مشروع التحرير الوطني الفلسطيني: قراءة من أجل التاريخ والمستقبل (5)

 مشروع التحرير الوطني الفلسطيني: قراءة من أجل التاريخ والمستقبل (5)

علم فلسطين

 مسعد عربيد وأسامة عمّوري

الخلل في فهم المشروع الصهيوني الإمبريالي

تقوم الفكرة الصهيونية ومشروعها المتجسد في الكيان الصهيوني على استيطان الأرض وإقتلاع سكانها الأصليين من أجل إقامة “وطن الشعب اليهودي” و”دولة يهودية نقية”. لذا وظّفت الأيديولوجيا الصهيونية مفاهيم مغرقة في عنصريتها ارتكزت على إدعاءات دينية وتوراتية خرافية، زرعتها في عقول المستوطنين الصهاينة منذ بدء الغزو الصهيوني لفلسطين.

ومن خلال هذا الفهم للصهيونية، ينبغي ألاّ نقلل من قدرة الصهيونية على توظيف الدين السياسي في خدمة أهدافها السياسية، ونجاحها الإستراتيجي والأيديولوجي منذ نشأة الصهيونية، فكرةً ومشروعاً. وفي السياق ذاته، ينبغي ألاّ نقلل من أهمية وسطوة البعد الديني (العقائدي) لدى مستوطنيها ويهود العالم بشكل عام وتصديق أكاذيب وخزعبلات “شعب الله المختار” و”أرض الميعاد” وأن “إسرائيل تتمتع بدور إلهي” فوق الأغيار وغيرها من الأكاذيب التي تحظى بتأييد المستوطنين الصهاينة وقطاع كبير من يهود العالم.

لا نورد هذه الحقائق من باب التكرار أو الاستفاضة، بل لنؤكد ما هو أهم وأكثر خطورة على الوعي الشعبي الفلسطيني والعربي، وهو ترويج أكاذيب من مثل “إسرائيل جارة عادية” وأنها “تريد العيش بأمن وسلام”. وهو ما يغيّب حقيقة أن المشروع الصهيوني قام (1) ضمن رؤية إمبريالية رأسمالية غربية من أجل خدمه سياساتها، رؤية سعت إلى زرع قاعدة استعمارية متقدمة لتحقيق أهدافها ومطامعها، وان (2) هذه القاعدة التي تجسدت على أرض فلسطين لا تتوقف عند حدوها، بل تسعى للانطلاق منها إلى الوطن العربي باسره.

لذلك يخطئ مَنْ يعتقد أن كل ما يريده الكيان الصهيوني هو “العيش بسلام” ومجرد الاعتراف به، بل إن ما يعمل هذا الكيان على تحقيقه، وهو سائر بلا شك على هذا الدرب، هو “الإندماج المهيمن في الوطن العربي” أي أن يبسط هيمنته الاقتصادية والعسكرية والسياسية. هذا هو جوهر المشروع الصهيوني، وما عدا ذلك من مصطلحات ومشاريع على شاكلة الشرق الأوسط الجديد والكبير وغيرها، فليست سوى طبعات من هذا الإندماج.

هذا ينقلنا إلى مسألة المفاوضات مع عدوٍ كهذا، لنطرح سؤال جدوى هذه المفاوضات؟ المفاوضات مع الصهيونية؟


بناءً على ما أتينا عليه أعلاه، نخلص إلى:

– أن الكيان الصهيوني لا يسعى إلى ولا يريد سلاماً بل أرضاً ومزيداً منها؛
– وحتى لو أبرم هذا الكيان اتفاقاً مع أي طرف فلسطيني أو عربي، فهذا لا يعني أنه ‏سيلتزم به بل سرعان ما سينكثه دون تردد او تلكؤ من أجل تحقيق مصالحة، ولنا في هذا تاريخ طويل من الأدلة والبراهين.

هذا ما أفضت وستفضي إليه سنوات المفاوضات مع الكيان الصهيوني.

غير أن السؤال حول جدوى ربع قرن من المفاوضات، لا ينبغي ولا يجوز أن يتوقف عند الحسابات أو الإنجازات السياسية فحسب، فالجواب يعرفه كل فلسطيني: نعم هذه المفاوضات لم تحقق شيئاً بل هدرت الوطن، ولكنها حققت للمفاوضين أرباحاً طائلة. وهكذا يصبح السؤال: هل إن تعامل القيادة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني المحتل ينم حقاً عن مجرد “جهل بالعدو”، أم أن هذه القيادات انحازت لمصالحها الطبقية والاقتصادية والفئوية؟

الجزء الخامس

تفنيد الأوهام والأكاذيب

(أو كيف يتم تخريب الوعي الشعبي؟)

منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، عمدت القيادة الفلسطينية المتنفذة بالقرار، إلى صياغة خطاب يتناغم مع نهجها الاستسلامي ويخدم أجندتها وغاياتها ويبرر دخولها إلى التسوية السياسية. ومنذ تلك الآونة تعرض الوعي الشعبي الفسطيني والعربي إلى جملة من الأكاذيب والإفتراءات والأوهام نتناول فيا يلي أهمها: 

1) طبيعة الصراع


– تناقضنا مع الاستيطان الكولونيالي الصهيوني في فلسطين، لم يكن يوماً نزاعاً بل كان صراعاً تناحرياً منذ بداياته في أواخر القرن التاسع عشر؛
– هذا الصراع لم يكن يوماً نزاعاً أو صراعاً فلسطينياً – إسرائيلياً بل هو في طبيعته وجوهره صراع عربي – صهيوني.

2) التخلي عن المقاومة والكفاح المسلح

تفتقت بعض الفذلكات السياسية الفلسطينية، قيادات ومثقفين ومنظمات شعبية و”غير حكومية” وغيرها، عن مقولات روّجتها، بل اجترتها في كثير من الأحيان، مفادها: أن المرحلة تغيرت، والظروف المحلية والعربية والدولية لم تعد مؤاتية للكفاح المسلح ومقاومة الاحتلال.

هذا صحيح، وهو دائماً صحيح، إذ أن حركة التاريخ لا تتوقف، ولكنهم تناسوا أن الشعوب قادرة دوماً على النهوض والاستمرار في خوض معركة الحرية والكرامة. وإذا كان شعبنا قادراً على النهوض من نكبة 1948 ليستمر في كفاحه من أجل تحرير فلسطين، فلماذا وكيف أصبح الكفاح المسلح مستحيلاً في سبعينيات القرن الماضي؟

غير أن إسقاط الكفاح المسلح كان الذريعة لكي تدخل قيادات فلسطينية مشروع التسوية السياسية مع العدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية والأوروبية، أي إسقاط الكفاح المساح من أجل السقوط في وهم التسوية والدخول في سراب الدولة المزعومة. وللمفارقة نذكّر انه، وفي الوقت الذي وصلت فيه الحالة الفلسطينية إلى هذا الحضيض، كانت المقاومة الوطنية اللبنانية في أوائل ثمانينيات القرن الماضي تشق طريقها في النضال لتؤكد أن الكفاح المسلح والعنف الثوري هو الضمانة الوحيدة لوصول الشعوب إلى تحرير أوطانها.

3) كذبة: “يا وحدناو العرب تخلوا عنّا

في عرضنا لإشكاليات وتحديات المرحلة، تناولنا فَلَسْطَنة القضية الفلسطينية وطمس العمق العربي للصراع العربي – الصهيوني، من منظوري: القيادة الفلسطينية والأنظمة العربية الرجعية.

وهنا نضيف واحدة من كبرى أكاذيب وإفتراءات القيادة الفلسطينية وهي تقاعس الشعوب العربية وتخليها عن دعم النضال الفلسطيني، لتبرر فلسطنة القضية الفلسطينية وعزلها عن محيطها العربي، خدمةً لسياساتها ومسعاها في الوصول إلى “دولة” فلسطينية.

والحقيقة أن محاولات الفَلَسْطَنة لم تأتِ، كما يدعي بعضهم، بسبب تخلف الشعوب العربية عن دعمها للقضية الفلسطينية، فالشعوب العربية لم تتخلّ يوماً عن قضية فلسطين ولا عن دعم كفاح شعبها، بل إن جذور هذه الفلسطنة تنبع من قُطْرية القيادة الفلسطينية ونهجها في الوصول إلى السلطة أو الدولة لتصبح جزءً من النظام العربي الرسمي والقُطْري، ولتحقق مصالحها الطبقية، كما تكمن في عدم إيمانها بدور الشعوب العربية في تحرير فلسطين وعدم إخلاصها وجديتها في التعامل معها.

من هنا يمكننا أن نفهم لماذا عملت هذه القيادة الفلسطينية وغيرها من الفصائل الفلسطينية المرتبطة بها مصلحياً وتمويلياً،على فلسطنة الصراع مع الكيان الصهيوني، وملأت الدنيا بصرخات “يا وحدنا” و”العرب تخلوا عنّا” وغيرها. ولهذه الأسباب ذاتها، نفهم كيف استثمرت هذه القيادة في الخلط المتفشي في الواقع العربي وعدم التمييز بين الشعوب العربية وقوميتها وانتمائها ومصالحها، من جهة، والأنظمة العربية ومصالحها وتبعيتها للصهيونية والإمبريالية، من جهة أخرى.

4) أكاذيب أوسلو

أ) البديل الوحيد“: ليس صحيحا أن اتفاقيات أوسلو كانت البديل الوحيد وأنه لم يكن أمام قيادتنا خيارات أخرى، بل كانت أوسلو نتاجاً لنهج تسووي ترعرع في صفوف القيادات الفلسطينية لما يقارب ربع قرن قبل توقيع هذه الاتفاقيات.

ب) النضال من الداخل: روّجت القيادة الفلسطينية حين عودتها إلى الأرض المحتلة بعد اتفاقيات أوسلو بأنها جاءت لتتابع النضال. ولم تدرك أن شعبنا لن يصدق بأنها ستناضل تحت أنظار وبساطير الاحتلال بعد أن أمضت عقوداً في مسيرة التراجع والتنازل عن نهج التحرير ومشروعه حتى تخلت عنه كلية ووقعت اتفاقيات أوسلو مع الكيان الصهيوني المحتل.

ج) “أوسلو انتهت: حين أبرمت القيادات الفلسطينية صفقتها مع الكيان الصهيوني ووقعت اتفاقيات أوسلو، قالت لشعبنا أنها جاءت من أجل “النضال من الداخل”، والآن تحاول أن توهمه بكذبة ثانية وهي أن أوسلو قد “انتهت”، وأن السلطة الفلسطينية قد أنهت العلاقة مع الاحتلال الصهيوني وأوقفت التنسيق الأمني معه وغيرها من الأكاذيب.

والحقيقة أن اتفاقيات أوسلو كنهج ومشروع استسلامي لم تنتهِ، بل هي تتقدم إلى مراحل قادمة تحاول فيها السلطة شدّ حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى حضيرتها والتطبيع مع الكيان الصهيوني. وإذا صح ما نقول، فإننا سنشهد في قادم الأيام أخطر مراحل أوسلو والتنسيق مع الاحتلال. إذا كانت اتفاقية أوسلو قد انتهت، فقد تمّ ذلك من وجهة النظر الصهيونية حيث لا يلتزم الصهاينة بأي بند منها، بينما تلتزم السلطة بالبند الأهم للاحتلال وهو ما يسمى تضليلاً بالتنسيق الأمني وهو حقيقة “محاربة المقاومة الفلسطينية” من قِبَل أجهزة السلطة وتحت اشراف الكيان الصهيوني وحلفائه.

5) حول شرعية القيادة

لقد أشرنا في المقدمة إلى أن منظمة التحرير استمدت شرعيتها في تمثيل الشعب الفلسطيني من البندقية والكفاح المسلح بناءً على ميثاقها، وعلى هذا الأساس شاركت معظم فصائل شعبنا و منظماته الشعبية في كل أماكن تواجدها بانتخاباتها رغم المآخذ العديدة على الهيمنة التي اتبعت. فكيف تستمر هذه الشرعية بعد أن اعترفت هذه المنظمة بالكيان الصهيوني وتخلت عن مشروع التحرير والكفاح من أجله وانقطعت مشاركة فئات شعبنا في انتخابات ممثليها؟

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *