من هم الرهائن؟؟

د.مصطفى البرغوثي
الكاتب:
د. مصطفى البرغوثي
لا يتوقّف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مثل معظم القادة الغربيين عن الحديث عن “الرهائن”، أي أسرى الحرب الإسرائيليين العشرين في قطاع غزّة، بل يستخدمونهم، كل مرة، لتبرير تقاعس الغرب، والمجتمع الدولي عموماً، عن لجم جرائم الحرب الإسرائيلية الأبشع في عصرنا، الإبادة الجماعية والعقوبات الجماعية، بما فيها التجويع والتطهير العرقي الأخطر في عصرنا..
ولم أسمع أياً منهم يذكر مرّة واحدة في سياق الحديث عن “الرهائن” الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل الذين يتجاوز عددهم 14 ألفاً ومنهم 400 طفل ينطبق عليهم وصف “الرهائن”، وما لا يقل عن 3600 معتقل إداري، بدون تهم ولا محاكمة، وينطبق عليهم أيضاً وصف “الرهائن”. وكذلك ما قد لا يقل عن 2000 – 3000 رهينة من قطاع غزّة محتجزين في ظروف بالغة الخطورة في سدي تيمان وغيره من السجون، يتعرّضون للتعذيب والتجويع من دون رقيب أو حسيب، أو حماية قضائية..
يتحدث القادة الغربيون كذلك عن جثامين 30 من أسرى الحرب الإسرائيليين محتجزين في غزّة، ومعظمهم إن لم يكن جميعهم كانوا يخدمون أو خدموا سابقاً في الجيش الإسرائيلي، ولكنهم لم يذكروا مرّة واحدة ما لا يقل عن 552 جثمان فلسطيني تحتجزها قوات الاحتلال، ومنها جثامين 55 طفلاً، وتسع نساء، و256 جثماناً محتجزاً في مقابر الأرقام منذ عشرات السنوات. وبين الجثامين المحتجزة جثامين أطفال قصّر يُحتجزون بغرض تعذيب عائلاتهم، وجثامين 23 أسيراً ممن قتلوا بالتعذيب أو التجويع، أو الحرمان من العلاج، في السجون الإسرائيلية، وتصرّ إسرائيل على مواصلة اعتقال جثامينهم حتى ينهوا محكوميتهم التي تراوح بين عشرات ومئات السنين..
يضاف إلى ذلك، بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، جثامين 1500 فلسطيني محتجزة في معسكر الاعتقال الرهيب “سدي تيمان”، مصنفة بالأرقام، وعدد كبير منهم بحسب شهادات أسرى فلسطينيين أُعْدِموا ميدانياً بعد أسرهم في قطاع غزة خلال حرب الإبادة الجارية.
وذلك كله بالطبع مخالف للقانون الدولي، الذي لا يتذكره بعض المسؤولين الغربيين إلا عندما يتحدّثون عن روسيا وأوكرانيا..
غير أن العدد الأكبر من الرهائن الفلسطينيين هو مليونان ومائتا ألف فلسطيني محاصرون بشكل إجرامي في قطاع غزّة، والذين أُجبر من بقي حياً منهم، بعد قتل وجرح 11% من سكان القطاع، على الرحيل عن بيوتهم التي دمّرها جيش الاحتلال، والتشرّد من بقعة إلى أخرى تحت قصف الطائرات والمدافع والدبابات والمسيّرات الإسرائيلية، والذين تأخذهم إسرائيل جميعاً رهائن بهدف طردهم من وطنهم بالكامل وارتكاب جريمة التطهير العرقي ضدهم..
ولا يقتصر عدد الرهائن الفلسطينيين على ذلك، فسكان الضفة الغربية بما فيها القدس، ويتجاوز عددهم ثلاثة ملايين ومائة ألف، أصبحوا بعد حرب الإبادة الإسرائيلية، رهائن أيضاً، فهم محاصرون اليوم بجدار الفصل العنصري، وما لا يقل عن ألف حاجز عسكري وبوابة حديدية بغيضة حوّلت قراهم ومدنهم إلى سجون صغيرة وكبيرة، لا يستطيعون الخروج منها أو الدخول إليها إلا بإذن من جنود الاحتلال الذين يتفننون في التنكيل بهم، بل إن قرى مثل سنجل والمغير وبدّو وغيرها صارت مطوّقة بجدران من الإسمنت أو الأسلاك الشائكة، وبعضها الآخر تحوّل إلى سجون مغلقة معظم الوقت، بالبوابات الحديدية التي تجاوز عددها مائتي بوابة، ويتزايد مع كل يوم..
أما مدينة قلقيلية الفلسطينية وعدد سكانها خمسون ألفاً، فهي محاصرةٌ بجدار الفصل العنصري الإسمنتي من كل الجهات منذ عام 2002، ولا يمكن المرور منها أو إليها إلا عبر بوابة عسكرية إسرائيلية تغلق شارعاً لا يتجاوز عرضه ثمانية أمتار، وكان عرضي لصور جدارها على الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر واحداً من أهم المحفزات التي دفعته إلى نشر كتابه “فلسطين سلام وليس أبرتهايد” والذي تعرض بعد نشره لحملة هوجاء من اللوبي الصهيوني..
وفي حين يُحتجز الفلسطينيون في الضفة الغربية رهائن في مدنهم وقراهم، يتولى جيش من الإرهابيين المستوطنين مصادرة معظم أراضيهم، وسرقة ممتلكاتهم ومواشيهم، ويقتحمون بحماية الجيش الإسرائيلي الرسمي، القرى والمدن ليعيثوا بها فساداً ويحرقوا البيوت والسيارات والممتلكات. وحتى كتابة هذا المقال نجحت عصابات المستوطنين الإرهابية وجيشها في ترحيل سكان 60 موقعاً سكانيا فلسطينياً، خصوصاً في منطقة الأغوار. وتؤدّي حواجز الاحتلال وممارساته إلى تحطيم الحياة الاقتصادية، وشبكة الخدمات الصحية والمؤسسات التعليمية وقدرات البلديات والمجالس المحلية، حتى أصبح الانتقال من محافظة إلى أخرى مغامرة غير محمودة العواقب..
وربما لا يعرف معظم القرّاء أن غزّة عاشت حصارا عمره 19 عاما وهي الآن محاصرة بالكامل، وتُقصف على مدار الساعة منذ حوالي عامين، ولا يستطيع أحد الدخول إليها أو الخروج منها ولو للعلاج من مرض قاتل، أو الالتحاق بالدراسة، أو لرؤية عائلته، هذا غير الحصار بهدف التجويع والقتل التدريجي للسكان بالحرمان من الطعام والماء والدواء.
وعلى الأغلب، لا يعرفون أن الضفة الغربية بكاملها لها منفذ واحد للعالم الخارجي اسمه “جسر اللنبي” نسبة للعسكري البريطاني الذي احتل فلسطين في أثناء الحرب العالمية الأولى، وهو معرّض للإغلاق الكامل كما جرى أخيراً بعد حادثة مقتل جنديين إسرائيليين على يد مواطن أردني لم يستطع احتمال بشاعة الجرائم والقصف الهمجي وصرخات الأطفال في قطاع غزّة. وحتى عندما لا يكون مغلقاً، لا يفتح إلا ستة أيام في الأسبوع من الثامنة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر، أو الثانية عشرة يوم الجمعة، ويغلق بالكامل في أيام السبت. ولكن هذا المنفذ الوحيد معرض للإغلاق عند كل حدث، أو إذا أراد الضباط الإسرائيليون تعذيب الفلسطينيين بتأخير فتحه، أو تبكير إغلاقه، أو إغلاقه بالكامل..
وليتخيّل المواطنون العرب والأجانب حياتهم، إن كان خروجهم أو دخولهم البلدان مقيّدَيْن بساعات محدّدة في أوقات محدّدة، حتى في أوج أزمات الصيف، ومن معبر واحد، يمكن أن يغلق بالكامل لأيام أو لأسابيع. وتضاف إلى ذلك حقيقة صادمة أخرى، وهي أن عشرات آلاف الفلسطينيين رجالاً ونساءً ممنوعون من السفر بالكامل من قبل سلطات الاحتلال، ولا يستطيعون الدخول أو الخروج بتاتاً. ومنهم السيدة أمان- زوجة الأسير نائل البرغوثي الذي أصبح صاحب أعلى فترة اعتقال سياسي في التاريخ حيث قضى حوالي 45 عاماً في السجون الإسرائيلية، وقد مُنعت من السفر للقاء زوجها المبعد إلى مصر، بعد أن أفرج عنه في شباط الماضي في تبادل الأسرى ورغم أنها لم تلتقِه منذ أحد عشر عاماً.
الرهائن بالملايين هم الفلسطينيون المضطهدون بتطهير عرقي واحتلال إسرائيلي ونظام أبرتهايد عنصري عمره 77 عاماً..
وبالتأكيد، يعبّر مَن يصر على تجاهل هذه الحقائق عن أيديولوجية عنصرية بغيضة ترفض اعتبار الفلسطينيين بشراً متساوين مع سائر شعوب الأرض، ويشارك جريمة الاحتلال في نزع إنسانيتهم..