قطع 20% من أشجارها.. غابات الأمازون ضحية شراهة الأميركيين للّحوم
الإنتشار العربي: رئة العالم في خطر، أي غابات الأمازون التي يقول العلماء إنّها أصبحت على حافة الهاوية، ويحذّرون من موتها بعد فقدان الغطاء الشجري الذي قد يدفعها إلى ما وراء نقطة اللاعودة، حينها سيفقد العالم حتماً أكبر درع له ضد ارتفاع درجات الحرارة، بسبب استبدال مظلات الغابات الكثيفة الرطبة، بالمراعي والأراضي الزراعية.
فاليد البشرية التي تعبث بالنظام البيئي في المجرة، وتعمل بوتير متسارعة، على تحويل الغابات المَطيرة إلى الزراعة وتربية الماشية، تسبّبت بانخفاض مساحة الغابات في منطقة الأمازون الممتدة على مساحة تقارب مساحة الولايات المتحدة القاريةـ بنسبة بلغت 17%، (بحسب مجلة Nature الدولية)، بينما يكشف تقرير صدر منتصف تموز/يوليو 2022، عن مركز الأبحاث البيئية Mapbiomas أنّ عمليات إزالة الغابات في منطقة الأمازون البرازيلية، زادت بأكثر من 20% العام الماضي.
والأخطر أنّ صور الأقمار الصناعية التي التقطت على مدى العقود العديدة الماضية، تظهر أنّ أكثر من 75%، من الغابات المطيرة تفقد قدرتها على الصمود، وفقاً لدراسة نُشرت منتصف آذار/مارس الماضي، في مجلة Nature Climate Change.
ولكن كيف أصبحت الماشية، وهي أكثر الحيوانات شيوعاً، تلعب دوراً أساسياً ومحورياً، في هلاك أغلى غابة في العالم، لنجد أنّ القصة قصة نيّة شريرة، وليست مصادفة. كانت قد بدأت في منتصف الستينيات، وقتها أطلق العنان لقهر ما كان حتى ذلك الحين غير قابل للقهر.
من هنا، قال أنطوان أكير، مؤرّخ الأمازون في جامعة زيورخ: “كانت الفكرة هي غزو المناطق الداخلية، ودمجها في بقية البلاد”. وأضاف “كانت البقرة حيواناً قوياً لذلك. إنّها تشغل مساحة كبيرة من الأرض وهي رخيصة حقاً”.
كيف بدأ الفتك بغابات الأمازون؟
من خلال مزايا الاستثمار، والإعفاءات الضريبية وشبكة جديدة من الطرق السريعة، هرع الناس الأغنياء والفقراء إلى الأمازون. أحرقوا قطعاً من الغابات، وألقوا بالماشية فيها، وطالبوا بالأرض بوسائل قانونية وغير قانونية. في منطقة شاسعة خارجة عن سيطرة الحكومة إلى حدّ كبير، كان عمل العبيد منتشراً، فاندلعت نزاعات عنيفة على الأراضي، ذُبح على إثرها السكان الأصليون. وبحلول أوائل العقد الأوّل من القرن 21، كان المزارعون يحرقون ما يكفي من الغابات كل عام لتغطية ولاية نيو جيرسي.
حاول المشرعون الحدّ من الدمار. وبموجب قانون الغابات، اقتصر حرق المزارعين والشركات على 20% فقط ممن يدعون أنّها ممتلكاتهم. وكان من شأن هدم المزيد – أو تجريف الأراضي العامة وأراضي السكان الأصليين – أن يجعل إزالة الغابات غير قانونية. لكن ما قيل في برازيليا البعيدة كان أشبه بالسراب. فما حدث في غابات الأمازون كان شيئاً آخر.
العديد من العوامل والأسباب تضافرت وقادت إلى النتيجة هذه، منها الفساد، والجريمة، والجشع والطمع، فضلاً عن تآمر السلطات البرازيلية وتساهلها مع العصابات المنظمة التي تفتك بالغابات.
غير أنّ ما خفي كان أعظم. فما لا يعرفه كثر في العالم، هو تواطئ الولايات المتحدة مع الفظائع التي ترتكب بحق الأمازون، وذلك من خلال تجارة لحوم الأبقار المرتبطة بالسوق الأميركية الواسعة الاستهلاك، الأمر الذي ساهم في ازدياد وتسريع عمليات إزالة الأشجار، وبالتالي القضاء على الغطاء الشجري لهذا الكنز الطبيعي.
ما علاقة الولايات المتحدة بعمليات إزالة الأشجار في الأمازن؟
أظهر تحقيقٌ أجرته صحيفة “واشنطن بوست” أنّ الفشل المستمر في حماية أكبر غابة مَطيرة في العالم، من تربية الماشية الجشعة لم يعد يقتصر على البرازيل وحدها، بل يتم تقاسمها الآن من قبل الولايات المتحدة – والمستهلك الأميركي.
في العامين الماضيين منذ أن رفعت واشنطن الحظر الذي كان مفروضاً على لحوم الأبقار البرازيلية الخام، بسبب مخاوف تتعلق بسلامة الأغذية، تصاعدت وتيرة استيراد هذه اللحوم، من قبل الولايات المتحدة لتصبح ثاني أكبر مشتر لها، حيث اشترت البلاد أكثر من 320 مليون رطل من اللحم البقري البرازيلي العام الماضي – وهي على وشك شراء ما يقرب من ضعف ذلك هذا العام. والكلام هنا، لشبكة Poder360 الإعلامية البرازيلية.
مصدر لحوم الأبقار للولايات المتحدة
في الواقع، تعتبر مجموعة الأغذية الزراعية البرازيلية العملاقة JBS “جي بي أس” أضخم شركة في العالم في مجال تعبئة اللّحوم، وتمتلك أسطولاً ضخماً من العلامات التجارية ـــ المصدر الرئيسي إن لم يكن الوحيد، الذي يغذي السوق الأميركية، بلحوم الأبقار البرازيلية، حيث تقوم المجموعة، بتخزين منتجاتها من اللحوم، في سلسلة من المتاجر (البيع بالمفرق) والشركات الرئيسية في أميركا.
وانطلاقاً من ذلك، اتهم دعاة حماية البيئة مراراً وتكراراً مجموعة “جي بي أس”، بشراء الماشية التي تربى على أراض أزيلت منها الغابات بشكل غير قانوني، حيث كانت تحدثت “منظمة غرينبيس العالمية” لأوّل مرة، عن مثل هذه العلاقات في تقرير صدر عام 2009.
وفي عام 2017، فرضت وكالة إنفاذ القانون البيئي البرازيلية “إيباما” غرامة على شركة JBS تجاوزت في ذلك الوقت 7.5 مليون دولار، مشيرةً إلى أنّ اثنين من مصانع تعبئة اللحوم في الأمازون اشتريا ما يقرب من 50 ألف حيوان تم تربيتهم في أراض قطع منها الأشجار جوراً، على ذمة وكالة رويترز.
أكثر من ذلك، في تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، أكّد المدعون الفيدراليون البرازيليون الذين يركزون على إزالة الغابات، وجود “مخالفات” واسعة النطاق في سلسلة التوريد المباشرة للشركة، من كانون الثاني/يناير 2018، إلى حزيران/يونيو 2019 في ولاية بارا البرازيلية.
هل شركة JBS متورطة فعلاً في عمليات إزالة الأشجار في الأمازون؟
حاولت الشركة إبعاد تهمة المشاركة في القضاء على غابات الأمازون عنها، واتخذت إجراءات عديدة لهذه الغاية، مثل التعهد بعدم شراء الماشية من المزارع التي أزيلت غاباتها بشكل غير قانوني، وغيرها من الخطوات. لكن أي من هذه الاجراءات لم يكن كافياً، ومعظمها بقي حبراً على ورق.
فمن خلال مراجعة الآلاف من سجلات الشحن والشراء، وتحليل صور الأقمار الصناعية لمزارع ماشية الأمازون، وجدت الواشنطن بوست، أن JBS لم تفصل نفسها بعد عن العلاقات مع إزالة الغابات غير القانونية.
ولهذا، تم إخفاء الدمار في قاعدة سلسلة إمداد طويلة ومتعددة الخطوات تربط مباشرة المزارع التي أزيلت منها الغابات بشكل غير قانوني – ومربّي الماشية المتهمين بارتكاب مخالفات بيئية – بالمصانع المرخصة من قبل الحكومة الأميركية لتصدير لحوم الأبقار إلى الولايات المتحدة.
تُظهر السجلات، أنّه بين كانون الثاني/يناير 2018، وتشرين الأوّل/أكتوبر 2020، قامت مصانع JBS، بما لا يقل عن 1673 عملية شراء للماشية، من 114 مربي ماشية كانوا يمتلكون في ذلك الوقت عقاراً واحداً تم الاستشهاد به، لإزالة الغابات بشكل غير قانوني، فضلاً عن الكثير من العمليات التي تم اخفاؤها.
ماذا عن إجراءات الإدارة الأميركية؟
مع أنّ إدارة الرئيس جو بايدن كانت شددت على الحفاظ على الأمازون في قمة المناخ في غلاسكو الخريف الماضي ـــ كونها تعمل على امتصاص الكربون لتجنب الإحترار الكارثي ـــ لكنّ الوكالة الأميركية التي تأذن لمصانع تعبئة اللحوم في البرازيل بالتصدير إلى الولايات المتحدة، تفعل عكس ذلك، ولا تبذل أي جهد لمنع المجزرة القائمة في الأمازون، وذلك باعتراف الوكالة نفسها، التي أوضحت أنّها لا تحاول تحديد ما إذا كانت العمليات تسبب أضراراً بيئية. وما يثير الريبة، وجود 7 مصانع حاصلة على الضوء الأخضر، من قبل خدمة سلامة الأغذية والتفتيش الأميركية، في الأمازون، وفقاً للواشنطن بوست.
الأكثر إثارة للسخرية، أنّ وزارة الزراعة البررازيلية وفي محاولة لرفع المسؤولية عن الولايات المتحدة، ألقت باللوم على “مشاكل استخدام الأراضي التاريخية”، وليس صناعة لحوم البقر، فيما يتعلق بإزالة الغابات.
إضافةً إلى ما تقدم، فإن المشكلة الأكبر في تربية الماشية في البرازيل اليوم، والسبب الرئيسي وراء وصول إزالة الغابات في الأمازون إلى أعلى مستوى لها منذ 15 عاماً، ليست المورد المباشر ـــ لم يكن هذا هو الحال منذ سنوات ـــ بل الموردين غير المباشرين، أي مربي الماشية الذين يعرفون كيفية عمل النظام، ويعمدون إلى خلط الماشية من مزرعة إلى أخرى لإخفاء أصولهم غير القانونية وبيعها. تسمى اللعبة “غسل الماشية”. فالغابة مليئة باللاعبين، ومربو الماشية الدنيئون الذين بنوا أعمالهم من جمر الغابة.
واليوم، يقول أحد رعاة البقر في الأمازون، زايرسيو فاغونديس غوفيا، إنّ رعاة الماشية مثله لديهم تركيز جديد: وهو الولايات المتحدة.
ما هو “غسل الماشية” وكيف يتم؟
منعاً للملاحقة القانونية (التي عادة ما تكون صورية)، لجأ مربوا الماشية إلى التحايل على القانون للمضي قدماً في جرائمهم بحق الأمازون. إذ كل ما يتعين على مربي الماشية ـــ الذين لديهم أراضي محظور الرعي أو تربية الأبقار فيها ــ القيام به هو شحن ماشيتهم إلى ممتلكات (أو مزارع شرعية قانونية) ذات سجلات بيئية نظيفة أي غير متورطة بجرائم إزالة الغابات. إذ لا يتم تعقب الماشية بشكل فردي في البرازيل، كما هو الحال في الأرجنتين المجاورة، والمديرية العامة للصحة وحماية المستهلك في المفوضية الأوروبية.
بمجرد أن تصل الحيوانات إلى مزرعة ليس لديها تاريخ من إزالة الغابات، فإنّها تولد فعلياً مرة أخرى – وتصبغ عليها الصفة الشرعية، وتصبح وجاهزة لبيعها لمنتجين مثل JBS للذبح والشحن.
وتعقيباً على ذلك، قال راوني راجاو، عالم البيئة في جامعة ميناس جيرايس الفيدرالية، “هذا غسيل ماشية… لقد أصبح المخطط مؤسسياً”.
وبناءً على ذلك، قامت منظمة الأبحاث البيئية الهولندية Aidenvironment، بالتعاون مع الواشنطن بوست، بتحليل الآلاف من سجلات شراء الماشية وشحنها التي تقدم لمحة عن هذا العالم.
يكشف التحليل أنّ JBS تتعامل مباشرة مع أصحاب المزارع الذين لديهم تاريخ طويل من إزالة الغابات. فضلاً عن إخفاء المزارع التي أزيلت منها الغابات بشكل غير قانوني.
ما لا يمكن فهمه أو استيعابه، أنّه لا حكومة الولايات المتحدة ولا المستهلك الأميركي يعرف إلى أين تذهب لحوم الأبقار المستوردة من البرازيل بعد وصولها إلى أميركا. منذ اللحظة التي يتم فيها اجتياز لحوم الأبقار المستوردة الفحص، يمكن تجريدها من جميع الملصقات التي تحددها على أنّها من مصادر أجنبية، ويجري وبيعها كما لو كانت منتجة محلياً.
الأكثر غرابة، أنّه لا توجد وكالة فيدرالية أميركية تتعقب البيع المحلي للحوم البقر المستوردة. كما أنّ تجار التجزئة (أي بالمفرق) ليسوا ملزمين بإبلاغ المستهلكين ببلد منشأ اللحم البقري الخام. إذ جرى إلغاء شرط وضع العلامات هذا مع تمرير مشروع قانون الإنفاق الشامل لعام 2016.
وخلص الفحص التحليلي إلى أنّ هذه المزارع الشرعية، حققت ما لا يقل عن 263 عملية بيع لعدد غير محدد من الماشية، إلى مصانع JBS المصرّح لها بالتصدير إلى الولايات المتحدة.
ما يزيد الطين بُلة، أنّ خلط الماشية من المزارع المخالفة، بأخرى شرعية، لا يعد مخالفاً للقانون، والأنكى أنّه يشكل حلاً بديلاً.
في المحصلة، ولطمس الجريمة، في منتصف عام 2019، بعد أشهر من ولاية الرئيس الحالي جايير بولسونارو، فرضت الحكومة الفيدرالية وبعض الحكومات قيوداً شديدة على الوصول إلى السجلات. وعليه من المتوقع أن يستمر الاستهلاك العالمي للحوم البقر ـــ وهو علامة تقليدية على التنمية في الارتفاع خلال العقد المقبل. فالولايات المتحدة هي السوق الأكبر لأنّها موطن لـ4% من سكان العالم ولكنّها تأكل حوالى 20% من لحوم البقر بحسب موقع Canal Rural التلفزيونية البرازيلية، وبالتالي فإنّ نزيف الأمازون لن يتوقف مع هكذا نسبة استهلاك للحوم خصوصاً من أميركا.
* علي دربج باحث ومحاضر جامعي
المصادر:
1. Title (icar.org)
2. 2015_JairSchmitt.pdf (unb.br)
3. https://www.nature.com/articles/s41586-021-03629-6
4. Who are we | Power360 (poder360.com.br)
5. Amazon rainforest is hurtling toward a ’tipping point,’ satellites show – The Washington Post
6. US lifts Brazilian beef import ban amid quality concerns | AP News
7. greenpeace.org.br/gado/farradoboinaamazonia.pdf?itid=lk_inline_enhanced-template
8. Brazil’s JBS accused of violating Amazon rainforest protection laws | Reuters
9. Amazon Tipping Point | Science Advances
10. Deforestation, warming flip part of Amazon forest from carbon sink to source – Welcome to NOAA Research
11. The solution to climate change that has nothing to do with cars or coal – The Washington Post
12. How deforestation is pushing the Amazon toward a tipping point – The Washington Post
13. https://www.dw.com/en/brazil-amazon-deforestation-up-20-last-year-report/a-62517871#:~:text=South%20America’s%20largest%20country%20is,during%20the%20course%20of%202021.