ماذا يعني ظُهور خامنئي بالصّوت والصّورة وردّه على أكاذيب نتنياهو وترامب حول الانتصار التاريخي؟ وما هي العبارة الأهم في خطابه؟

 ماذا يعني ظُهور خامنئي بالصّوت والصّورة وردّه على أكاذيب نتنياهو وترامب حول الانتصار التاريخي؟ وما هي العبارة الأهم في خطابه؟

عبد الباري عطوان

عبد الباري عطوان
أنْ يخرج السيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة الإيرانيّة بالصّوت والصّورة في فيديو مُسجّل، وبعد يومين من وقف إطلاق النّار، فهذا يُعتبر في حدّ ذاته صدمةً كُبرى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وشريكه في العُدوان بنيامين نتنياهو، اللذين تعهّدا باغتياله، باعتباره أحد الأهداف الاستراتيجيّة الرئيسيّة للعُدوان الأمريكي- الإسرائيلي المُزدوج على إيران، فهو الرّمز السياسي والروحي للنظام الإيراني، وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيه، وبقاؤه يعني الفشل في تغيير النظام، وتنصيب آخر بمقاييسٍ أمريكيّة- إسرائيليّة في مكانه.
العبارة الأهم التي وردت في خطاب السيّد خامنئي “المُوجز” أكّدت “أنّ العُدوان الأمريكيّ لم يُحقّق أيّ إنجاز، وأنّ الضّربات الأمريكيّة على المواقع النوويّة الثّلاثة لم تكن ذات تأثيرٍ كبير”، وأكّد “أنّ الرئيس ترامب بالغ في تضخيم نتائج الضّربات الأمريكيّة، وأنّ واشنطن تلقّت صفعةً قاسية، وتعهّد بعدم الاستِسلام لأمريكا، وأنّ بلاده ستردّ على أيّ عدوان أمريكي جديد بقصف القواعد العسكريّة الأمريكيّة في المِنطقة”.


نستطيع أن نقول، ومن خلال مُتابعتنا لتصريحات وخطب المُرشد الإيراني الأعلى على مدى عدّة عُقود، إنّ ما يقوله دائمًا هو الحقيقة، فهذا الرّجل لا يعرف الكذب فإذا هدّد نفّذ، وإذا توعّد صدق الوعد، فقبل هذا العُدوان الأمريكي، أكّد أنّ إيران على درجةٍ عالية من الجاهزيّة للرّد وضرب العدوّين الأمريكي الإسرائيلي في عُقر دارهم وقواعدهم وهذا ما حدث، وشاهدنا الصّواريخ الإيرانيّة الباليستيّة تخترق كُل المنظومات الدفاعيّة الصّاروخيّة وتصل إلى أهدافها في قلبِ تل أبيب، وحيفا، وبئر السبع، وصفد، وعسقلان وأسدود.
وما يُرجّح ما ورد في الخطاب حول المُبالغة في تأثير الضّربات الأمريكيّة على المُفاعلات الثلاثة، الوثائق السريّة لأجهزة الاستخبارات الأمريكيّة التي جرى تسريبها “عمدًا” لقناة الـ”سي إن إن” الأمريكيّة، وأكّدت أنّ أضرارًا بسيطة لحقت بالمُفاعلات النوويّة الإيرانيّة وأخّرتها لبضعة أشهر فقط، وليس لسنواتٍ مثلما يقول الرئيس ترامب، ولعلّ فُقدان الأخير لصوابه وتهجّمه على القناة بطريقةٍ وقحة ما يُعطي مِصداقيّةً لهذهِ التّسريبات.
ما سيستغرق إصلاحه سنوات هو الدّمار الشّامل الذي لحق بالمُدن الفِلسطينيّة المُحتلّة، مِثل تل أبيب وحيفا، والمعنويّات المُنهارة للمُستوطنين الإسرائيليين الذين قضوا أكثر من 12 يومًا ليل نهار في الملاجئ، وأنفاق القطارات وفوق هذا وذاك فشل سبع منظومات صاروخيّة جويّة وأرضيّة في اعتراض الصّواريخ الإيرانيّة قبل وصولها إلى أهدافها، وفشل الكيان في حماية مُستوطنيه ومدنه ومراكز مُخابراته، ومعاهد أبحاثه (وايزمان).
فإذا كان كلام الرئيس ترامب حول التدمير الكامل للمُفاعلات النوويّة الثلاثة، ولم تنجح السّلطات الإيرانيّة في تفريغ هذه المُنشآت من اليورانيوم المُخصّب مُسبقًا، وقبل الضّربات، علاوةً على أجهزة التّخصيب المركزيٍة، فإذا كان هذا الكلام صحيحًا، فلماذا يُطالب ترامب إيران بالعودة إلى المُفاوضات النوويّة، التي ركّزت في جميع جولاتها الخمس السّابقة على وقف عمليّات التخصيب كُلّيًّا، ومُصادرة أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المُخصّب بنسب عالية تزيد عن 60 بالمئة مُخزّنة في هذه المُفاعلات، أو أماكن آمنة أُخرى، فالتّدمير الشّامل للمُفاعلات النوويّة إذا صح، يعني زوال أساس الأزمة، وانتهاء الخطر النووي الإيراني لعشرات السّنوات المُقبلة وربّما إلى الأبد “مجنون يحكي وعاقل يسمع”!


نتّفق مع السيّد خامنئي في تأكيده بأنّ إيران هي التي خرجت مُنتصرة من هذه الحرب، وأنّ كُل الادّعاءات الإسرائيليّة والأمريكيّة بتحقيق انتصارٍ تاريخيّ هو نوعٌ من الكذب، والدّعاية الرّخيصة السّاذجة، لإخفاء الهزيمة والفشل، ولا نُضيف جديدًا عندما نقول إنّ نتنياهو وترامب هُما أكذب رجلين في التّاريخ الحديث، وهُناك عشرات الأمثلة التي تُؤكّد هذه الحقيقة، ويضيق هذا المكان لسردها.
عندما أُشاهد حجم الدّمار في قلب مدن تل أبيب وحيفا وبئر السبع، وكيف تحوّلت إلى مدن أشباح، وأقرأ وأُشاهد الأنباء التي تؤكّد أنّ مِئات الآلاف من الإسرائيليين طلبوا، وحسب وزارة الصحّة الإسرائيليّة، الاستعانة بأطبّاء نفسيين، وآخرين مُحاولة إيجاد مأوى لهم بعد تدمير بُيوتهم وشققهم بعد تشرّدهم، والأهم من ذلك رُكوبهم البحر إلى قبرص بحثًا عن الأمان ودفع 20 ألف دولار لِمَن يُوفّر لهُم الوسيلة، عندما أُتابع هذا المشهد بكُلّ فُصوله بالصّوت والصّورة أُدرك مَن المهزوم ومَن المُنتصر في هذه الحرب، وربّما في الحُروبِ القادمةِ أيضًا.. والأيّام بيننا.

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *