في القدس تسهيلات في الإعلام.. والوضع قريب جداً من الانفجار
في منطقة باب العامود وفي الساحة التي حاول الاحتلال عبرنتها في العام الماضي، وأسماها على اسم مجندتين مستوطنتين “هداس ملكا” و”هدار فهداس” قتلتا في عمليتين فلسطينيتين في شارع السلطان سليمان ب القدس 2016 و2017، وكانت عملية عبرنة الساحة، ومنع أهل القدس من الجلوس عليها، واحدة من الأسباب في اندلاع هبات القدس الثلاثة، باب العامود والأقصى والشيخ جراح، وما استتبعها من تدخل المقاومة الفلسطينية لصالح القدس في أيار من العام الماضي، معركة “سيف القدس”، وقبل حلول شهر رمضان الحالي وماكنة إعلام الاحتلال وكل قياداته الأمنية والعسكرية والسياسية، كانت تحذر من أن شهر رمضان الحالي سيشهد عملية تصعيد غير مسبوقة، وهذا التصعيد قد يؤدي إلى انفجار واسع، يطال كامل جغرافيا فلسطين التاريخية، يصل حد اندلاع انتفاضة شعبية عارمة، وأبعد من ذلك، ربما تتطور الأمور إلى ما هو أبعد من معركة “سيف القدس 2” إلى مواجهات عسكرية أكبر من معركة وأقل من حرب شاملة، تتعدى المشاركة العسكرية فيها قطاع غزة نحو المنطقة والإقليم.. ولذلك وجدنا الاحتلال في إطار “البروباغندا” التي يجيد إتقانها ويغلفها بالكذب والخداع والتضليل، قامت قياداته الأمنية والعسكرية والسياسية بالعديد من اللقاءات والزيارات إلى دول محور التطبيع، بقديمه وجديده، وإلى أمريكا الراعية لدولة الاحتلال وشريكتها في العدوان على شعبنا الفلسطيني، وجوهر وعنوان تلك اللقاءات والزيارات، منع التصعيد في القدس والأقصى في شهر رمضان المبارك، في وقت أعلنت فيه دولة الاحتلال عن سلسلة تسهيلات في شهر رمضان الفضيل، السماح لأهل الضفة الغربية من الوصول للقدس وأداء الصلاة في المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك، زيادة تصاريح العمل للعمال من الضفة الغربية وقطاع غزة، والسماح لأهالي أسرى حركة فتح من زيارة أبنائهم الأسرى في سجون الاحتلال وعدم إغلاق الضفة في مواسم الأعياد اليهودية، ولكن تلك التسهيلات بقيت في الإطار الشعاري والنظري والدعائي وأرفقت ذلك بقائمة طويلة من الشروط، يتقدمها هاجس الاحتلال الدائم وعقدته “الأمن”… وليس هذا فقط، حيث سمحت القيادتين الأمنية والعسكرية للأزعر ايتمار بن غفير من الصهيونية الجديدة باقتحام الأقصى قبل بداية شهر رمضان، وكذلك منحت المستوطنين الإذن والموافقة على اقتحام الأقصى في شهر رمضان الفضيل الحالي، في فترة الأعياد اليهودية، والتي يقع خمسة منها فيه، وفي مقدمتها ما يعرف بعيد الفصح اليهودي من 15 /4 -22/4، حيث ستكثف الجماعات التلمودية والتوراتية محاولاتها من أجل إدخال ما يعرف بقرابين الفصح إلى المسجد الأقصى وأداء الشعائر والطقوس التلمودية والتوراتية فيه بشكل علني، من نفخ في البوق إلى “السجود الملحمي” والقراءات العلنية لفقرات من التوراة، وبما يتجاوز قضية الاستحضار المعنوي للهيكل إلى الممارسة العملية لطقوس الهيكل في الأقصى، وما سيترتب على ذلك من تداعيات ومواجهات مع أهل الأقصى وأصحابه الشرعيين، أتباع الديانة الإسلامية.
منذ اليوم الأول لرمضان حول الاحتلال منطقة باب العامود إلى ثكنة عسكرية، ونشر وحدات من جيشه وشرطته في مختلف حواري وأزقة وشوارع المدينة، وبالذات في البلدة القديمة، ودعم تلك القوات بعناصر من مستعربيه، تم دمجها مع قوات من الجيش، وقام بتركيب كشافات إضاءة قوية، على أسطح الغرف الأمنية التي أقامها على مدخل ساحة باب العامود، ومن بعد مواجهات اليوم الأول، كثف الاحتلال من إجراءاته الأمنية ووضع غرفة أمنية متنقلة في منطقة باب العامود.
ازدادت حدة التوتر والمواجهات ما بين الشبان المقدسيين وأبناء شعبنا من الداخل الفلسطيني- 48-، بعد قيام وزير خارجية دولة الاحتلال باقتحام ساحة باب العامود، وتحولت تلك الساحة من بعد الإفطار وصلوات التراويح إلى ساحة حرب حقيقية ومعارك كر وفر بين قوات الاحتلال والشبان الفلسطينيين… ومن خلال تلك المواجهات وما قام به وزير خارجية الاحتلال من اقتحام لساحة باب العامود وإقامة غرفة عمليات أمنية متنقلة، نستطيع القول بأن الاحتلال يدير حربه التصعيدية ضد شعبنا على قاعدة “العصا والجزرة”، وكذلك وفق مقولة جوبلز وزير الإعلام في عهد هتلر “اكذب ثم اكذب حتى يعتقد الناس انك تقول الحقيقة”، فهو من جهة يقول للعالم والإقليم ومحور التطبيع العربي، بأنه يعمل بشكل حثيث من أجل التهدئة وعدم تصاعد الأوضاع في شهر رمضان، فهو يعلن عن مجموعة تسهيلات تمكن من وصول المصلين للأقصى من أجل أداء صلواتهم، ويقود حملة إعلامية تتجند فيها كل أجهزة الاحتلال ومستوياته الأمنية والعسكرية والسياسية، يسوقها عربياً وإسلامياً وإقليمياً ودولياً بأنه معني بالتهدئة و”تبريد” الأوضاع في شهر رمضان وعدم تصاعدها، ولكن على الأرض، نرى عمليات تصعيد ممنهجة وعمليات استباقية من اغتيالات، كما حدث في جنين مؤخراً، باغتيال ثلاثة من أعضاء سرايا القدس، وكذلك عمليات الاعتقالات بحق الأسرى المحررين ونشطاء الفصائل لم تتوقف، وتوسعت عمليات الاعتقال والاعتقال الإداري، من بعد عمليات بئر السبع والخضيرة وتل أبيب لتطال الداخل الفلسطيني- 48-، ومن بعد ذلك أطلق الاحتلال ما يسميه بعملية “كاسر الأمواج”، التي حشد فيها خمسة عشر فرقة عسكرية على طول الخط الفاصل وفي القدس وعلى حدود قطاع غزة، وفي الضفة الغربية، ورفع جاهزية كل أجهزته الأمنية والتجسسية، وحسب القناة ال 13 العبرية، أمر رئيس أركان جيش الاحتلال “كوخافي” قياداته العسكرية لرفع حالة التأهب القصوى، استعداداً لما يسميه بمعركة “حارس الأسوار 2”.
بينت الذي تعيش حكومته أزمة سياسية، وتلك الحكومة التي يتوقف استمرارها على صوت واحد، وهي تتكئ على القائمة العربية الموحدة في استمرارها، فرئيس وزراء الاحتلال السابق نتنياهو والأحزاب الدينية يتربصون بها من أجل إسقاطها، وبينت لا يستطيع أن يتخلى عن الجماعات الاستيطانية والتلمودية والتوراتية، فهي الحاضنة الأساسية لحكومته، وبالمقابل هو يريد الحفاظ على توسع وتنامي علاقاته العربية والإقليمية والدولية، في ظل توسع عمليات التطبيع مع حلف “ابراهم” التطبيعي، بحيث لم تعد تلك العلاقة تقتصر على التطبيع للعلاقات، بل إقامة هياكل أمنية في وجه عدو افتراضي صنعته واشنطن، بالإضافة إلى إقامة احلاف أمنية وعسكرية واقتصادية وسياسية.
الظرف الموضوعي ناضج تماماً من أجل تطور وتصاعد الأوضاع نحو انتفاضة شعبية شاملة، ولكن الوضع الداخلي الفلسطيني هو المعيق، ليس فقط قضايا التشظية والانقسام العائق لذلك، بل اصرار البعض على التمسك بأوسلو وعدم التحلل من التزاماته الأمنية والسياسية والاقتصادية، والرهان على نهج وخيار المفاوضات الذي ثبت عقمه وفشله، والتشبث بما يسمى بالشرعية الدولية، والتي كشفت الأزمة الأوكرانية عن وجهها القبيح بشكل سافر، حيث ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيقها، فأمريكا ودول أوروبا الغربية الاستعمارية، تحركت بعد اسبوع واحد ضد روسيا، تحت شعار الحفاظ على سيادة اوكرانيا وعدم جواز شن حرب عليها، وخرق القانون الدولي وغيرها من الأكاذيب، فهذه الدول لم تتحرك لنصرة الشعب الفلسطيني، أو لإلزام دولة الاحتلال باحترام قرارات الشرعية وتطبيقها منذ 74 عاماً، ولكن رغم كل ذلك، فالحالة الفلسطينية ليست بتلك الدرجة من السوء، وخاصة أن القوى المقاومة فيها، تسند إلى محور مقاومة يحقق المزيد من الإنجازات والانتصارات على مستوى الإقليم، والعالم يشهد تطورات وتغيرات جيواستراتيجية، وتراجع المشروع الأمريكي، وفقدان سيطرته القطبية الأحادية على العالم. وهذا يجعلنا نبدي قدراً عالياً من التفاؤل، حيث يعيش المحور الذي تنتمي إليه دولة الاحتلال حالة من القلق والإرباك والتراجع أمام محور حلفاء إيران، وهذا يضع المشروع الوطني الفلسطيني على أعتاب مرحلة استراتيجية جديدة يغادر فيها دورة الانحباس نحو دورة المقاومة التي تقرب من اللحظة التاريخية لتحقيق الشعب الفلسطيني لأهدافه الوطنية.