لا ينتصر الا الحق المسنود بالقوة.. متى نستوعب الدروس لبنان نموذجا
انجز اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل عبر الوساطة الامريكية، وبانتظار التوقيع النهائي في الناقورة لينطلق لبنان نحو استخراج ثروته وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحالة المزرية التي وصل اليها اقتصاديا ومعيشيا. يحق للبنان اليوم ان يحتفل بهذا الإنجاز رغم حالة المماطلة والشد والجذب على مدى سنوات في هذا الملف، ورغم وجود أصوات لبنانية معترضة تعتبر ان حقوق لبنان اكثر مما حصل عليه المفاوض اللبناني.
ثمة دروس وعبر يجب الوقوف عندها من خلال هذه التجربة اللبنانية، دروس لفئات سياسية لبنانية أولا، وثم الى كل شعوب ودول المنطقة خاصة العربية. واهم تلك الدروس من تجربة تحقيق لبنان انجاز الاتفاق هي فهم واستيعاب معادلة باتت واضحة ان الحق يجب ان يستند الى القوة والشجاعة ليكون حقا مكتسبا. وخاصة في التعامل مع دولة البلطجة والعدوان والاطماع “إسرائيل”. وان سياسية الخنوع والاستجداء وطلب الرأفة لا تفضي الا الى مزيد من فقدان الحق وتغول إسرائيل واستهتار أمريكا وتجاهل المجتمع الدولي.
والكل اليوم بات مدرك ان لبنان انتزع حقه في ثرواته من الغاز والنفط في بحره بفعل وجود المقاومة، وموقف المقاومة، وقوة سلاح المقاومة التي حصرت إسرائيل في الزاوية وفرضت عليها شرط الوقت وسرعة الإنجاز في وجه سياسية المماطلة والتسويف والتهرب، وشرط التجاوب مع مطالب المفاوض اللبناني. ولولا هذه القوة وهذه الشجاعة الموجودة في لبنان لكانت إسرائيل ومنذ وقت طويل تبيع الغاز وتستفيد من عوائده، بينما لبنان غارق في مفاوضات لا نهاية لها ولا افق يرتجى منها. وهذه سياسية مارستها إسرائيل على مدار عقود من الزمن، ولا تتورع في ممارستها مع لبنان لولا انها وجدت قوة فعلية تقف لها بالمرصاد.
ad
وعلى القوى السياسية اللبنانية التي رفعت عقيرتها في السنوات الماضية مطالبة بنزع سلاح المقاومة، وتجريد لبنان من هذه القوة ان تقف اليوم مع نفسها وامام مرآة الواقع، وان يكون ما جرى درسا وعبرة لها.
إسرائيل ما كانت لتعطي لبنان شبرا واحدا من حقول الغاز في المتوسط، وما كانت سمحت له باستخراج ليترا واحدا من ثروته لولا وجود وقوة شكلت رافعة للمفاوض اللبناني. وهذا الوسيط الأمريكي وحسب التجربة، والتجربة ام الاستدلال، لم يكن وسيطا نزيها بين العرب وإسرائيل مرة واحدة في تاريخه، ولم يجبر إسرائيل على تنفيذ أي قرار دولي او اتفاق او تفاهم او معاهدة. بل العكس قام بتغطية وحماية كل جرائمها واطماعها في بلادنا. فلماذا يحمل للبنانيين اتفاقا يرضيهم الان؟
الجواب كل لبناني يعرفه حتى خصوم حزب الله، وهو ان الإدارة الامريكية تجنبت اندلاع حرب بين لبنان وإسرائيل في وقت غير مناسب لها دوليا وغير مناسب لإسرائيل إقليميا، ولولا تلويح المقاومة بتلك الحرب، والاستعداد الفعلي لها بجدية، لما كان الوسيط الأمريكي فاعلا ونشطا، ولجم” يائير لابيد”،”وبيني غانتس”، عندما هددوا وتوعدوا بوقف المفاوضات والبدء باستخراج الغاز من حقل كاريش.
ان خصوم حزب الله بالداخل عليهم فهم وحفظ هذا الدرس جيدا، والخروج من الزواريب الضيقة، والحسابات الطائفية والمذهبية، والمصالح الشخصية، والتبعية لدول اجنبية تفضل مصلحتها ومصلحة إسرائيل على مصالح لبنان، وعلى تلك القوى ان تغير نظرتها وتعاملها مع سلاح حزب الله، والنظر اليه بانه قوة لبنانية خالصة يعتمد عليها الشعب اللبناني في مواجهة أطماع إسرائيل وحماية لبنان ومصالحه. يجب على تلك القوى ان تكف عن انتهاج سياسية التحريض والشيطنة تجاه المقاومة والتي لا تخدم لبنان. اذا كانوا فعلا مهتمين بمصلحة البلاد ولا يلعبون دور الأدوات لمصالح خارجية.
وبالقوس الاوسع فان انجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية درس وعبرة ليس فقط لبعض الجهات في لبنان بل لكل الامة العربية والإسلامية ولقضايانا العادلة الممنوع علينا تحصيل حقوقنا فيها. وتحديدا لقيادة السلطة الفلسطينية المتمسكة بنهج التفاوض مع الاحتلال خيار استراتيجيا، لتحصل حقوق الشعب الفلسطيني بالوسائل السلمية وعبر المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة، والوسيط الأمريكي. إسرائيل التي تجاهلت السلطة الفلسطينية لعقود ومزقت اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير، ورفعت من وتيرة الاستيطان وسرقة الأرض اضعاف، ومن وتيرة الاقتحامات للمسجد الأقصى، ومن وتيرة الاعتقالات والقتل والتهجير وهدم البيوت. ها هي اليوم وامام مجموعة صغيرة من المقاومين الافراد في الضفة الغربية وبإمكانات متواضعة وبسلاح فردي تهتز وترتبك وتعتبر نفسها في خطر وجودي وأزمة. وهذا الوسيط الأمريكي الذي اهان السلطة الفلسطينية “شريكة السلام ” وطرح صفقة القرن، ونقل سفارة واشنطن الى القدس واغلق مكاتب منظمة التحرير، يصم اسماعه عن كل مناشدات التفاوض وإعطاء الحقوق ورفع الظلم ووقف القتل والاعتقال. الرئيس بايدن عندما زار الضفة الغربية لساعة من الوقت في اطار جولته في المنطقة قال انا مع حل الدولتين لكن ليس الان ربما في المستقبل البعيد.
وهو بلا ادنى شك سينشط ويبدأ التواصل مع السلطة الفلسطينية ويطرح الوساطة والتفاوض فقط عندما تشتعل انتفاضة عارمة في الضفة تضع إسرائيل بوضع حرج، عندها سيهتم المجتمع الدولي لشعب يعاني من التنكيل تحت الاحتلال.
نجح حزب الله في الامتحان للمرة الالف، واثبت انه يحمل عقلا وضميرا قبل ان يحمل سلاحا، وانه قوة وطنية لبنانية تعرف كيف تتعامل مع عدوها وبأية لغة، ويستحق ان يحتفل مع شعبه بهذا الإنجاز. فمتى نستوعب الدروس والعبر في امتنا، وندرك ان سياسية الحمل الوديع تسيل لعاب الذئب.
كاتب واعلامي عربي