غزة في مواجهة الشرق الإبراهيمي الجديد

فيما يخص المشاريع الصهيونية الأميركية لتمزيق المنطقة. فمنذ قرن على الأقل، فإن الصراع في المنطقة هو صراع مشارط وخرائط في خدمة النفط والمشروع الصهيوني.

كونفدراليات طائفية بدلاً من سايكس ـ بيكو

في غمرة تحليلات متعددة بشأن الظروف والمعطيات والتداعيات لطوفان الأقصى والعدوان الهمجي الصهيوني على المدنيين العزل في قطاع غزة، انتقاماً من هزيمته أمام المقاومة، ومحاولات ربط ما سبق بهذا السيناريو أو ذاك، من السيناريوهات التي تطرح بشأن القضية الفلسطينية والشرق الأوسط، الأرجح أن ما يجري اليوم من قصف إجرامي للقطاع لا يمتّ إلى هذه السيناريوهات بصلة، والأدق أنه جزء من حملة إبادة ليس ضد فصائل المقاومة المسلحة فقط، بل ضد الشعب العربي الفلسطيني وقضيته وإعادته إلى المربع الأول، اقتلاعاً وتهجيراً، وتوزيعه تحت وصايات هنا وهناك بمشاركات فلسطينية شكلية لجماعات معروفة. 

والأدق أيضاً، أن العملية البطولية الشجاعة للمقاومة، والتي هزمت العدو وأذلته وكسرت ظهر واحدة من أهم الفرق لديه، وهي فرقة غلاف غزة، جاءت في سياق دفاع عن الحضور الفلسطيني المقاوم في وجه محاولات الاقتلاع السياسي والتصفية النهائية للقضية الفلسطينية. 

ولا بأس في أن نطلب إلى الباحثين عن مقايضات وصفقات سياسية إقليمية وسط ركام القصف الهمجي الصهيوني، مراجعة المشاريع الصهيونية – الأميركية لتمزيق المنطقة وتعبيد الطريق أمامها عبر المحاولات المستمرة لاستئصال الحلقات المقاومة حلقة بعد حلقة، الأمر الذي يضع الجميع أمام خيارات محددة لا لبس فيها، وهي إمّا المقاومة ودعمها وعدم التردد في الوقوف الميداني إلى جانبها، وإما انفتاح الباب على مصراعيه أمام الاستراتيجية الصهيونية – الأميركية لتفكيك المنطقة وإعادة تركيبها في خدمة هذه الاستراتيجية. 

وليس بعيداً عن ذلك هذا التكالب الإمبريالي الوقح بكل تعبيراته، الأميركية والأوروبية، جنباً إلى جنب في خندق الإجرام الصهيوني، بل تغطيته سياسياً وإعلامياً ومادياً، ودعم “تل أبيب” في جرائمها ضد المدنيين العزل، فما نحن إزاءه اليوم في العقل الغربي المتوحش الأوروبي، كما الأميركي، هو إعادة إنتاج جديدة لوعد بلفور وسايكس بيكو كعنوانين لشرق إبراهيمي خاضع، في إطار الصراع الدولي المحتدم بين الغرب الامبريالي وشرق البريكس ممثلاً بالصين وروسيا وغيرهما.

إلى ذلك، وفيما يخص المشاريع الصهيونية الأميركية لتمزيق المنطقة. فمنذ قرن على الأقل، فإن الصراع في المنطقة هو صراع مشارط وخرائط في خدمة النفط والمشروع الصهيوني.

وقبل أن تنجح الصهيونية في ترجمة أحلامها وأوهامها التوراتية بالتقاطع مع المصالح البريطانية بين الهند الشرقية والسويس، شكل إعلان الدولة السورية الواحدة (سوريا الكبرى)، بمشاركة كل مكوناتها التاريخية (سوريا الحالية، فلسطين، الأردن، لبنان) أول خطر على مشروع “إسرائيل الكبرى”.

فتكالب الاستعماران الفرنسي والبريطاني على هذه الدولة، وواصلا الدور نفسه مع الامبريالية الاميركية الصاعدة بعيد الحرب العالمية الثانية، واستكملا هذه الاستراتيجية بتحطيم مصر والعراق أيضاً.

هكذا، إذا كانت اتفاقية سايكس –بيكو مزقت الشرق العربي في بداية القرن الماضي، فمنذ الأعوام الأولى للقرن الحالي والمستعمرون الأجانب والصهيونية العالمية يسعون لإبدال دولة التجزئة القطرية السابقة، أياً كانت طبيعة الحكم فيها، موالية أو مناوئة لهم، بشكل جديد من الخرائط، هو الكانتونات الطائفية والمذهبية المتناحرة، والتي تستدعي تفكيك هذه الدولة وتفجيرها وإبدال مكوناتها المركزية (الجيش والبيارق) بميليشيات ورموز طائفية.

على هذا النحو بالذات صرنا إلى ما وصلنا إليه باسم “الربيع العربي”، وجرى ضخ مليارات الدولارات لأدوات الهدم الملائمة، وهي الجماعات الأصولية التكفيرية.

وهكذا انتقلنا أو انتقلوا بنا من أدوات التفكيك وخطابه، إلى أدوات التركيب وخطابه، لكنه أبداً ليس تركيباً مدنياً أو ديموقراطياً أو حضارياً أو ليبرالياً، رأسمالياً أو شمولياً، بل هو تركيب من طبيعة وطينة التفكيك والمصالح الاستعمارية والصهيونية، وقوامه أشكال من كونفدراليات الطوائف التي تضبط الفوضى (غير المحسوبة).

وتنطلق السيناريوهات لتفكيك الشرق العربي، وضرب النزعات المضادة لهذا التفكيك، وهي النزعات القومية، من أن العرب لم ينجزوا ثورتهم البرجوازية الديمقراطية ويترجموها عبر دولة قومية ومجتمع مدني، وأنهم ما زالوا مجاميع طائفية ومذهبية وعشائرية في إطار دول مركزية هشة قابلة للانفجار والاحتقان، طائفياً وجهوياً.

ومن أبرز الذين اشتغلوا على ذلك موشي دايان ودانيال بايبس وبرنار لويس ورفائيل باتاي (دراسته عن العقل العربي الصحراوي المتناثر الفردي الانفعالي العدواني في مقابل العقل اليهودي).

كما شكلت دراسة المستشرق الفرنسي رينان مرجعية أساسية لهذه الأفكار، التي كان أكثر ما يذعرها ويخيفها المد الناصري كأيديولوجيا توحيدية وبدائل نظرية من الشرط الموضوعي الغائب والمغيب (الثورة البرجوازية القومية الديمقراطية).

وكذلك تشخيص بريجنسكي (للشرق الأوسط) بصفته مادة متفجرة، مفتوحة على شرق أوسط من الكانتونات الطائفية والجهوية.

وكانت البدايات مع فريق بن غوريون عام 1953، ثم مؤتمر سيفر (22/10/1956)، والذي بحث في السيناريوهات والآفاق للعدوان الثلاثي البريطاني والفرنسي الصهيوني على مصر، بعد تأميم عبد الناصر لشركة قناة السويس. ودعا المؤتمر إلى تقسيم العرب مجدداً بما في ذلك (بلدان صديقة)، مثل الأردن ولبنان.

“خنجر إسرائيل”

كتاب “خنجر إسرائيل”، الذي أصدره الصحافي الهندي كارانجيا، عام 1957، يُعَدّ أول وثيقة منشورة بصورة علنية، بالنظر إلى أنها جاءت على شكل حوار مع موشي دايان. وبسبب أهمية الكتاب، قام الرئيس جمال عبد الناصر بإعداد مقدمته والتعليق عليه.

يدعو دايان، جهاراً نهاراً، إلى تقسيم البلدان العربية الأساسية عن طريق تغذية الاحتقانات الطائفية والمذهبية (مسلمين ومسيحيين، سنةً وشيعةً… إلخ).

وإذا كانت سوريا آنذاك شوكة في خاصرة “إسرائيل”، الأمر الذي يفسر دعوة دايان إلى تفجيرها وتقسيمها طائفياً، على غرار ما كانت عليه قبل الاستقلال (اتحاد كيانات طائفية)، فما الذي يفسر دعوته إلى تمزيق عدد من البلدان العربية الأخرى.

ذلك ما أجاب عنه دايان في حينه (عام 1957) من ضرورة قطع تطور أي بلد عربي نحو الوحدة والمجتمع المدني، وإعادته إلى عناصره البدائية الأولى من طوائف وعشائر.

ويتحدث عن الخطة الاستراتيجية الإسرائيلية لتمزيق الوطن العربي، كما فضحها الصحافي الهندي كارانجيا عام 1957، وأصدرها في كتاب تحت عنوان “خنجر إسرائيل”.

ومما يرويه كارانجيا بشأن هذه الخطة، أنها وُضعت بعد فشل العدوان الثلاثي – البريطاني – الفرنسي – الصهيوني على مصر عام 1956، بحيث توصلت “إسرائيل” إلى استراتيجية بديلة مركبة من عدة أهداف وآليات تدمج بين العدوان وإثارة النزعات المذهبية وتفجير البلدان العربية إلى كانتونات طائفية.

الأهداف والآليات الإسرائيلية في “خنجر إسرائيل”

أولاً: العدوان واحتلال الأرض.

ثانياً: عزل مصر عن الشرق العربي.

ثالثا: تفتيت البلدان العربية طائفياً.

يضاف إلى ذلك مصالح العواصم الأوروبية والأميركية واستراتيجياتها إزاء المنطقة العربية، بحيث ركزت الخطة الإسرائيلية بعد فشل عدوان السويس عام 1956، على تفتيت الكيانات العربية المجاورة، وتقسيم الشرق الأوسط إلى كيانات ودويلات طائفية متناحرة.

ولتقويض الوحدة العربية وبث الخلافات الدينية بين العرب، يجب اتخاذ الإجراءات منذ اللحظة الأولى من الحرب لإنشاء دول جديدة في أراضي الأقطار العربية:

1. دولة درزية (منطقة الصحراء وجبل تدمر).

2. دولة شيعية، تشمل قسماً من لبنان (أريتز أشر)، أي منطقة جبل عامل ونواحيها.

3. دولة مارونية (جبال لبنان حتى الحدود الشمالية الحالية للبنان).

4. دولة علوية (اللاذقية حتى الحدود التركية).

5. دولة كردية (شمالي العراق).

6. دولة أو منطقة ذات استقلال ذاتي للأقباط.

وستوزع الأراضي العربية (بما في ذلك المنطقة الصحراوية) بين الدول الجديدة.

استراتيجية “إسرائيل” في الثمانينيات

وهذا المخطط من وضع صحافي ودبلوماسي إسرائيلي يدعى أوديد ينون، ونشرت صحيفة Kivunim (ومعناها اتجاهات) هذا المخطط في شهر شباط/فبراير 1982، وترجمه إلى الإنكليزية البروفيسور إسرائيل شاحاك، أستاذ الكيمياء العضوية في الجامعة العبرية، ورئيس الرابطة الإسرائيلية للحقوق الإنسانية والمدنية.

يهدف هذا المخطط إلى فصل سيناء عن مصر واستعادة السيطرة الإسرائيلية عليها، وإقامة دولة قبطية في مصر في الجنوب، وسنية في الدلتا، على رغم أن مصر كانت وقعت مع “إسرائيل” معاهدة سلام عام 1979 بموجب اتفاق كامب ديفيد عام 1978. ونص المخطط أيضاً على:

1. تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات: كردية وشيعية وسنية، مركزها الأنبار.

2. تقسيم لبنان إلى دويلات طائفية في إطار كونفدرالية تحت السيطرة (سنة، موارنة، شيعة، دروز).

3. تقسيم السودان إلى ثلاث دول في الشمال والجنوب ودارفور.

4. تقسيم ليبيا إلى ثلاث دول، كما كانت في عهد الاستعمار الايطالي.

5. تقسيم اليمن إلى عدة كيانات: كيانين في الجنوب وثلاثة كيانات في الشمال.

6. تقسيم السعودية إلى عدة كيانات، كما كانت في مطلع القرن العشرين، مع تحويل مكة إلى ما يشبه الفاتيكان.

7. تقسيم الأردن إلى أقاليم مع ربطها ببعض مناطق الضفة الغربية، في إطار كونفدرالية تحت السيطرة.

8. تقسيم سوريا وإعادتها إلى ما كانت عليه في عهد الانتداب الفرنسي (كيان سني وكيان علوي وكيان درزي).

مشروع برنار لويس

أقره الكونغرس عام 1983، فلم يكن وليد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، أو اختراعاً من إدارة المحافظين الجدد، بل هو مشروع تمت دراسته بعناية فائقة حتى قبل حرب أفغانستان وسقوط الاتحاد السوفياتي!! وتحديداً عام 1980، بحيث تقدم المستشرق اليهودي الأميركي – البريطاني الأصل (برنارد لويس) بمشروع منطقة الشرق الأوسط بكاملها، بحيث يشمل تركيا وإيران وأفغانستان، إلى الكونغرس الأميركي.

وتمت الموافقة على هذا التقسيم بعد دراسته والاقتناع به والإقرار بأهميته، بحيث تناول خرائط تقسيم المنطقة بالكامل. وتمت الموافقة بالإجماع في الكونغرس عام 1983، ويقضي المشروع بتقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة طائفية يسهل التحكم فيها، وبحيث تكون في نهاية الأمر تابعة للولايات المتحدة الأميركية و”إسرائيل”، أو تدور في فلكهما.

ويُقسم العراق إلى ثلاث دويلات:

1. دويلة شيعية في الجنوب.

2. دويلة سنية في وسط العراق.

3. دويلة كردية في الشمال والشمال الشرقي (تقوم في أجزاء من الأراضي العراقية والإيرانية والسورية والتركية).

وتُقسم سوريا إلى أربع دويلات:

1. دويلة دمشق السنية.

2. دويلة حلب السنية.

3. دويلة علوية.

4. دويلة درزية (في أجزاء من الأراضي السورية واللبنانية).

ويُقسم لبنان إلى ثماني دويلات طائفية.

تقسيم مصر يشمل كانتونات للنوبة والأقباط ودويلات سنية.

سيطرة “إسرائيل” على كل فلسطين، وإعلان القدس عاصمة موحدة لها، في مقابل ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن ولبنان، ودمجهم في كونفدرالية سنية.

تقسيم السودان إلى ثلاث دويلات:

1. دويلة النوبة وعاصمتها أسوان (متكاملة مع الأراضي المصرية في جنوبي مصر).

2. دويلة الشمال السوداني الإسلامي (وعاصمتها الخرطوم).

3. دويلة الجنوب السوداني المسيحي وعاصمتها جوبا.

ويتم تقسيم المغرب العربي إلى دويلات جهوية وقبائلية.

وتقسم شبه الجزيرة العربية والخليج:

1. دويلة الإحساء الشيعية.

2. دويلة نجد السنية.

3. دويلة الحجاز السنية.

4. فاتيكان إسلامية في مكة.

وفيما يخص غربي آسيا غير العربية:

تقسيم إيران وباكستان وأفغانستان إلى عشرة كيانات عرقية ضعيفة: كردستان، أذربيجان، تركستان، عربستان، إيرانستان ما بقي من إيران بعد التقسيم، بوخونستان، بلونستان، أفغانستان، ما بقي منها بعد التقسيم: باكستان ما بقي منها بعد التقسيم، وكشمير، وانتزاع جزء من تركيا وضمه إلى الدولة الكردية المزمعة إقامتها في العراق.

وسلّم لويس المشروع إلى بريجنسكي، مستشار الأمن القومي، والذي قام بدوره ببلورته، ثم عمد إلى إشعال حرب الخليج الثانية، حتى تستطيع الولايات المتحدة تصحيح حدود “سايكس بيكو”، ليكون متسقاً مع المصالح الصهيو – أميركية. وهنا تبدأ ملامح المشروع في الظهور على أرض الواقع. 

الشرق الأوسط الإسرائيلي كما رسمه بيريز

يكمل مشروع (الشرق الأوسط الجديد) (الإسرائيلي)، ما بدأه (الإسرائيليون) من محاولات ترويض المنطقة عبر الحروب والمؤامرات وتمزيق الشرق كلّه إلى كانتونات طائفية متحاربة، ومن مشاريع اتفاقيات ومعاهدات هيمنة هنا وهناك.

ويكمل بيريز الفريق اليهودي الأميركي وتصوراته لربط تجديد الهيمنة الأميركية على العالم بتجديد الوظيفة الإقليمية الإسرائيلية، فإلى جاني بيريز (مهندس الخراب في الشرق العربي الإسلامي)، هناك برنار لويس (مهندس الانبعاث العثماني الإسلاموي)، وهناك سوروس (مهندس ربيع الفوضى الهدّامة) وغيرهم… 

وينطلق بيريز من فكرة محددة، تحيل كل شيء ابتداءً لتوفير بنية تحتية إقليمية ومنظومة أمن إقليمية، وفق التصورات الإسرائيلية، تشكّل ما يسميه قاعدة للسلام. 

ويربط ذلك بمجموعة من (الثوابت الإسرائيلية):

1. المحافظة على مبدأ وأدوات الردع، ومن ذلك كما يقول دور مفاعل (ديمونا) في حرب تشرين عام 1973 (ص 78). 

2. رفض أي عودة للاجئين الفلسطينيين، داعياً إلى حل قضيتهم في إطار كونفدرالية أردنية – فلسطينية (ص 159). 

3. تحديد أبرز الصعوبات والتحديات التي تواجه “إسرائيل” بانبعاث (الهوية القومية) عند العرب، وبالمعسكر السوري – الإيراني والفصائل الفلسطينية الملتفة حوله (ص 58). 

ويشير هنا إلى أن السوريين يتحدثون عن السلام ويذهبون إلى المفاوضات من باب المناورة وكسب الوقت.

الأفكار الأساسية: الشرق الأوسط الجديد الإسرائيلي 

– الأمن والنظام الإقليمي.

– الاقتصاد الإقليمي.

– الموانئ ومناطق التجارة الحرّة.

– طرق السكك الحديدية.

– الطرق البرية.

– التكنولوجيا الحيوية.

– قناة البحر الأحمر – الميت.

– صندوق تنمية الشرق الأوسط.

شارانسكي (ديمقراطية التفكيك)

في شهر كانون الثاني/يناير 2005، خرج ناتان شارانسكي، وزير شؤون القدس والشتات الإسرائيلي – آنذاك – عبر شاشة التلفزيون البريطاني، ليتحدث بثقة عن رؤيته ضرورة فرض الديمقراطية على منطقة الشرق الأوسط، وفق الفهم الصهيوني للوظيفية التفكيكية لهذه الديموقراطية (فيدرالية الدساتير الطائفية).

حدود الدم عام 2006

في تموز/يوليو 2006، نشرت مجلة القوات المسلحة الأميركية دراسة رالف بيترز، بعنوان (حدود الدم)، كما تريدها الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط.

وينطلق رالف بيترز مما يسميه الظلم الفادح الذي لحق بالأقليات حين تم تقسيم الشرق الاوسط في اوائل القرن العشرين (يقصد اتفاقية سايكس بيكو).

الدول المستهدفة بالتقسيم والاستقطاع هي إيران، تركيا، العراق، باكستان وسوريا، ودول ستوسع لأغراض سياسية بحتة هي: اليمن، الأردن وافغانستان.

رؤية بريجنسكي (عام 2012)

– لا تعني الثورات العربية – بحسب بريجنسكي – انحسار تأثير الولايات المتحدة في شؤون الشرق الاوسط، وإنما على العكس، سوف تعمل بقضها وقضيضها على تفتيت الدول العربية، وتأَكّل انتمائها القومي، وهي الفكرة التي طرحها مبكراً في كتابه “بين جيلين” في منتصف السبعينيات من القرن العشرين، ونهضت كالأرواح المستحضرة في مقالة، عام 2012.

– كان اول من دعا إلى تفكيك النظام الإقليمي العربي، وإعادة تشكيله على أسس عرقية وطائفية، في كتابه (رؤية استراتيجية)، بحيث كتب بريجنسكي قبل أربعة عقود: أن الشرق الاوسط – مثلاً – مكون من جماعات عرقية ودينية متعددة، يجمعها إطار إقليمي، تتحول إلى كانتونات، يجمعها إطار اقليمي (كونفدرالي)، ليخلص إلى القول إن “هذا سيسمح للكانتون الإسرائيلي بأن يعيش في المنطقة بعد أن تصفّى فكرة القومية.

– وفي 30 أيلول/سبتمبر 2013 نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” خريطة تقسم فيها بعض الدول العربية في الشرق الاوسط إلى عدة دول، بحيث تنقسم السعودية إلى 5 دول، لتصبح شمالي السعودية وجنوبي السعودية وشرقي السعودية وغربي السعودية ووسط السعودية العربية، بينما ينفصل اليمن مرة اخرى إلى قسمين، وتنشأ دولة شمالي العراق لتضم شمالي سوريا (الكرد، كردستان)، وتدمج المناطق السنية في العراق وسوريا في دولة واحدة تدعى “سنة ستان”، ودولة شيعية في جنوبي العراق، بينما تنشأ دولة جديدة غربي جنوبي سوريا تسمى “جبل الدروز”، وتنقسم ليبيا إلى “طرابلس وبرقة”، وربما “فزان”، وهي دولة ثالثة في جنوبي غربي البلاد.

المشهد الصهيوني للمنطقة عام 2015

1. بالإضافة إلى تحريك موضوع الأقباط، تقسّم مصر إلى دولتين وفق التقسيم الفرعوني القديم: مصر السفلى (شمالي مصر) ومصر العليا (بلاد النوبة).

2. ثلاث كيانات في السودان: دارفور – جنوبي السودان- وما تبقّى حول الخرطوم.

3. ثلاثة كيانات في ليبيا: برقه (إمارة على الطريقة الخليجية) وفزان وطرابلس.

4. تمزيق دول شمالي المغرب العربي بتحريك موضوع الأمازيغ عموماً، والطوارق خصوصاً.

5. تمزيق اليمن إلى ثلاثة كيانات أيضاً: جنوبي اليمن، صعده وصنعاء.

6. إعادة تشكيل الحدود والخرائط في شبه الجزيرة العربية.

7. خلط الأوراق بين العراق وسوريا (دولة كردية – دولة درزية)، ويضم إليها دروز فلسطين للتخلص من الخطر السكاني العربي على مستقبل “إسرائيل” – ترتيبات لمناطق الأنبار والموصل وحوران والبصرة – وفق الظروف الإقليمية والدولية المحيطة.

8. فيما يخص الأردن والضفة الغربية، فإن الأوساط الصهيونية المتشددة تضغط في اتجاه حلول فدرالية تربط الضفة بإقليم عمان – الزرقاء المفترض وتترك البقية لمصير الأنبار العراقية وحوران السورية وسائر السيناريوهات المشبوهة. والمهم هنا أن يتجنب الأردن الرسمي أيّ ضغوط مشبوهة تقايض أزمته المالية بأدوار إقليمية لها تداعيات خطرة، فيجب ألّا ينزلق إلى أي طرف من أطراف الصراع في كل دول الجوار ومناطقه، وأن يضع حداً لذلك.

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *