نشرة “كنعان”، 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022
كنعان النشرة الإلكترونية
Kana’an – The e-Bulletin
السنة التاسعة عشرة – العدد 5198
21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019
في هذا العدد:
■ عادل سمارة:
(1) تعرية التطبيع (حلقة 9): تصريحات بومبيو أبعد من الضم
(2) عدوان الخائف وحرب القلِق
(3) فلتمان …والماركسية الشريطية
(4) استدعاء العدو؟
(5) لبنان: الصراع الطبقي لا يتوقف
■“ربيع الأميركان” في لبنان.. ونصر الله ! جورج حداد
■ السِمات الجديدة للثورات المُلوَّنة، موفق محادين
● ● ●
عادل سمارة
https://kanaanonline.org/2019/11/21/%d8%b9%d8%a7%d8%af%d9%84-%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%b1%d8%a9-17/
(1)
تعرية التطبيع (حلقة 9)
تصريحات بومبيو أبعد من الضم
أتت تصريحات وزير خارجية الولايات المتحدة حول زعمه بشرعية المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية وضم غور الأردن للكيان الصهيوني متساوقة مع الحرب المعولمة التي تديرها الولايات المتحدة على الصعيد العالمي بمستوييها التجاري من جهة، وتحريك أدواتها داخل الوطن العربي بحرب إرهاب انظمة وقوى الدين السياسي وأدوات أمريكا الأخرى ضد الشعب العربي من جهة ثانية.
لكن تصريحات بومبيو تتضمن ما هو أخطر من قضم الأراضي. فالضم يعني جوهريا وبالتجربة خطرين واضحين:
الأول: خطر الطرد غير المباشر للشعب الفلسطيني من أرضه. كان الطرد الجماعي عام 1948، ولكن بعد احتلال بقية فلسطين عام 1967 لم يلجأ الاحتلال إلى الطرد المباشر للفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة بل لجأ إلى الطرد غير المباشر سواء بالاعتقال أو التضييق المعيشي أو الاغتيال …الخ، وهو ما نسميه الإزاحة بهدف إيصال أهل البلاد إلى قرار
الانزياح الذاتي. هذا مع عدم نفي احتمال الطرد الشامل في حال توفر المناخ المناسب للعدو.
والثاني: ضم هذه المناطق في ما يسمى الدولة الواحدة وبالتالي أخذ “الحق”، كسلطة احتلال مفروضة على شعبنا ، بطرد كل من تراه “خطرا” عليها كسلطة.
أي ان الحالتين تتضمنان تفريغ الأرض من أصحابها.
تُلقي تصريحات بومبيو ضوءا واضحاً على خطورة تورط فلسطينيين/ات في الدعوة للحل المسمى “حل الدولة الواحدة” وذلك ليس لأن لا دولة شرعية في فلسطين إلا دولة حقيقية للشعب العربي الفلسطيني على كامل وطنه، بل لأن دولة واحدة مع المحتل هي تسليم للمحتل بما اغتصب وسيغتصب من الوطن والركوع تحت قدميه ركوعا عبودياً.
من هنا، فإن ما يجب ان يقوم به شعبنا هو إعادة العلاقة بالمحتل إلى اساسها الحقيقي وهو التحرير وليس التطبيع والقبول باتفاقات اوسلو وبروتوكول باريس…الخ.
إن قبول من وافقوا على أوسلو ببقاء المستوطنات في حينه والقبول ب “تطورها الطبيعي”!!! هو الأرضية التي يقف عليها اليوم العدو الأمريكي لإصدار تصريحات بومبيو.
(2)
عدوان الخائف وحرب القلِق
بوسعنا إدراج العدوان الصهيوني على سوريا، والرد السوري، وعلى غزة ورد الجهاد، واستغلال
الولايات المتحدة الحراك في لبنان لدعم الفاشية وخدمة الكيان ضد المقاومة، وتحريك اضطرابات في إيران، والحرب التجارية ضد الصين وعديد بلدان العالم، كل هذا ضمن منظومة لم نعهدها لدى العدو الأمريكي وهي منظومة سياسة القلق والخوف الذي يدفع إلى المغامرة وربما الانتحار.
أمريكا قلقة تماما كبنية واقتصاد وعسكر وإيديولوجيا وثقافة من صعود الصين خاصة . أما رئيسها فلا بد أن يتماثل تماما مع هذا القلق إضافة إلى قلقه على بقائه فما بالك بحرصه على الترشح والفوز مجدداً. والكيان الصهيوني يقوده مغامر وقلق ومفجوع سلطة ومرتعب من مغادرة رئاسة الحكومة إلى السجن.
ملاحظة: والذي لديه أعصابا فليتماسك.
(3)
فلتمان …والماركسية الشريطية
للتوضيح أولا الشريطية مقصود بها الدودة الشريطية المكونة مع حلقات عديدة تلقح نفسها وتتناسل داخلها. هذا حال شبكة من متمركسين تجعمهم الإمارات البريطانية المتحدة بتعليمات الكيان وتنظيرات تروتسكية متقاطعة منذ عقود مع المحافظين الجدد.
تتكاتب هذه الشريطية فيما بينها متمادحة دون ان تذكر فقرة فكية محترمة واحدة. هي شبكة في لبنان والأردن وسوريا والعراق . اللافت أنه حين بدأت أحداث لبنان أيدوها مثلنا. ولكن بعد بضعة ايام (كما حصل في ما يسمى الربيع العربي قفزت الثورة المضادة على عنق الحراك لينطق بصوتها ويتصرف بتوجيهاتها) أي حين امتطاها الفاشيون وهم بالضرورة عملاء للإمبريالية والصهيونية علانية، بقيت الماركسية الشريطية متحمسة للحراك المخطوف وأخذت تنهش المقاومة وكل من تمتع بالرؤية الماركسية الحقيقية الكاشفة لرائحة الإمبريالية. واليوم وقد أعلنها جيفري فلتمان بوضوح ليس فقط ضد المقاومة في لبنان بل ضد كل محور المقاومة. هل تأخذ الماركسية الشريطية حقنة العُقم؟
(4)
استدعاء العدو؟
مفهوم ارتباط الحراك الفاشي بامريكا،ولكن، هل يدرك الحراك الشعبي النظيف انه ببقائه بيد الفاشيين إنما يستدعي عدوه الطبقي والقومي والفكري؟
ملاحظة: لست أدري وأنا أفكر في هذا التناقض من جانب القاعدة الشعبية
للحراك اللبناني وهو يرى الطربوش الفاشي للحراك ويعرف أنه يستدعي العدو ،
ما وقع معنا في سجن المحطة في عمان 1965. كان ذلك ضمن حملة اعتقالات
للقوميين العرب والبعثيين. تم تجميعنا في السجن بدون تحقيق. المفارقة
اننا أضربنا عن الطعام كي يبدأ التحقيق اي التعذيب!
هل هذا ما ينتظره الحراك الشعبي
(5)
لبنان: الصراع الطبقي لا يتوقف
تضاءلت قاعدة الحراك في لبنان فتلاعب الحريري وباسيل بالصفدي وتردد عون. وبانت هشاشة يسار بلا قاعدة وحتى بلا أطروحات جذرية. فليذهب حزب الله للتنمية بالحماية الشعبية مع المقاومة. فالنظام الطائفي لن يقدم حلاً على عكس مصالحه، فليذهب الفقراء والمقاومة في اقتصادهم دون انتظار كواليس راس المال ودون وقف ضغطهم على راس المال. التنمية بالحماية الشعبية درجة من الصراع الطبقي تؤول إلى فك الارتباط وأبعد. الكمبرادور هو ارتباط بلا رتوش. هنا التحدي لحزب الله. فالنقاء وحده لا يكفي، فالثورة المضادة تتخندق وتجمع الصفوف أما اليسار الشريطي “من الدودة الشريطية”
فيلعب دور حاملات الطيب لمعبد اليمين.
ملاحظة: من يفهم ماركس ثورياً يعرف أن الصراع الطبقي لم يتوقف في مختلف التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية فهو يتمظهر في الفكر والاحتجاج والمسيرات وصولا إلى الرصاص. لا شكل محدد ومحدود للنضال الطبقي حتى خلال النضال ضد الاحتلال لا يغيب النضال الطبقي، فالعمال والفلاحون وهم يناضلون ضد الاحتلال هم يختصرون تحت أقدامهم تخاذل رأس المال دون أن يطلقوا عليه النار، وقد يفعلوا. لكن الصراع الطبقي الفعال أقله بل شرطه أن يقود حزب الطبقات الشعبية الثورة ضد المحتل وضد راس المال. “قراءة
البيان الشيوعي مهمة في هذا السياق”. دعك من الإسم لهذا الحزب، إذهب إلى طبيعة قواعده وإلى فكره.
● ● ●
“ربيع الأميركان” في لبنان.. ونصر الله !
جورج حداد
https://kanaanonline.org/2019/11/21/%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%83%d8%a7%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d9%84%d8%a8%d9%86%d8%a7%d9%86-%d9%88%d9%86%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87/
في 17 تشرين الأول/ اكتوبر 2019 وصلت موجة “الربيع العربي” المشؤوم الى لبنان. ففي مساء ذلك اليوم عمت المظاهرات الاحتجاجية الشعبية جميع المدن اللبنانية، للاحتجاج على الاوضاع المعيشية السيئة من غلاء وبطالة وفقر وفرض ضرائب جديدة على المواطنين وتقليص تقديمات الضمان الاجتماعي والمعاشات التقاعدية وغيرها من المطالب الشعبية المشروعة. وكانت الشرارة التي اطلقت موجة الاحتجاجات اعلان وزير الاعلام “المستقبلي!” جمال الجراح عن ان الوزارة قررت فرض ضريبة على خدمة “الواتس أب” المجانية في الهواتف المنقولة. وتبين لاحقا ان الوزارة لم تكن قد وافقت على اي قرار من هذا النوع، بل ان هذه الضريبة كانت اقتراحا تقدم به وزير الاتصالات “المستقبلي ايضا!” محمد شقير ولكن الوزارة لم توافق عليه. وهنا تبرز علامة استفهام حول السبب الذي دفع الوزير جمال الجراح لطرح اعلانه الاستفزازي حول قرار لم يتخذ، وهل كانت هذه اشارة انطلاق لموجة الاحتجاجات؟
اتخذت الاحتجاجات طابع انتفاضة شعبية سلمية اطلقت عليها اعلاميا تسمية “الحراك الشعبي”. وفي الـ3 ـ 4 ايام الاولى من “الحراك” اقتصرت الشعارات المرفوعة على طرح صور المعاناة الشعبية من الاوضاع المعيشية السيئة والاحتجاج على فرض الضرائب على المواطنين الفقراء وذوي الدخل المحدود وتقليص المكتسبات الشعبية وخصوصا المعاشات التقاعدية. وحافظت المظاهرات على طابعها السلمي. وردا على سياسة حل الازمة الاقتصادية والاجتماعية عن طريق “مد اليد على جيوب الفقراء وذوي الدخل المحدود” اي زيادة إفقار الشعب، طرحت بشدة شعارات مكافحة الفساد واعادة الاموال المنهوبة لخزينة الدولة. وحازت هذه الشعارات على شعبية كبيرة، وأيدتها اعلاميا جميع القوى والاحزاب السياسية الممثلة في وزارة “الوفاق الوطني” برئاسة سعد الحريري. واعلن حزب “القوات اللبنانية” بزعامة سمير جعجع الاستقالة من الحكومة والتضامن مع “الحراك الشعبي”. واصدر رئيس الوزراء سعد الحريري “ورقة اصلاحية” من بنود عديدة تحتاج الى دراسة اختصاصيين واتخاذ قرارات في مجلس الوزراء واصدار قوانين في مجلس النواب. وقبل ان يحدث اي شيء من ذلك اعلن الحريري استقالته من الحكومة بطريقة مسرحية توحي بأنه يريد الاصلاح، ولكن يده مغلولة، بما يوحي ان الذي يعرقل الاصلاحات والمسؤول عن الفساد والاوضاع السيئة في البلاد هو الفريق الذي لا يزال في الحكم، اي فريق رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وحليفه فريق الثنائي الشيعي: حزب الله وحركة امل.
وفي الليلة ذاتها التي اعلن فيها سعد الحريري استقالته، نزلت مظاهرات احتجاجية “غير سلمية” وبدأ قطع الطرقات على المواطنين واستفزاز قوى الامن وخاصة الجيش في محاولة مكشوفة: سياسيا لتحميل مسؤولية تدهور وضع البلد للفرقاء غير سعد الحريري و”القوات اللبنانية”، وأمنيا: لدفع الاحداث باتجاه المصادمات المسلحة وتعميم الفوضى تماما كما جرى سابقا في سوريا.
لا شك ان المطالب المعيشية والاجتماعية التي طرحها “الحراك الشعبي” هي محقة 100%. ولكن الاحداث بدأت تنحو منحى آخر وتهدف الى اهداف اخرى لا علاقة لها بالمطالب الشعبية الحقيقية، اي بدأت تتجه موضوعيا وذاتيا نحو تبرئة المسؤولين التاريخيين عن تدهور الاوضاع الاجتماعية في لبنان، ورمي هذه المسؤولية على المقاومة وحلفائها. وبالتالي جر قطاع واسع من الجماهير الشعبية اللبنانية، بوعي او بدون وعي منها، الى الحرب الاهلية والى الاصطدام بالجيش اللبناني وتفكيكه، ومن ثم الاصطدام بالمقاومة، وتبرير التدخل العسكري الاجنبي في لبنان، تحت البند السابع لميثاق الامم المتحدة او اي ذريعة “سلمية” او “انسانية” اخرى كما جرى في سوريا وليبيا.
وهذا ما يدفع الى التفكير بجدية في ان ما يجري الان في لبنان هو نسخة مشابهة في الجوهر، ومعدلة في التفاصيل، للسيناريو الاميركي الذي جرى تطبيقه في سوريا:
ـ في البدء تنزل المظاهرات السلمية والتي ترفع شعارات اصلاحية وديمقراطية. ثم يبدأ استفزاز القوى الامنية لجرها الى استخدام العنف. وبعد ان تسيل الدماء، يبدأ تدخل قوات المعارضة “المسلحة” الجاهزة سلفا، اولا بحجة الدفاع عن النفس، واخيرا بدون اي حجة كانت.
وكل عدة تنفيذ هذا السيناريو في لبنان هي جاهزة وتحت الطلب، اكثر مما كانت جاهزة سلفا في سوريا. ويمكن الاشارة الى النقاط التالية:
ـ1ـ ان “اللحديين” هم تحت الطلب في “اسرائيل”. وزيارة العميل عامر فاخوري الى لبنان، عشية انطلاقة “الربيع العربي” فيه، ليست صدفة. وليس من الضرورة ان يدخل اللحديون الى لبنان من الجنوب، بل يمكنهم الدخول من اي منطقة بما في ذلك من مطار رفيق الحريري الدولي، وبمعية امنية، كما دخل العميل عامر الفاخوري. وبالاضافة الى اللحديين هناك الجنود والضباط العرب في الجيش الاسرائيلي (دروز، بدو ومرتزقة آخرون).
ـ2ــ ان عناصر “فتح الاسلام” الذين قتلوا 200 جندي وضابط لبنانيين في مخيم نهر البارد، وحماتهم الذين اغتالوا العميد الشهيد فرانسوا الحاج، هؤلاء وأولئك، واشباههم من التكفيريين، لم يتبخروا ولم يذهبوا الى المريخ، بل لا زالوا داخل لبنان يتسترون بالمخيمات الفلسطينية وغيرها، ولا يزالون موجودين “تحت الطلب” في اي لحظة.
ـ3ـ اذا ذهب اي كان الى اي مخيم فلسطيني في لبنان، يجد ان غالبية “الحضور” هم من الشبان والكهول العاطلين عن العمل. اما اذا ذهب اي كان الى اي مخيم للنازحين السوريين، يجد ان اغلبية “الحضور” هم من النساء والاطفال والعجزة وقلة قليلة من الشبان والكهول. فأين ذهب “رجال” المخيمات السورية؟ لا شك ان قسما كبيرا منهم يذهب لاصطياد اي فرصة عمل على الاراضي اللبنانية لاجل إعالة عائلته، وقسما آخر هاجر للعمل في الخارج. الا ان قسما لا يستهان به منهم هم مقاتلون في “داعش” و”النصرة” واضرابهما، ولا يزالون “في الخدمة” الفعلية في شمال سوريا، ويمكن ان ينتقلوا الى لبنان “بفركة كعب”.
ـ4ـ يوجد عشرات آلاف المقاتلين التكفيريين الاجانب (من الشيشان وداغستان وتتارستان وغيرها من المناطق الاسلامية ذات الحكم الذاتي في الفيديرالية الروسية، ومن الجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة، ومن منطقة الحكم الذاتي الاسلامية في الصين)، الذين تقطعت بهم السبل بعد فشل “ربيعهم العربي” في سوريا، وقد خسروا كل شيء حتى عائلاتهم الصغيرة (زوجاتهم واطفالهم) ولا يستطيعون العودة الى بلدانهم لان اهلهم تخلوا عنهم ولا ينتظرهم هناك سوى الاعدامات والسجون ومعسكرات الاشغال الشاقة. وقد تحول هؤلاء، بفعل غسل ادمغتهم بالاضاليل الدينية واوضاعهم الميؤوس منها التي لا يحسدون عليها، الى مشاريع جزارين مهووسين حاقدين على الجنس البشري بأسره ومستعدين لارتكاب ابشع المجازر. وقد نسقت وتنسق المخابرات الاميركية والتركية والاسرائيلية والسعودية لتجميع هؤلاء في معسكرات مغلقة في “اسرائيل” وتركيا والقسم التركي من قبرص، من اجل استخدامهم في اي “ربيع عربي جديد” خصوصا في “بلد جميل” وصغير كلبنان فيه عدد كبير من الكفار المسيحيين والشيعة والدروز المرشحين للذبح، وشواطئه مليئة بالنفط والغاز…
ولكن جاهزية عدة تنفيذ سيناريو “الربيع العربي” الاميركي في لبنان لا تعني مطلقا امكانية نجاحه. فدروس “الربيع العربي” في سوريا، لا تزال ماثلة امامنا ولم تدخل بعد في طيات التاريخ، وخصوصا لجهة الغباء المطلق للمعارضة اليسارية والليبرالية السورية التي اضطلعت بنجاح منقطع النظير بدور الغطاء السياسي وحتى الطائفي للموجة الداعشية (ونذكر للمثال انه حينما كان الدواعش يقتحمون معلولا بأديريتها وكنائسها ويأخذون الراهبات رهائن، كان “الشيوعي ـ المسيحي” المعارض جورج صبرا يتشدق امام الشاشات الخليجية بأنه لا يوجد طائفية في سوريا!).
ويقتضينا الواقع هنا ان نشير الى نقطة في غاية الاهمية وهي:
ـ من اجل تمرير السيناريو كان من الضروري لاصحابه اخفاء الايادي التي تتلاعب بالشارع وتحاول اخذه الى المجهول تمهيدا لنزول “القوات المسلحة التآمرية” وكأنها جزء عفوي من الشارع. ولهذه الغاية جرى، بنجاح نسبي ولكن كبير، تمرير خطة “تجهيل” القوى المحركة للشارع، بحيث صار من الصعب التمييز بين القوى المتآمرة والقوى الشعبية المناضلة والشريفة. فالجميع صار يمر تحت العلم اللبناني الواحد. ولكن العلم اللبناني في يد “اصدقاء عامر الفاخوري وسمير جعجع وفؤاد السنيورة” هو شيء، والعلم اللبناني في يد الشيوعيين وانصار المقاومة هو شيء آخر تماما.
فلأجل فضح وعزل وتصفية زمر وعصابات المؤامرة الجديدة على لبنان والشعب اللبناني، ينبغي للقوى الوطنية والاسلامية والتقدمية الشريفة المشاركة في “الحراك الشعبي” سواء أكانت احزابا وتنظيمات قديمة او جديدة، كبيرة ام صغيرة، ان تكشف عن وجهها، وترفع شعاراتها وصور رموزها التاريخية والحالية: ارفعوا صور غيفارا وكاسترو وانطون سعادة وفرج الله الحلو وكمال جنبلاط والامام موسى الصدر، وسهى بشارة وحبيب الشرتوني وجورج ابرهيم عبد الله وظافر الخطيب ومرشد شبو، وصور عماد مغنية وشهداء المقاومة الوطنية والاسلامية، وارفعوا صور ميشال عون وخصوصا صور سماحة السيد حسن نصر الله الذي هو بمثابة الفارس المكلل بالظفر الذي يطعن التنين ويقتله، ويخلص بيروت ولبنان من “ربيع الاميركان”!
(*) كاتب لبناني مستقل
● ● ●
السِمات الجديدة للثورات المُلوَّنة
موفق محادين
https://kanaanonline.org/2019/11/21/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%90%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8f%d9%84%d9%88%d9%91%d9%8e%d9%86%d8%a9%d8%8c/
القاسَم المُشترك لما يُسمَّى بالثورات المُلوَّنة، هو نهاية السرديات الكبرى التي ترافقت مع الثورة الصناعية البرجوازية، والتي شكَّلت قوام الحقبة الرأسمالية.
ومن أهم هذه السرديات: الدولة القومية، السياسة، العقل، الآيديولوجيا، الحزب، والقواعد الحاكِمة التقليدية لحركة اللاعبين وتقاطعاتهم، وهناك كما هيغل وفوكوياما مَن أضاف التاريخ إلى هذه السرديات مُقدِّمة لإعلان نهايته.
وفيما تنتهي هذه السرديات موضوعياً، لصالح أشكال ما بعد رأسمالية وما بعد حداثية شمال العالم الرأسمالي، ثمة عمل مُدبَّر لإنهائها جنوباً بأشكالٍ مختلفة، تُذكّرنا برواية هيرمان هسه (الكريات الزجاجية) التي تتدحرج في إطارٍ تسيطر عليه قوى شبحية، ناتجة بدورها من تداعيات الدورة الرأسمالية ومحاولاتها لتجديد نفسها.
ويُشار هنا إلى موضوع شديد الأهمية، وهو أن طرح ملفات مثل الفساد، لا يعني بالضرورة مُناهَضة الرأسمالية، بل قد يكون جزءاً من آليات تجديد نفسها وخاصة في الجنوب العالمي، الذي يعاني من تبديدٍ كبيرٍ للتراكُم الرأسمالي بسبب الفساد.
وبالتالي فلا معنى لطرح الفساد وملفّاته إذا لم يكن في إطار مواجهة الرأسمالية وفكّ التبعية معها، ما يستدعي أيضاً القول إنه ليست كل دعوة لفتح هذه الملفّات دعوة بريئة، إلا إذا ارتبطت بالموقف من الرأسمالية وخطابها الليبرالي المُغلَّف بنشاطات الـNGOs والتحالف المدني.
إلى ذلك، من السرديات المشوّهة أصلاً في الجنوب والمطلوب تحطيمها ونهايتها عبر الثورات المُلوَّنة وفلاسفتها اليهود أمثال بيتر أكرمان وشارب وسوروس وغيرهم:
1- إنهاء سرديّة السياسة، واستبدالها بحكومات التكنوقراط، وتعني نهاية السياسة في الجنوب تحديداً إحالتها إلى الشمال وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، كمُحتكِرٍ لها ولكل حقلٍ يرتبط بها مثل الأمن والخارجية والتخطيط.
وهو ما يظهر اليوم في أكثر من شارعٍ عربي يطالب برحيل السياسيين والأحزاب، مُتجاهِلاً أن المجتمع السياسي هو مجتمع الدولة وأن القوى الرئيسة في المجتمع المدني هي القوى الحزبية.
2- إنهاء سردية الدولة ومؤسّساتها كبدائل الثورات الصناعية البرجوازية في العالم الثالث، مثل القطاع العام، وذلك عبر آليات التفكيك المختلفة وأبرزها البنك الدولي وفيدراليات اللامركزية.
ويُشار هنا إلى دستور نوح فيلدمان الذي فُرِض على العراق باسم دستور بريمر والذي حوَّل العراق من دولةٍ مركزيةٍ إلى لامركزيات حكومية مُتناثِرة، وقد قامت أوساط من المعارضة السورية باستنساخه ولا تزال تحاول تسويقه حتى الآن.
3- إنهاء سردية الآيديولوجيا بدلاً من تطويرها بأبعادٍ معرفيةٍ، وتسويق ما يُعرَف بالقوى البرامجية بديلاً لها.
4- كما نهاية الحكومات السياسية لصالح حكومات التكنوقراط، ثمة حرب على سردية العقل، الذي ارتبط بنشأة الدولة الحديثة عند ماكس فيبر وهيغل لصالح ما أسمته مدرسة فرانكفورت النقدية بالعقل التقني أو التكنوقراطي.
ولعلّ الأخطر هنا، هو أن الحرب على العقل جنوباً، تأخذ طابع الإنحطاط به إلى مستوى الغرائِز المُسوَّقة باسم العفوية.
وإذا كان الجمهور في البلدان الصناعية بات أسير اللاعقل التقني، فإن الجمهور جنوباً وبسبب الطابع الكولونيالي المشوّه للتطوّر الإجتماعي والثقافي، قابل للتفسّخ وقطع طريق التطوّر المدني الأولي لصالح بيئة أكثر تخلّفاً لا بيئة مدنية.
5- نهاية اللاعبين السياسيين، واستبدالهم بالشبكاتيين ونُشطاء التواصُل الإجتماعي والمُغرّدين المُختلفين، ومنظمات الـNGOs التي تسوِّق نفسها كعنوانٍ للمجتمع والتحالف المدني.
كما يُلاحَظ إعادة هيكلة بعض أوساط القوميين واليسار السابق وتحويلهم إلى يسارٍ إجتماعي متورِّط بالتمويل الأجنبي بأشكاله المختلفة.
ومن مظاهر إنهاء سردية اللاعبين السياسيين، الأحزاب والتيارات السياسية، تضليل المقهورين والطبقات الشعبية والمحرومين، بالعفوية المزعومة كبديلٍ للعمل السياسي والحزبي، وتحذيرهم من هذا العمل وتحويلهم إلى جسمٍ بلا رأس مُقدّمة لتركيب رأس التحالف المدني وجماعات الـNGOs على هذا الجسم.
6- نهاية الميديا السابقة، سواء كانت مُستزلِمة للقوى السائِدة أو ضمن قواعد الإعلام والبثّ التقليدية، وتحويلها إلى ميديا شريكة في صنيعة الأحداث وتوجيهها ضمن الخطاب الليبرالي.
تحالف وطني طبقي لا تحالف مدني ليبرالي
في المقابل، فإن المطلوب استعادة شعار الثورة الوطنية الديمقراطية ومرحلة التحرّر الوطني– الإجتماعي، التي تربط بين الصراع الطَبَقي الداخلي ضد تحالف الفساد والتبعيّة والقهر والاستغلال، وبين الصراع الوطني ضد تحالف الإمبرياليين والصهاينة والرجعيين، وبين الصراع من أجل الديمقراطية والحريات السياسية.
ذلك أن عزل هذه المهام عن بعضها أو التركيز على واحدةٍ منها، لا يخدم أية قضية من قضايا ومهام التحرّر الوطني الإجتماعي، فالتركيز على الحريات السياسية وحدها يصبّ في خدمة جماعات التحالف المدني الـ NGOs التي تعتاش في غالبيّتها الساحِقة على المتروبولات الرأسمالية، والتركيز على القضايا الوطنية لوحدها يكشف ظهر القاعدة الشعبية ويضعها فريسة للحيتان والفساد، والتركيز على القضايا الإجتماعية وعزلها عن التحديات الوطنية، يُبدِّد كل جهد من أجل هذه القضايا نفسها، وبالمثل وضع القضايا الإجتماعية أو الديمقراطية في مواجهة العمل السياسي.
:::::
“الميادين”
______
- تابعوا “كنعان اون لاين” Kana’an Online على