كيف أكدت الطعنة المسمومة في الظهر الأوروبي نبوءة ديغول بالحذر من الغدر الأمريكي؟ وهل ستصبح الصين وليس روسيا العدو الأكبر بعد لقاء بوتين وترامب الوشيك في الرياض؟ وفي أي خندق يجب ان يقف العرب؟

 كيف أكدت الطعنة المسمومة في الظهر الأوروبي نبوءة ديغول بالحذر من الغدر الأمريكي؟ وهل ستصبح الصين وليس روسيا العدو الأكبر بعد لقاء بوتين وترامب الوشيك في الرياض؟ وفي أي خندق يجب ان يقف العرب؟

عبد الباري عطوان

عبد الباري عطوان

هذا اللقاء المفاجئ بين سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي المخضرم مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو في العاصمة السعودية الرياض يوم امس قد يدخل التاريخ لمنعه حربا عالمية ثالثة نووية، وبداية تهميش أوروبا وتفكيك حلف شمال الأطلسي، واحلال التحالف الانكلو سكسوني مكانه.

من الواضح ان حماية أوروبا وأمنها لم يعودا يتربعان على سلم أولويات الولايات المتحدة الامريكية، وان وجود قوات وقواعد نووية امريكية فيها ليس ابديا وقد يبدأ تفكيكها في غضون بضعة سنوات بالنظر الى التدهور المتزايد في العلاقات بين الحليفين الأمريكي والاوروبي.

أمريكا الرئيس ترامب طعنت الحلفاء الأوروبيين في الظهر بخنجر قاتل مسموم عندما بادر الرئيس الأمريكي بالاتصال بنظيره الروسي بوتين، في مبادرة مصالحة قد تحقق كل المطالب الروسية في أوكرانيا، وأبرزها ضم إقليم دونباس وشبه جزيرة القرم، وتبديد كل طموحات أوكرانيا، بالانضمام الى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، انه اعتراف امريكي صريح وعملي بالهزيمة في أوكرانيا وحربها وتفوق الدهاء “البوتيني”.

***

الأوروبيون الذين كانوا مثل الزوج المخدوع آخر من يعلم، جرى قيادتهم الى محرقة الحرب في أوكرانيا في شباط (فبراير) عام 2022، أي قبل ثلاث سنوات بطلب من واشنطن، بوضعهم كل اوراقهم في جيب سيد البيت الأبيض، وسارعوا الى توتير علاقاتهم مع روسيا، وتفريغ كل ترسانتهم العسكرية لدعم الرئيس الاوكراني زيلينسكي وخطوطه الدفاعية والهجومية، وتقديم مئة مليار دولار له، وسحب جميع شركاتهم الكبرى من موسكو، واغلاق كل انابيب الغاز والنفط الروسية، وبعد كل هذه التضحيات ها هي الإدارة الامريكية الحالية تجري لقاءات مع موسكو في المملكة العربية السعودية دون ابلاغها او مشاركتها، وربما يكون اول ثمار هذه اللقاءات إستعادة العلاقات التجارية الامريكية مع روسيا، ورفع الحصار والعقوبات.

لا نعتقد ان الرئيس ترامب يمكن ان يقدم على كل هذه الخطوات المفاجئة دون التنسيق مع الشريك الأوروبي قبل الحصول على دعم وموافقة الدولة الامريكية العميقة، والا فإن العاقبة قد تكون اغتياله، تماما مثلما حدث مع الرئيس جون كنيدي عام 1962، فأولويات هذه الدولة الجديدة، اذا صحت، ربما تتمحور حول كسب روسيا الى جانبها في حربها ضد الخطر الصيني الأكبر الذي يهدد وجود أمريكا وهيمنتها على العالم، والا كيف يمكن تفسير القرار الأمريكي بإعادة روسيا الى مجموعة الدول الثمانية الكبرى، وشن جي دي فانس نائب ترامب هجوما شرسا على أوروبا، واتهامها بتبني سياسات اكبر خطرا من روسيا والصين على القيم الديمقراطية، وقمع حرية التعبير، وكأن هذه الحريات تعيش أجمل وأقوى مراحلها في الولايات المتحدة التي باتت عنوانا لقمعها في الاعلام والجامعات خدمة للمشروع الدموي العنصري الإسرائيلي في فلسطين المحتلة.

نبوءة شارل ديغول وتحذيراته بعدم الثقة بالأمريكان، او الاعتماد عليهم كحماة أمنيين، التي تجسدت في عدم مشاركته في الشق العسكري من حلف الناتو، والتركيز على تأسيس سوق مشتركة، ثم اتحاد أوروبي مستقل عن أمريكا، هذه النبوءة بدأت تتحقق الآن، خاصة بعد ان طالب ترامب حكومات حلف الناتو برفع مساهماتهم الأمنية في الحلف من 2 بالمئة الى 5 بالمئة من الناتج المجلي، وفرض عليهم (الأوروبيين) ضرائب تصل الى 25 بالمئة على جميع وارداتهم من الولايات المتحدة، أليس هو القائل “لا نريد ان نكون كلب أمريكا”.

تخلي الولايات المتحدة عن حليفها الأوروبي بعد ما يقرب من 80 عاما بهذه السهولة، واحتقاره بطريقة غير مسبوقة من خلال استبعاده بشكل مهين من مفاوضات المصالحة والسلام لإنهاء الحرب في أوكرانيا، يجب ان تكون درسا لجميع الحكومات العربية التي تصلي يوميا عدة ركعات تحت اقدام السيد الأمريكي الذي دعم، ويدعم، حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، ويضع الخطط لتفريغ القطاع من سكانه، والبدء في تأسيس إسرائيل الكبرى التاريخية على حساب العرب.

***

نتوقع تحالفا صينيا أوروبيا قادما ولعل قمة باريس الأخيرة للدول الأوروبية التي انعقدت قبل بضعة أيام اكدت هذا القلق والتحول كرد على الطعنة الامريكية المسمومة، فلماذا لا يسير العرب على الطريق نفسه؟

نترحم على الرئيس حسني مبارك الذي قال كلمته المشهورة  “المتغطي بالامريكان عريان”، ونؤكدها بأخرى قالها هنري كيسنجر “أن تكون عدوًا لأمريكا قد يكون أمرًا خطيرًا، لكن أن تكون صديقًا هو أمر قاتل”.

أمريكا ترامب لن تكون صديقا للعرب، بل للصهاينة، يجب ان تتوحد جميع الشعوب والحكومات لإحباط شرها القادم وعنوانه الأكبر تهجير مليوني فلسطيني من القطاع وضعفهم من الضفة الغربية، ونحن كعرب ومسلمين قادرين على هزيمتها، ولنا في أفغانستان والعراق وقبلهما فيتنام، النموذج المشرف في هذ المضمار.

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *