكذا، في فيلم عام 1938 الحائز على جائزة ستالين – ان تقدم الجيش الأحمر غدًا، سيؤدي على الفور إلى انتفاضة عمالية خلف خطوط العدو. لا داعي للقول كم كانت الضربة التي تعرضت لها الأممية البروليتارية بداية الحرب الألمانية النازية ضد بلدنا. بعد الهزائم الأولى التي تكبدناها بفترة وجيزة، أُجبرت الدعاية السوفياتية بسرعة على نسيان الأممية والبدء في استخدام صور الدولة الروسية وأبطالها بعيداً عن القناعات الشيوعية تمامًا.
تصور البلاشفة منذ البداية تقريبًا إمكانية إنشاء كيانات مستقلة داخل جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية. لذلك، في أبريل 1918، في رسالة الحكومة السوفياتية إلى مجالس سوفيات قازان وأوفا وأورنبورغ وآخرين، لوحظ أنه كان من الضروري “… رفع وعي ومستوى الجماهير لقبول السلطة السوفياتية… لكن هذا مستحيل بدون الحكم الذاتي في هذه الاطراف، أي دون تنظيم مدرسة محلية أو محكمة محلية أو إدارة محلية أو سلطات محلية. عبر لينين عن نتائج بناء الأمة بالطريقة التالية: “لقد أعطينا كل القوميات غير الروسية جمهورياتها أو مناطق حكمها الذاتي”.
وعلى هذه الخلفية، في 23 سبتمبر 1922، قدم جوزيف ستالين، الذي شغل بعد ذلك منصب مفوض الشعب (وزير) للقوميات، مشروع الحكم الذاتي، أي ضم الجمهوريات السوفياتية ذات الحكم الذاتي إلى روسيا السوفياتية (خطة ستالين هي جعل أوكرانيا وبيلوروسيا وعبر القوقاز خاضعة للحكم الذاتي ضمن روسيا-المترجم).
في ظل هذه الخلفية العبثية للأسف عن التفكك التام (وانهيار الاتحاد السوفياتي لاحقا-المترجم)، كان مشروع ستالين منطقيًا بشكل ملحوظ.
لقد عارض سياسة لينين القومية واقترح إنشاء كونفدرالية غير فضفاضة، توحدها فقط الأيديولوجية والإعانات القادمة من روسيا السوفياتية، ولكنها تشكل “دولة حمراء” قوية وموحدة.
كان ستالين مؤيدًا للنهج الوحدوي في بناء الدولة. كان يعتقد أنه عند تشكيل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، كان ينبغي أن تنضم جميع الجمهوريات السوفيتية إلى جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية باعتبارها جمهوريات ذات حكم ذاتي قائمة بالفعل. علاوة على ذلك، أظهر ستالين نفسه كرجل دولة حقيقي. حتى أنه اعتبر الاتحاد بمثابة مرحلة انتقالية إلى نوع جديد من الوحدوية: “… تم استبدال الوحدة القيصرية القسرية بالفيدرالية الطوعية، بحيث تفسح الجمهوريات الفيدرالية بمرور الوقت الطريق لنفس التوحيد الطوعي والأخوي للجماهير العاملة من جميع الأمم والشعوب في روسيا”، كتب ستالين مرة أخرى في عام 1918. حينها بدا الأمر وكأنه معارضة واضحة لموقف لينين.
في الواقع، في عرض ستالين، بدا تطور الدولة السوفياتية على النحو التالي: أولاً، مرحلة الفيدرالية، التي تتحول تدريجياً إلى وحدة واحدة، وبعدها تصبح دولة واحدة ولا يمكن تقسيمها وفقًا لمبادىء قومية او إقليمية. ولا للكونفدرالية، كما تصورها لينين. لم يتضمن مشروع ستالين رفض الاتحاد الكونفدرالي فحسب، بل احتوى مركزية نظام إدارة الدولة. أصبحت اللجنة التنفيذية المركزية لعموم روسيا ومجلس مفوضي الشعب ومجلس العمل والدفاع في روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية الهيئات العليا للسلطة والإدارة.
في أكتوبر 1922، أثناء مناقشة مشروع الحكم الذاتي مباشرة، اندلع صراع بين مؤيد ستالين سيرغو أورجانيكيدزه وزعماء الحزب الشيوعي الجورجي. أهان عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لجورجيا كباخيدزه أورجانيكيدزه، حيث تلقى ضربة على وجهه.
أصبح الحادث موضوع تحقيق خاص. ذهبت لجنة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري (ب) إلى تبليسي، وتتألف من فيليكس دزيرجينسكي وديمتري مانويلسكي وفينكاس ميكيفيسيوس-كابسوكاس. والمثير للدهشة أن اللجنة، التي لم تضم روسيًا واحدًا، لم تجد أي انتهاكات في تصرفات أورجانيكيدزه.
لكن لينين رفض استنتاجات اللجنة وقرر بطريقته الخاصة، وأدان أورجانيكيدزه (يا لها من مفارقة – لكونه جورجي) بسبب شوفينية الدولة العظمى.
“حرية الانسحاب من الاتحاد”، التي نبررها لأنفسنا، سوف تتحول إلى قصاصة ورق فارغة، غير قادرة على حماية ابناء الشعوب الاخرى فى روسيا من غزو ذلك الشخص الروسي الحقيقي، الشوفيني الروسي العظيم…. هل اتخذنا تدابير بعناية كافية لحمايتهم حقًا من الطاغوت الروسي الحقيقي؟ كتب زعيم الحزب البلشفي “أعتقد أننا لم نتخذ هذه الإجراءات، على الرغم من أنه كان بإمكاننا ويجب علينا اتخاذها”.
كان لينين غاضبًا من مشروع ستالين. لقد رفضه رفضا قاطعا، وتوصل إلى مشروع بديل لتشكيل اتحاد (اتحاد كونفدرالي، أطلق عليه اسم اتحاد) للجمهوريات القومية. لكن كان هناك من ذهب إلى أبعد من لينين. وهكذا، تحدث البلشفي البارز نيكولاي بوخارين ورئيس الحزب الشيوعي الأوكراني، جورجي بياتاكوف، بشكل عام عن غياب الحاجة إلى أي إتحاد حكومي. واقترح ضمان الوحدة على مستوى العلاقات الحزبية للشيوعيين الذين كانوا في السلطة في روسيا وأوكرانيا وما وراء القوقاز، أي تمامًا كما كان خلال الحرب الأهلية.
تقدم رئيس الحكومة الأوكرانية كريستيان راكوفسكي بمشروع آخر، حيث اقترح إنشاء اتحاد كونفدرالي، لكن بدون أي سلطات مركزية على الإطلاق. ويجب بناء العلاقات بين الجمهوريات على أساس الاتفاقيات الثنائية.
باستخدام الأفكار المجنونة لخصومه والمناورة بمهارة في بيئة الحزب الداخلية، تأكد ستالين من الموافقة على مشروع الحكم الذاتي الخاص به. كان اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية قد تم إنشاؤه بالفعل على مبدأ الانضمام إلى الجمهوريات القومية تحت مظلة الحكم الذاتي في جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية. لكن بعد ذلك تدخل لينين، وباستخدام سلطته الهائلة، فرض موقفه على قيادة الحزب.
في 6 أكتوبر 1922، تم تبني مسودة لينين في الجلسة الكاملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري (ب). على الرغم من أن الخلافات لم تهدأ حتى إعلان اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، وفي 30 ديسمبر 1922، تم التوقيع على معاهدة الاتحاد.
بعد ذلك، تمكن ستالين من تحويل اتحاد الدول السوفياتية المستقلة إلى اتحاد فيدرالي مستقر وقوي، لكنه لم يكن قادرًا على مواجهة إرث لينين. كان لينين هو الذي وضع، في عام 1922، الآليات الدستورية التي أدت في النهاية إلى انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991.
(12)
أكبر من إمبراطورية
كيف ولماذا تم إنشاء الاتحاد السوفياتي – تجربة عمرها 100عام
فلاديمير كروغلوف
دكتوراه في التاريخ، كبير باحثي معهد التاريخ الروسي التابع لأكاديمية العلوم الروسية
تعريب د. زياد الزبيدي بتصرف
14/12/2022
كان من المقرر أن تصبح الذكرى المئوية لتشكيل الاتحاد السوفياتي أحد الموضوعات التاريخية الرئيسية في جدول الأعمال الاجتماعي والسياسي في عام 2022. لكن الأحداث السياسية الحالية دفعت بها إلى الظل. ولكننا نلاحظ ان أحداث الذكرى السنوية (في المقام الأول، المؤتمرات العلمية) نشطة للغاية، لكنها لا تجذب انتباه وسائل الإعلام تقريبًا. ربما تكون هذه علامة إيجابية، بالنظر إلى مدى أهمية أحداث الماضي التي لعبت مؤخرًا دورا مهما على جدول الأعمال المعاصر – يصبح التاريخ من حصة المؤرخين، بينما ينشغل المجتمع اليوم – بالأحداث الجارية وتأثيرها على حياتهم.
وهنا لا بد من التنويه ان عملية بناء الاتحاد السوفياتي لم تكن سلسة على الإطلاق كما صورتها الكتب المدرسية السوفياتية، والدروس المهمة للوقت الحاضر تكمن في أحداث الماضي.
“العنصر القومي” لصالح البلاشفة
يمكن تقسيم عملية تشكيل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية إلى ثلاث مراحل. هذا التقسيم مجازي، ولا يوجد حد واضح بين هذه الفترات الزمنية، ولكن لا يزال لكل منها دلالاته الخاصة، والذي يسمح لنا بهذا التقسيم.
تغطي المرحلة الأولى السنوات من 1917 – 1920،
الثانية تقع في 1921-1922،
الثالثة – 1923-1925.
دعونا ننظر إليها من وجهة نظر تصرفات الحكومة الجديدة لتشكيل الدولة الجديدة في فضاء الإمبراطورية الروسية الآفلة.
في المرحلة الأولى، نجح البلاشفة في حل العديد من المهام الرئيسية. الأولى، بالطبع، هي الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها.
والثانية، هي البحث عن الحلفاء، وبشكل عام، توسيع قاعدة الدعم (سواء في شكل محاربة المعارضين أو تنفيذ المزيد من التحولات الاجتماعية والسياسية وغيرها).
والثالثة، هي “العمل من أجل الثورة العالمية”، والتي بدت غداة الثورة (1917-1919) على رأس جدول الأعمال.
كان يُنظر إلى إنشاء دولة واحدة في البداية على أنه أكثر العمليات ديمقراطية. أعلن زعيم البلاشفة فلاديمير لينين في المؤتمر السابع للحزب الشيوعي البلشفي في أبريل 1917: “نحن نريد اتحادا أخويا لجميع الشعوب”.
وفي أغسطس – سبتمبر لنفس العام، كتب ربما أهم أعماله حول موضوع بناء الدولة – “الدولة والثورة”، حيث يطرح صيغة جمهورية اتحادية فيدرالية متعددة الجنسيات للعمال والفلاحين.
هذه الفكرة مثيرة للاهتمام للغاية – عمل لينين في وقت سابق لسنوات عديدة كمعارض حاد للفيدرالية، حيث رأى أن الدولة المركزية هي الشكل الوحيد المقبول. ومع ذلك، فإن الصعود الواسع لـ “العناصر القومية” الذي أعقب سقوط النظام القيصري أقنعه بأن هناك قوة كبيرة ومهمة من الضروري إيجاد لغة مشتركة معها والتي، علاوة على ذلك، يمكن استخدامها لدعم سياسته الخاصة من خلال طرح الشعارات الصحيحة.
“الجمهوريات القومية” مقابل “الدول الرأسمالية”
كان “إعلان حقوق شعوب روسيا”، الذي صدر بعد وقت قصير من ثورة أكتوبر يضمن: المساواة والسيادة والحق في التنمية الحرة وتقرير المصير حتى الانفصال. بينما جاء “إعلان حقوق العمال والشعب المضطهد” (يناير 1918) ليحدد هيكل الدولة الجديدة لجمهورية روسيا السوفياتية على أنها اتحاد فيدرالي للجمهوريات القومية السوفياتية على أساس اتحاد حر للأمم الحرة. وسرعان ما تم تقنين هذا النموذج في دستور روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية (يوليو 1918).
في المرحلة الأولى، كان من المفترض أن توحد أراضي الإمبراطورية الروسية السابقة تحت حكم البلاشفة. ومع ذلك، فقد كان يعني أيضًا الانضمام الحر لجميع الشعوب الأخرى التي قررت السير في طريق بناء الاشتراكية.
لغرض التحريض والدعاية، كان إعلان الجمهوريات السوفيتية لـ “شعوب الشرق” (تركستان، تتار – بشكيريا) في الربيع، بهدف التأثير على “الجماهير المسلمة الفقيرة” في آسيا. في الاتجاه الأوروبي، وبهدف مماثل، تم إنشاء جمهوريات البلطيق (الإستونية واللاتفية والليتوانية) والبيلاروسية في الخريف (على الرغم مما ورد في مراسلات بلاشفة موسكو مع السكان المحليين، حيث تم توضيح أن هذه التشكيلات الجديدة، وقبل كل شيء، ستلعب دور حماية جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية من العدوان الإمبريالي القادم من الغرب). في عام 1919، ظهرت جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية.
كان من المفترض أن يكون التوجه إلى النضال ضد رأس المال الدولي على وجه التحديد من خلال التحريض الثوري بين “القوميين”.(على الرغم من أن الاعتماد كان في المقام الأول على أوروبا – كما تم السعي إلى “تحويل أوكرانيا إلى [جمهورية] نموذجية في ضوء أهميتها الهائلة بالنسبة ل”شعوب الغرب”).
“المركزية” في غلاف “الفيدرالية”
ومع ذلك، سرعان ما تسبب هذا المسار في حدوث اضطرابات في قمة الحزب. لقد ظهرت في مارس 1919 في المؤتمر الثامن للحزب البلشفي، عند مناقشة تقرير لينين حول “المسألة القومية”.
شكك العديد من البلاشفة البارزين في اختيار المسار السياسي. وهكذا، عبر زعيم الحزب الشيوعي في أوكرانيا بياتاكوف عن أسفه لأن الحزب، “لعدم رغبته في الانسلاخ عن الواقع”، اضطر للتخلي عن “سياسته القومية” السابقة. رئيس صناعة تكرير النفط أوبوكوف (لوموف) تحدث لصالح “أقصى قدر من المركزية” مع تركيز الإدارة “في مركز اقتصادي واحد” لجميع الجمهوريات “التي تتحد معكم (اي مع روسيا) على أساس مبدأ فيدرالي”. وفقًا لرئيس تحرير صحيفة برافدا بوخارين – فقط البروليتاريا كان لها الحق في تقرير المصير، وليس “الإرادة الوهمية المزعومة للأمة”. رئيس النقابات تومسكي اعترف بأن الحركات القومية الرافضة للأممية البحتة لا يزال يتعين “التعامل معها على أنها شر لا بد منه” لبعض الوقت.
تحت هذا الضغط، كان على لينين التنازل عن مسودة البرنامج الحزبي وإزالة البند الخاص بدعم حق الأمم في تقرير المصير (على الرغم من أنه بعد ستة أشهر فقط قدمه مرة أخرى كواحد من الشعارات الرئيسية للبلاشفة).
ويعكس البرنامج التوجه نحو “اتحاد فيدرالي منظم على غرار الاتحاد السوفياتي” باعتباره “شكل انتقالي ضروري للوحدة الكاملة للشعوب”.
في الحقيقة، في نفس الوقت، تم رفض المبدأ الفيدرالي الخاص ببناء الحزب نفسه، والذي تمت مناقشته في المؤتمر. وبدلاً من ذلك، أدركوا أنه من الضروري ” مركزية واسعة وانضباط شديد في الحزب، والالتزام المطلق لقرارات الهيئات العليا من قبل الأدنى منها”، إلخ. وهذا الحزب مارس “هيمنة سياسية دون منازع على مجالس السوفيتات وسيطرة فعلية على كل عملها”.
أصبح هذا هو النموذج للهيكل المستقبلي للاتحاد السوفياتي، تلك “المركزية تحت ستار الفيدرالية”، التي كتب عنها خبراء الشؤون السوفياتية كثيرًا في 1960-1980، ومؤرخو التاريخ السياسي السوفياتي في عصرنا.
تم تثبيت مجموعة واسعة من الحريات على الورق، ولكن في الواقع تم تثبيت كل شيء وتنظيمه من قبل احتكار الحزب مع الانضباط الصارم المتأصل فيه.
“روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية” بدلاً من “الإمبراطورية القيصرية الروسية”؟
ليس من المستغرب أن يبدأ التحرك نحو دولة واحدة على وجه التحديد بعد تبني مثل هذا البرنامج.
في 1 يونيو 1919، صدر مرسوم “حول توحيد الجمهوريات السوفياتية: روسيا وأوكرانيا وليتوانيا وبيلاروسيا من أجل محاربة الإمبريالية الدولية”. حتى الآن، كان من المفترض أن تتحد – مؤقتًا حتى النصر – أهم فروع الاقتصاد والهيئات الحكومية “فقط” مع الحفاظ على استقلال هذه الدول. بدأ تطوير أشكال محددة من توحيد جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية والجمهوريات السوفياتية، ومنذ ذلك الوقت يمكننا الحديث عن إنشاء ما سيطلق عليه لاحقًا “الاتحاد السوفياتي”.
ومع ذلك، على مستوى الخطاب السياسي، استمر التناقض لبعض الوقت، وفقط في صيف عام 1920، في المؤتمر الثاني للكومنترن، صاغ لينين رسميًا المهمة الرئيسية: من الضروري السعي من أجل تحقيق إتحاد فدرالي أوثق وأوثق واتحاد اقتصادي للجمهوريات السوفياتية، “بمعنى الاتجاه نحو إنشاء اقتصاد عالمي واحد ككل”.
نتيجة لذلك، منذ سبتمبر من نفس العام، بدأت جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية والجمهوريات السوفياتية الاخرى في إبرام معاهدات اتحاد واتفاقيات بشأن القضايا العسكرية والاقتصادية، إلخ. وفي ديسمبر، تبنى مؤتمر مجالس السوفييتات الثامن لعموم روسيا الخطة الشهيرة لكهربة روسيا (GOELRO)، والتي امتد تأثيرها إلى اقتصاد الجمهوريات السوفياتية الأخرى. تضمنت الخطة، من بين أمور أخرى، إعادة إعادة تقسيم أراضي الإمبراطورية الروسية السابقة من خلال برنامج خلق مناطق اقتصادية – أي إنشاء مناطق إقليمية واقتصادية كبيرة مجمعة وفقًا لمبدأ وحدة موارد الطاقة، والتقاسم الطبيعي والاقتصادي والديموغرافي، إلخ. (أي مع تجاهل الحدود العرقية المتوارثة). يمكن لهذه القرارات أن ترسم خطاً تحت المرحلة الأولى من تشكيل الاتحاد السوفياتي.
يمكن أن يبدأ العد التنازلي للمرحلة الثانية – وربما الأكثر دراماتيكية – في ربيع عام 1921. انعقد المؤتمر العاشر للحزب البلشفي، والذي أكد على الحاجة إلى “اتحاد وثيق للجمهوريات القومية من أجل المواجهة الاقتصادية والعسكرية مع القوى الإمبريالية الموحدة “. ومع ذلك، سرعان ما اندلعت الخلافات حول أشكال هذا الارتباط. ستالين تحدث “عن مهام الحزب في المسألة القومية”، أن “الشكل المرغوب والتجسيد الحي” لاتحاد الجمهوريات هو جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية”.
(القصد انضمام كل الجمهوريات إلى روسيا تحت حكم مركزي مع تمتعها بحكم ذاتي – المترجم).
بدأ ممثلو الجمهوريات بالاعتراض على طروحات ستالين، وهم في المقام الأول أعضاء الوفد الأوكراني زاتونسكي وسكريبنيك. فحسب رأيهم، قلل المتحدث من أهمية مشاكل الحركات القومية، وكانت قيادة الحزب متحمسة للغاية بشأن المركزية، والتي، بالنسبة للبعض، “مشوشة بالأفكار المعتادة حول “الواحد غير القابل للتجزئة “.
كما رأوا في التقرير “تلميحًا” إلى أن “وجود جمهوريات مستقلة منفصلة أمر مستحيل”. حتى ان وفد جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية أدان هذا النهج، لكن مشكلة العلاقات بين المركز وأجزاء من الاتحاد المستقبلي ظهرت على السطح، وأصبحت جوهر العديد من المناقشات، والتي تلاشت تدريجيًا نهاية عشرينيات القرن الماضي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتجادل فيها “القوميون” مع قيادة الحزب. في وقت مبكر من بداية عام 1920، أعلن الشيوعيون في آسيا الوسطى، الذين شكلوا الحزب الشيوعي التركستاني وأعلنوا أن “تركستان بلد الشعوب التركية”. تم قمع هذا الخطاب بسرعة، لكن مشكلة النزعة القومية التركية، التي استوعبت المفاهيم الاشتراكية بسهولة، جعلت نفسها محسوسة لفترة طويلة. في صيف العام نفسه، بدأت حركة مناهضة للشيوعية في باشكيريا، بسبب تقليص صلاحيات الحكم الذاتي، والتي استغرقت حوالي عام لقمعها. كان الوضع في شمال القوقاز غير مستقر للغاية، وظهرت أنواع مختلفة من السخط في كل منطقة من مناطق البلاد تقريبًا.
اتضح أن
من خلال أفعاله غير المدروسة بشكل كافٍ، والتي غالبًا ما تكون خرقاء بصراحة تمليها الدوغمائية الأيديولوجية، أيقظ النظام خصمًا شديد الخطورة – الشعور بالتضامن القومي (القومية).
لم تستطع أيديولوجية البلاشفة، العابرة للقوميات في محتواها، أن تتصرف على قدم المساواة معها، وهو ما أظهرته الأحداث في أوروبا مرارًا وتكرارًا. على سبيل المثال، في بولندا، في ظروف إحياء الدولة والشعور بالوحدة الوطنية التي تعززت بذلك، تم إحباط التوسع “من الشرق” أولاً بالهزيمة في حرب عام 1920، ثم بسبب الفشل الفعلي للعمل الأيديولوجي. وطرد نشطاء الحزب الشيوعي من البلاد خلال عشرينيات القرن الماضي.
ولوحظ شيء مشابه في بلغاريا والمجر ودول “جديدة” أخرى في أوروبا (ناهيك عن ألمانيا، حيث كان لـ “التهديد الأحمر” تأثير كبير على زيادة شعبية أنصار هتلر). نتيجة لذلك، فيما يتعلق بالحفاظ على السلطة داخل الدولة، في البداية، قبل تعزيز “توجه السلطة”، كان من الضروري تقديم تنازلات ل “الكوادر القومية” والعمل بحذر أكبر.
الوحدة عن طريق التجربة والخطأ
في الوقت نفسه، ظهرت متطلبات السياسة الخارجية. فمن ناحية، أدرك قادة البلاشفة تدريجيًا أن الثورة العالمية، إذا حدثت بالفعل، فلن تحدث بالتأكيد في السنوات القليلة القادمة. خلق هذا مهمة جديدة وهي إيجاد نموذج معين للعلاقات مع البلدان “الرأسمالية”. وهؤلاء، بدورهم، سعوا إلى تطبيع العلاقات بسرعة مع روسيا السوفياتية.
وحدث ان تلقت روسيا دعوة للمشاركة في المؤتمر الاقتصادي لعموم أوروبا في جنوة (أبريل- مايو 1922)، والذي أثار التساؤل حول كيفية تمثيل الجمهوريات السوفياتية الجديدة. في يناير 1922، طرح مفوض الشعب للشؤون الخارجية شيشيرين فكرة الوحدة، والتي وافقت عليها قيادة البلاد. في فبراير تم إبرام اتحاد دبلوماسي للجمهوريات السوفياتية – مستقلة، ولكنها مرتبطة بجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية من خلال “روابط أخوية وحليفة لا تنفصم.” كما تم التأكيد على أن هذا التحالف يمتد “فيما يتعلق بدائرة غير محدودة من الدول”.
بعد ذلك، كان التوحيد الرسمي مجرد مسألة وقت. في فصلي الربيع والصيف، أثارت اللجنة المركزية للأحزاب الشيوعية في أوكرانيا وبيلاروسيا، ثم لجنة الحزب في إقليم عبر القوقاز، أسئلة حول تحسين العلاقات مع روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، والانتقال إلى “أشكال تعاون أوثق تفتح الطريق أمام إنشاء كيان اقتصادي وطني واحد “. في أغسطس 1922، أنشأ المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب البلشفي لجنة لإعداد مشروع مناسب. أصبح كويبيشيف زعيمها الرسمي. ومع ذلك، تم تنفيذ العمل وفقًا للتعليمات وبروح الأفكار التي صاغها ستالين. ونتيجة لذلك، نُشرت مسودة في سبتمبر، عُرفت باسم “خطة الحكم الذاتي” – افترضت دخول الجمهوريات المختلفة إلى الاتحاد الروسي باعتبارها مناطق حكم ذاتي.
وعندها اندلعت النقاشات حولها بشكل جاد. كان ممثلو الأحزاب الشيوعية في جورجيا وأوكرانيا نشطين بشكل خاص، ولكن لوحظ نشاط تحت السطح أيضًا في جمهوريات أخرى. في محاولة للحصول على الدعم من سلطة تتمتع بالهيبة، أرسل ستالين رسالة إلى لينين في 22 سبتمبر، ذكر فيها بصراحة وجهات نظره حول المشكلة.
من خطاب ستالين
“إما الاستقلال الحقيقي، وعندها عدم تدخل المركز”، أو التوحيد الفعلي للجمهوريات السوفياتية في وحدة اقتصادية واحدة… أي استبدال الاستقلال الوهمي باستقلال داخلي حقيقي يشمل اللغة، والثقافة، والعدالة، والشؤون الداخلية، والزراعة، وما إلى ذلك “
على ما يبدو، كانت الصراحة جريئة للغاية. في 26 سبتمبر، أرسل لينين رده إلى اللجنة المركزية، حيث وصف فكرة “الاستقلال الذاتي” بأنها خروج عن مبادئ الأممية البروليتارية.
عرّف لينين شكل دولة الاتحاد المستقبلية على أنها اتحاد طوعي ومتساو للجمهوريات المستقلة (“اتحاد الجمهوريات السوفياتية في أوروبا وآسيا”).
في العرض التاريخي، وخاصة في الصحافة، يتم تصوير هذا التبادل لوجهات النظر على أنه صدام أساسي بين لينين الأممي و “نصير الدولة”، مع “صاحب السيادة” ستالين.
في الواقع، يبدو أن كل شيء أبسط من هذا: لم يتحدث لينين أبدًا بأي طريقة محددة عن هيكل الاتحاد المستقبلي، لذلك كان على مرؤوسيه البحث عن أشكال مناسبة، والتصرف على مسؤوليتهم ومخاطرهم.
بشكل عام، تجدر الإشارة إلى أن البلاشفة لم يكن لديهم خطط واضحة منذ البداية، لذا فقد تصرفوا حسب الظروف، عن طريق اللمس، لمعرفة الأساليب التي تحقق نتائج سريعة وتجنب تلك التي لا تعمل (أصبح هذا النموذج من العمل هو الرئيسي لـ العقود القادمة).
في التاريخ، مع إنشاء اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، توج البحث بالوصول إلى “المبادئ التوجيهية”، والتي تم الالتزام بها بعد ذلك بثبات ودون الخروج عن الإطار المحدد. ومن الدلائل في هذا الصدد أن ستالين لم يعد أبدًا إلى خطة “الحكم الذاتي”.
“الوحدة الطوعية للشعوب المتساوية”
بالفعل في 6 أكتوبر، أيدت الجلسة الكاملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي البلشفي فكرة إنشاء نوع جديد من الدولة متعددة الجنسيات – “اتحاد الجمهوريات المتساوية” – من خلال إبرام اتفاقية توحيد بين روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية وأوكرانيا وبيلاروسيا وعبر القوقاز. وجاؤوا باسم مختلف قليلاً للكيان الجديد، يكون أكثر انسجامًا في الاختصار: СССР بالروسية.
أعقب ذلك فترة من العمل التحضيري وخلال شهر ديسمبر، عقدت مؤتمرات مجالس سوفييتات ضمن الجمهوريات، وفي 30 ديسمبر، وافق مؤتمر مجالس السوفيتات الأول لعموم الاتحاد على إعلان تشكيل الاتحاد السوفياتي ومعاهدة الاتحاد التي أعلنت: “هذا الاتحاد اتحاد طوعي لشعوب متساوية، ولكل جمهورية الحق في الانسحاب الحر من الاتحاد”.
المرحلة الثانية، في الواقع، تصل إلى خواتيمها هنا، وهنا ينهي المؤرخون بحثهم حول هذه المسألة.
في غضون ذلك، وفي الشكل الذي نعرفه، تبلور الاتحاد خلال السنوات القليلة المقبلة. هذه العملية النهائية هي جوهر المرحلة الثالثة التي تغطي 1923-1925. علاوة على ذلك، شهد النصف الأول من عام 1923 استمرار الخلافات التي اندلعت في خريف عام 1922 – حول جوهر الاتحاد وحقوق مكوناته وما إلى ذلك. تحت ضغط الشيوعيين الأوكرانيين والجورجيين، كان على قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي البلشفي الدفاع عن نفسها لبعض الوقت، وهو ما يرتبط عادةً بحقيقة أن لينين انحاز إلى جانب “القوميين”. وهكذا، في الجلسة الكاملة للجنة المركزية في فبراير، كان على ستالين أن يدرج في تقريره “المسائل القومية في بناء الحزب والدولة” أطروحات حول الرفض القاطع لجميع أشكال الإكراه ضد القوميات، والاعتراف بالمساواة والسيادة بين الشعوب وإمكانية توحيدهم فقط على أساس التعاون والطوعية نتيجة الإطاحة بسلطة رأس المال. كان أحد المشاركين النشطين في المناقشة هو ميخائيل فرونزه، الذي اقترح توسيع حقوق تنظيم الموازنة للجمهوريات.
“تقرير المصير للبروليتاريا” مقابل “تقرير المصير للشعوب”
في أبريل 1923، عُقد المؤتمر الثاني عشر للحزب البلشفي – ربما كان آخر منتدى حزبي رئيسي، حيث نوقشت الأسئلة حول حقوق وسلطات المركز والجمهوريات الإتحادية بجدية. ووجه ممثلو الأخيرة انتقادات لموسكو واللجنة المركزية بسبب “الجمود العميق للمركزية”، والمطالبة بتعزيز السلطة السوفياتية، “حتى لا تكون خيالية، بل فعلية”.
ومع ذلك، كان “القوميون” محدودين بشدة في الوسائل والفرص للتعبير عن مواقفهم. أولاً، في عام 1921، بناءً على مبادرة لينين، تم تبني قرار يحظر النشاط الفصائلي في الحزب. وبعكس ذلك، قد يؤدي الاستمرار في الجدال إلى “عواقب تنظيمية” – كما حدث مع الناشط التتاري سلطان غالييف الذي دافع بحماسة عن حقوق ومكانة مناطق الحكم الذاتي ضمن جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، وطرد من الحزب على الفور تقريبا بعد المؤتمر واعتقل. الممثلون العنيدون لقيادة الحزب في الجمهوريات تمت ازاحتهم والاستعاضة عنهم بطريقة أقل فجاجة، ولكن ليست أقل فاعلية من خلال تنقلات بين الأجهزة.
ثانيًا، منذ مارس 1923، تقاعد لينين أخيرًا بسبب المرض، وبالتالي فقد “القوميون” شفيعهم الأكثر تأثيرًا.
أما بالنسبة لسياسة الحزب في “المسألة القومية”، فقد نجح ستالين في إعادة تفسيرها. إذا كان الخصوم يعتمدون على “العامل الاقتصادي”، وكذلك على تحديد واضح وحقيقي لموضوعات الاختصاص والاستقلال في تحديد مبادئ وتوجهات تنميتهم، فقد ركز زعيم الحزب الجديد على المجال الإنساني: الثقافة واللغة والتعليم إلخ. تبلور مفهوم التوطين (في ذلك الوقت كان يطلق عليه أيضًا “التأميم”)، المهمة التي صاغها ستالين على النحو التالي:
“اتخاذ جميع التدابير لضمان أن تصبح السلطة السوفياتية في الجمهوريات… ليس فقط روسية، بل متعددة القومية أيضًا. لهذا، من الضروري ألا تعمل المدارس فحسب، بل أيضًا جميع المؤسسات، وجميع الهيئات… بلغة مفهومة للجماهير، حتى تعمل في ظروف تتوافق مع حياة هذا الشعب”.
تعززت الأهمية الأيديولوجية للمسار الجديد برفض خطة التقسيم إلى أقاليم التي صاغها ووافق عليها لينين بالفعل، والتي تضمنت رفض الجمهوريات العرقية والحكم الذاتي.
أخيرًا، في يونيو، عُقد المؤتمر الرابع للجنة المركزية للحزب البلشفي بحضور كبار المسؤولين في الجمهوريات والأقاليم القومية. في ذلك المؤتمر، رفض ستالين بشكل قاطع الخطب الداعية إلى الحفاظ على سيادة الجمهوريات (بشكل أساسي ما يخص أوكرانيا):
“نحن لا ننشئ اتحادًا كونفدراليًا، بل فيدرالية للجمهوريات، دولة اتحادية واحدة توحد الشؤون العسكرية والخارجية والتجارة الخارجية وشؤون أخرى… التي لا ينتقص وجودها من سيادة الجمهوريات المنفردة “. كما أشار إلى أن حق تقرير المصير للعمال بالنسبة للشيوعيين أعلى بما لا يقاس من حق تقرير المصير القومي.
الإعلانات حول الحقوق الواسعة … إلخ، التي تمكن البلاشفة -بناء عليها- من جذب نشطاء الحركات القومية إلى جانبهم أثناء الحرب الأهلية، كانت مجرد خطوة تكتيكية وتم تجاهلها في الوقت المناسب بحجة اتباع خط الحزب.
النغمة الأخيرة
في يوليو 1923، ظهر نداء من قبل هيئة رئاسة اللجنة التنفيذية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية إلى جميع شعوب وحكومات العالم، حيث تم إعلان الاتحاد اتحادًا طوعيًا من الشعوب المتساوية التي لها الحق في الانفصال بحرية. في الوقت نفسه، تم منح جميع الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية التي قد تنشأ في المستقبل، فرصة للانضمام إليه،
اي أنه، تم وضع الأسس لمزيد من توسيع الاتحاد السوفياتي، وتحويله إلى “جمهورية عالمية للسوفييتات”.
كانت النغمات الختامية للسيمفونية هي اعتماد دستور الاتحاد في يناير 1924 من قبل المؤتمر الثاني لمجالس السوفييت لعموم الاتحاد، والذي أكمل رسميًا عملية إنشاء الاتحاد السوفيتي كدولة فيدرالية واحدة، وكذلك في اجراء – خلال 1924-1925- عملية ترسيم الحدود الوطنية الإقليمية في آسيا الوسطى (إلغاء جمهورية تركستان الاشتراكية السوفياتية، وبخارى وخوارزم الاشتراكية السوفياتية، وإنشاء مناطق الحكم الذاتي الأوزبكية والتركمان، والجمهورية الطاجيكية الاشتراكية السوفياتية، وكارا – كالباك وكارا – قيرغيزستان على أراضيها).
عادة ما تغيب هذه العملية الأخيرة عن الباحثين في بلدنا، لكن المؤرخين الأجانب، على العكس من ذلك، يظهرون اهتمامًا شديدًا بها. ولسبب وجيه: بعد كل شيء:
إن فك الارتباط وترسيم الحدود هو المثال الأكثر وضوحا على “بناء الدول” من قبل البلاشفة – “إنشاء أمم سوفياتية” على أراضي منطقة شاسعة، ربما كانت في السابق الأقل اندماجًا في المجال العام (القانوني والثقافي واللغوي.، إلخ) على مساحة الإمبراطورية الروسية المترامية الاطراف.
لقد كانت “جبهة” كلاسيكية حيث أتيحت للحكومة الجديدة الفرصة لتجربة كل أفكارها السياسية والأيديولوجية ومقاربات الهندسة الاجتماعية والعرقية – على الرغم من أن الخبراء في المنطقة في ذلك الوقت تمردوا ضد مثل هذا النهج.
كتب المستشرق البارز بارتولد:
“المبدأ القومي، كما تم وضعه موضع التنفيذ… في آسيا الوسطى عام 1924، تم تطويره من خلال تاريخ أوروبا الغربية في القرن 19 وهو غريب تمامًا على التقاليد التاريخية المحلية.” ومع ذلك، حتى في تلك السنوات، التي اعتبرت فترة التعاون الوثيق بين العلم والسلطة، كان لرأي العلماء قيمة استشارية فقط.
وهكذا، يجب أن تعزى النهاية الفعلية وليس الرسمية لتشكيل الاتحاد السوفيتي إلى منتصف عشرينات القرن الماضي. في الشكل الذي تحقق في ذلك الوقت، عاشت الدولة لمدة 60 عامًا ونيف. بالطبع، خضعت الحدود الداخلية للتعديل، غيرت الوحدات الإقليمية تبعيتها ووضعها (أهم مثال، فصل القرم عن روسيا وضمها إلى أوكرانيا عام 1954-المترجم)، من وقت لآخر توسعت أراضي الدولة – لكن التكوين الأساسي ظل دون تغيير.
________