لماذا الخوف من اعلان الدولة الفلسطينية؟

 لماذا الخوف من اعلان الدولة الفلسطينية؟

اسيا العتروس

اسيا العتروس
اعلان الدولة الفلسطينية أمر حتمي ولا بديل عنه مهما تأجل، و الغطرسة الاسرائيلية لا يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية ولو توفر الحد الادنى من الارادة السياسية الدولية لما استمرت جرائم كيان الاحتلال دون عقاب …من الواضح أن كيان الاحتلال يخشى هذا الامر و يسعى لعرقلته و منعه بكل الطرق و ما يجري في غزة من فصول محرقة العصرالتي تجاوزت كل التصورات جزء من حملة ناتنياهو لمنع هذا الاعلان و اجهاضه ..
ويكفي أن نستحضر تهديدات ناتنياهو و عصابته ضد كل دولة تتجه الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية لندرك أن هذا الاعلان مزعج لكيان الاحتلال , و أن مجرد اعلان فرنسا و بريطانيا النية الاعتراف بالدولة الفلسطينية أصاب ناتنياهو بنوبة جنونية و جعله كالمسعور ينذر يتوعد و يهدد و يتطاول على الدول التي يعود لها الفضل في نشأة الكيان الغاصب و منحه بطاقة الولادة غير الشرعية في أحضان عصبة الامم …اعلان الدولة الفلسطينية له احكامه في القانون الدولي و أول تلك الاحكام ايقاف العدوان و الابادة المستمرة في حق الشعب الفلسطيني …و لعله أن الاوان أن يكون الاعلان في رحاب الامم المتحدة لانهاء الظلم الذي طال أمده و بالتالي منع انهيار القانون الدولي نهائيا و تنصيب قانون الغاب و التوحش بدلا من ذلك بزعامة ناتنياهو و ترامب ..
يصر الرئيس الامريكي دونالد ترامب على تسويق اللامنطق في دعمه الاعمى لاسرائيل في حرب الابادة المستمرة على غزة واصراره على أنه لم ير التقارير الاممية عن الابادة في غزة ولكنه في المقابل رأى الابادة التي اقترفتها حماس في السابع من أكتوبر …
ترامب في الواقع لايختلف في شيئ عن السواد الاعظم من المجتمع الاسرائيلي المحكوم بعقلية عنصرية استعلائية تلغي الاخرو تسمح بافناء كل من يتجرأ على نقد الدولة العبرية و المطالبة بمحاسبتها .. و هذا ما تؤكده أحدث استطلاعات الرأي التي كشفت وفق صحيفة هارتس العبرية أن 82 بالمائة من الاسرائيليين يؤيدون تهجير الفلسطينيين من غزة و أن 47 بالمائة يؤيدون قتل النساء و الرجال و الاطفال وهي أرقام تعكس بوضوح توجهات حكومة اليمين المتطرف بزعامة ناتنياهو ومعه سموتريتس و بن غفير وما يؤكد أيضا أن المظاهرات الاحتجاجية التي قادها اليسار الاسرائيلي للمطالبة باستعادة الرهائن ووقف الحرب تتنزل في اطار الشاذ الذي يحفظ ولا يقاس عليه , فالمجتمع الاسرائيلي مجتمع مريض بالحقد و الكراهية و السياسات الدموية وفي أغلبه لا يرى و لا يسمع شيئا مما يتعرض له أجواره من قصف يومي يستهدف البيوت و المستشفيات والمدارس و الجامعات و يبيد عائلات بأكملها و يتسبب في حرق الصحفيين أحياء و في تجويع الاطفال وحرق الاخضر والياس ..و في زمن تكنولوجيا المعلومات وعصرالمواقع الاجتماعية فان الاسرائيلي لا ير شيئا من ذلك و حتى ان اطلع على سير المحرقة في غزة فانه عموما لا يبالي ..و باستثناء بعض المؤرخين الجدد و النشطاء الذين خبروا أهوال المحرقة اليهودية يعبرون صراحة عن مواقفهم الرافضة لجرائم ناتنياهو لكنهم أبعد ما يكونون عن أي تأثيرداخل الكيان الاسرائيلي ..
ندرك جيدا أنه لا شيء يمكن أن يغير موقف الرئيس الامريكي دونالد ترامب من القضية الفلسطينية ’ وهو الذي ينظر للاحداث في الماضي و الحاضر و المستقبل من منظار حليفه ناتنياهو مجرم الحرب المطلوب للجنائية الدولية و دائرة مستشاريه المتعصبين دال البيت الابيض للكيان الاسرائيلي ..نقول هذا الكلام و نحن ندرك أن كل يوم بل كل ساعة تمضي دون توقف حرب الابادة يعني بكل مرارة مزيد الضحايا من نساء و اطفال و رجال و مزيد من الجرحى و المشردين و المجوعين دون اعتبار للخراب و الدمار ..قبل أيام و للمرة السادسة على التوالي رفعت مندوبة واشنطن في الامم المتحدة الفيتو لاجهاض مشروع قرا لايقاف الابادة في غزة و لاحقا أصدرت الخارجية الامريكية بيانا يهزأ بالعقول لتبرير ما قامت و اعتبار أن مشروع القرار يكافئ حماس , و تلا هذ البيان في وقت لاحق بيان أمريكي ثان لتبرير أسباب رفض واشنطن مشروع قرار الجمعية العامة لقبول المشاركة الفلسطينية في الدورة الثمانين للجمعية العامة عبر الفيديو بعد رفض منح التأشيرات للوفد الفلسطيني وهو قرار يتعارض مع المادة ال11 من اتفاق مقر الامم المتحدة.. و كما في البيان السابق فان المطلوب من الجانب الفلسطيني “ادانة كل ما قامت به حماس ووضغ حد للتحريض على الارهاب في التعليم و التوقف ايضا عن محاولات تدويل الصراع من خلال حملات الحرب القانونية بما في ذلك اللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية و محكمة العدل الدولية وجهودها لتجاوز المفاوضات لضمان اعتراف احادي الجانب بدولة فلسطينية مفترضة “..
خلاصة القول أن كل ما يتنكر و يلغي الحق الفلسطيني مطلوب ومرغوب من ادارة ترامب بتعليمات اسرائيلية و كل ما يمكن أن يدعم القانون الدولي رجس مرفوض ..و لهذا السبب و غيره من الاسباب ايضا فان القرار المرتقب مطلع الاسبوع في الامم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية بدعم من فرنسا الدولة العضو في مجلس الامن الدولي لا يجب ان يتوقف أو يتأجل لاي سبب كان …صحيح أن قرار اعلان الدولة الفلسطينية حدث في الجزائر منذ 1988 و لكن توجه عشر دول اوروبية اليوم لاعلان هذا الاعتراف الذي بات واضحا أنه مزعج لكيان الاحتلال الاسرائيلي ولرئيس حكومته المهوس بمشروع اسرائيل الكبرى يجب أن يتكرس على أرض الواقع و يوجه رسالة الى ادارة ترامب أنه لا يمكن لقرارات واشنطن الموغلة في الاعتداء على الحق المشروع للشعب الفلسطيني ان تمنع هذا الاعتراف الذي يعزز القناعة بان وشنطن وتل ابيب وبضع كيانات من الجزر النائية في المحيط الهادي وحدها ترفض هذا الاعتراف.. اعلان الدولة الفلسطينية و الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته الذي ظل يؤجل ليس منة أو هدية او تنازلا من أي كان بالعكس فن الشعب الفلسطيني أكثر من قدم التنازلات و لكن لم يحصد غير النكران و الخذلان ..سيقول الكثيرون أين ستقام هذه الدولة و ما هي حدودها و مقومات بقائها بعد سطو حكومات الاحتلال المتعاقبة على الارض و بعد حرب المستوطنين التوسعية من الضفة الى غزة ..و كلها تساؤلات مشروعة و مع ذلك فلا شيئ اليوم يجب أن يقف دون هذا الاعلان الذي أجمعت عليه أغلب دول العالم و سيكون لزاما على الدول الاوروبية و بينها بلدان عضوان في مجلس الامن و هما فرنسا و بريطانيا اللذان يستعدان لها الاعلان التاريخي أن يلتزما و يكرسا تبعات هذا الاعلان و ما يستوجبه الاعتراف في القانون الدولي من فتح لسفارات معتمدة لها على أرض فلسطين و توفير الحماية لها وقبل كل ذلك منع تعرض سلطات الاحتلال لها لان في ذلك ايضا اعتداء على مصداقية و صورة و التزامات الدول المعنية… اعلان الدولة الفلسطينية ستكون شهادة اضافية عن العزلة الاسرائيلية و الامريكية أمام هذا الاجماع الدولي و لكنها ستكون ايضا اختبار للدول الراعية لاعلان الدولة الفلسطينية و بينها فرنسا و بريطانيا مهد وعد بلفور الذي قدم ما لا يملك لمن لا يستحق ..
لسنا واهمين و لا نتوقع ترحيب تل ابيب وواشنطن و لكن من المهم أيضا ما سيكون عليه موقف فرنسا و الديبلوماسية الفرنسية أمام تهديدات ناتنياهو في حال أصرت فرنسا على موقفها …الخطوة مصيرية في التوجه جديا نحو فرض عقوبات اقتصادية و تجارية و عسكرية على هذا الكيان الارعن الذي تجاوز كل درجات الاجرام و التوحش و لا يمكن بأي حال من الاحوال اخماد أو تجاهل اصوات مشاهير السياسيين و المحامين و الفنانين و الرياضيين الذين يطالبون بمنع مشاركة اسرائيل في التظاهرات الرياضة الدولية و منها كأس العلم و اصوات الحائزين على جائزة نوبل الذين يوقعون العرائض لردع هذا الكيان و ايقاف الابادة …
و لا يمكن بأي حال من الاحوال أن تبقى اسرائيل عنوان اخر ابشع و افظع انواع الاحتلال في القرن الواحد و العشرين و معها الحليف الامريكي وحدهما على حق و كل العالم على خطا … لقد أعلنت شعوب الارض بمختلف انتماءاتها و اديانها و لغاتها رفضها استمرار جرائم الابادة ..و لو كان للضمير الشعبي الانساني سلطة القرار لكان وقع نهاية هذا الاحتلال ..
لا نتوقع أن يتخلى ترامب عن دعم مجرم الحرب ناتنياهو الذي ذهب الى حد وصفه ببطل حرب , و لا نتوقع أن يتراجع عن انكار كل الحقائق الميدانية التي تدين كيان الاحتلال الاسرائيلي و لكن ما نتوقعه و ننتظره أن يكون لقرار العالم اعلان الدولة الفلسطينية وقعه لاعادة احياء القانون الدولي و القيم الكونية التي يسعى ناتنياهو لازالتها من ميثاق الامم المتحدة من و بينها حق الشعوب في المقاومة و النضال ضد الاحتلال و لاجل حقها في الحرية و الكرامة و السيادة ..بالامس دعا الامين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش العالم “الا يخشى خطر ردود أفعال إسرائيل، في ظل حربها المستمرة في غزة وسعيها لضم الضفة الغربية في حال مضت الدول الغربية قدما في الاعتراف بدولة فلسطين على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الساعات القادمة في نيويورك…على العالم أن يكفر عن ذنوبه و أخطاءه في هذه المحرقة و أن يجعل من الاعتراف بالدولة الفلسطينية منعرجا لانهاء الابادة أولا و رفع ظلم الاحتلال و الانتصار لانسانية الانسان و كرامته في فلسطين ..و الطريق الى ذلك لا يختلف عما اقدم عليه المجتمع الدولي لردع نظام الميز العنصري في جنوب افريقيا بما يعني عزل كيان الاحتلال و معاقبته اقتصاديا و تجاريا و عسكريا و ثقافيا و ملاحقته في مختلف المحاكم الدولية حتى يدرك أن زمن الافلات من العقاب انتهى و انه لن يكون بامكان مسؤوليه السياسيين و العسكريين و جنوده القتلة التنقل خارج الكيان لان النهاية ستكون الاعتقال حيثما يتوجهون …
كاتبة وصحفية تونسية

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *