“عرين الأسود”.. صداع يزداد ألمه برأس إسرائيل.. أول عملية اغتيال منذ 20 عامًا تفتح النار على الاحتلال وتعيد فتح الصفحة السوداء.. الاغتيالات يعود من جديد والمقاومة تهدد.. هل تقدر إسرائيل على دفع الثمن؟ وما هو مصير الضفة؟

الإنتشار العربي : لا تزال إسرائيل تبحث في كل مكان عن “أسرع وأقوى وأدق” ضربة يمكن أن توجهها لمجموعة “عرين الأسود” الفلسطينية، التي خلقت خلال الأيام الأخيرة من خلال عملياتها النوعية والحساسة والبطولية ميزان قوى جديد، بعثر كافة الأوراق الأمنية في الضفة الغربية.
إسرائيل والتي تتلقى في كل ساعة ضربة أمنية جديدة أقسى من التي قبلها، على حواجزها العسكرية وشوارع مستوطناتها التي أصبحت مُستباحة أمام نيران المقاومة الفلسطينية، وجعلت الضفة والقدس مناطق أمنية عسكرية مغلقة استنفرت فيها معظم قواتها، لا تزال تتخبط مع خروج بعض الحلول للتعامل مع صداع مجموعة “عرين الأسود”.
ولعل أبرز الحلول التي تحاول إسرائيل التمسك بها بعد فشل الخيارات المواجهة المباشرة هي الاغتيالات، والتي بدأت مع الشهيد تامر الكيلاني أحد مقاومي “عرين الأسود” في مدينة نابلس شمال الضفة، من خلال زرع عبوة ناسفة بالقرب من دراجة نارية، حيث وثقت الجريمة بالصوت والصورة.
وفجر الأحد، استُشهد المقاوِم الكيلاني (33 عامًا)، عبر تفجير عبوّة ناسفة زرعها أحد عملاء الاحتلال على دراجة ناريَّة في طريق يسلكه “الكيلاني”، في وقتٍ حمّلت فيه المجموعة المقاوِمة الاحتلال المسؤولية عن جريمة الاغتيال الجبانة.
وبالرغم من عدم إعلان المستويين السياسي والأمنيّ لدى الاحتلال عن جريمة الاغتيال أو مجرّد التعليق عليها؛ إلَّا أن أصابع الاتّهام تشير إلى مسؤوليته عنها وقوفه خلفها، نظرًا إلى مسلسل اغتيالاته الطويل بالطريقة ذاته، لقادة ونشطاء في المقاومة الفلسطينية.
وتتجه أجهزة أمن الاحتلال إلى تبني إستراتيجية الاغتيالات في محاولة لمواجهة مجموعة “عرين الأسود” في نابلس، وذلك بحسب ما أفادت التقارير التي أوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، في أعقاب استشهاد الكيلاني.
العودة للاغتيالات
وأشار المحللون العسكريون في وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لبيد، ووزير أمنه، بيني غانتس، تبنيا توصيات الشاباك بتجنب المواجهة المباشرة بين قوات الاحتلال مع مقاتلي مجموعات “عرين الأسود” التي تنشط في منطقة بنابلس، حفاظا على أرواح جنود الاحتلال.
وعن أسلوب الاغتيالات، نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية، مقالاً لمراسل الشؤون العسكرية يانيف كوبوفيتس، تحدّث فيه عن خشية المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية من تعاظم مجموعة “عرين الأسود” بسبب الاغتيالات بحق عناصرها، وعن اختلافات في المؤسسة بشأن كيفية مواجهة “عرين الأسود”.
وقال “إذا كانت إسرائيل تقف بالفعل خلف مقتل الكيلاني، فإنّ هذا الاغتيال هو الأول الذي تُخرجه المؤسسة الأمنية والعسكرية إلى حيز التنفيذ في الضفة الغربية منذ أكثر من 20 سنة”.
وتابعت الصحيفة “في الأشهر الأخيرة تحوّلت منظمة “عرين الأسود”، المسؤولة عن الكثير من أعمال إطلاق النار في منطقة نابلس، إلى إحدى المشاكل المركزية لمنظمات الأمن في إسرائيل ولدى السلطة الفلسطينية، فيما هدفها المعلن هو مواجهة جنود الجيش الإسرائيلي عند دخولهم المدينة أو لدى تأمين مصلّين يهود في قبر يوسف”.
وأضافت “لغاية الآن، عناصر المنظمة كانوا يُقتلون في تبادل إطلاق نار بعد وصول قوات الأمن إلى المدينة بهدف اعتقالهم. العملية التي نُسبت لإسرائيل، استثنائية في كونها تتطلب موافقة مسبقة من المستوى السياسي، وفي المؤسسة الأمنية والعسكرية مختلفون في ما يخص طريقة العمل التي يجب اعتمادها حيال المنظمة عدّة مصادر أمنية أعربت مؤخراً عن خشية بشأن تنفيذ اغتيالات لعناصرها في الضفة، لأنّها بحسب قولها يمكن أن تؤدي إلى زيادة قوتها في الضفة وتعاظم الأسطورة حول عناصرها الذين سيُقتلون”.
ونشرت “عرين الأسود”، مقطع فيديو يوثق لحظة زرع أحد العملاء القنبلة اللاصقة على دراجة بقيت مركونة في المكان وانفجرت لحظة مرور الشهيد الكيلاني.
وأوردت “العرين” في بيان لها أن “الاحتلال الغادر وضع (للشهيد) عبوة (تي أن تي) لاصقة على طريقة اغتيال الناني جوابرة (أسامة جوابرة) رحمه الله والقذافي أبو سرية (باسم أبو سرية) رحمهم الله جميعاً”، مضيفة أن “هذا الاحتلال لا يواجه بشرف العسكرية ولا يعلم عنها شيئا ولم يدرسها ولم يدرس إلا طرق الخسة والنذاله والغدر هو ومعاونوه، إننا في مجموعة عرين الأسود نعدكم ونقسم أن نكشف تفاصيل اغتيال الشهيد تامر ونعد الاحتلال وكوخافي في ليلته الأخيرة برد قاسٍ وموجع ومؤلم”.
وقالت “عرين الأسود” عبر تلغرام: ” وبنادق العرين عطشى كصحراء النقب، فترقبوا إنا أمسينا بركاناً من غضب من فوق الأرض من تحت الأرض تابعونا فإنا نعدُّ لكم حدثاً من لهب. حاصروا كل مكان الآن وأطلقوا لطائراتكم عيونكم أعوانكم العنان”. وأضاف البيان: “فويل ثم ويل ثم ويل من حدثٍ أمنيٍ قد إقترب، وويل لكم عندما يغرّد العرين قبل بزوغ الفجر. هذا بيانٌ مقتضب. هذا بيانٌ مقتضب”.
وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية اليوم الأحد إن “قوات الاحتلال رفعت درجة الاستنفار في محيط مدينة القدس بسبب معلومات أمنية”.
من جانبه، قال مراسل إذاعة كان العبرية :إن إنذارا ساخنا ومحددا حول نوايا فلسطيني بتنفيذ هجوم، أسرعت بالجيش إلى رفع حالة التأهب بالقدس”.
بدوره أكد الناطق باسم حركة ” حماس ” عبد اللطيف القانوع، أن الاحتلال أصبح عاجزًا أمام صمود المقاومة في جنين ونابلس ومدن الضفة المحتلة والوصول إليها، لذلك لجأ الى عمليات الاغتيال الصامتة عبر عملائه.
معركة خاسرة
وقال القانوع إن “عملية الاغتيال الجبانة للشهيد تامر الكيلاني، تؤكد فشل الاحتلال في الوصول إلى المقاومة الفلسطينية وأبطال عرين الأسود في نابلس”، منوهًا بأن سياسة الاغتيال الإجرامية لا يمكن أن تكسر تصاعد المقاومة الفلسطينية في الضفة المحتلة.
ونبّه بأن “عرين الأسود” والمقاومة بالضفة المحتلة لا يمكن أن تصمت على عملية اغتيال القائد تامر الكيلاني، وستثأر للشهيد وكل الشهداء.
ولفت القانوع إلى أن ما لم يحققه الاحتلال بحصار شعفاط ونابلس وملاحقة المقاومين والاعتقالات والاغتيالات، لا يمكن أن يحققه بعملية اغتيال في جنين أو نابلس، مشددًا على أن حالة الاشتباك مستدامة لدى المقاومة والثائرين، وهذا يربك حسابات الاحتلال ويضغط عليه، ويفقده برفقة مستوطنيه الشعور بالأمن والأمان، موضحًا أن كل سياسات الاحتلال وسيناريوهاته التي استخدمها للحد من عمليات المقاومة سقطت أمام صمود المقاومة.
من جانبه رأى الكاتب والمحلل السياسي د. أسعد جودة، أن جريمة اغتيال الاحتلال المقاوم تامر الكيلاني في مدينة نابلس عبر عبوّة ناسفة؛ لن تفلح في وقف تمدّد الحالة الثورية في الضفة الفلسطينية المحتلة، مشيرًا إلى أن الاحتلال يسعى إلى إيصال رسالة بأن يده قادرة على الوصول لأي مقاتل وحيثما كان، من خلال سياسته القديمة الجديدة، المتمثلة بالعودة إلى مسلسل الاغتيالات الجسدية، عبر أداوته كالعملاء وغيرهم من الوسائط على الأرض.
واستدرك: “لكن الأمور ليست كما يتوهّم الاحتلال، إذ إن الواقع بالضفة المحتلّة ملتهب، والمقاومة ومراكزها في تمدّد واتّساع رغم تواضع الإمكانات والوسائل بأيدي المقاتلين والثائرين”، موضحًا أن “المستقبل القريب ستثبت بأن الضفة مشتبكة ومشتعلة”.
وتابع: “الضفّة ساحة الاشتباك الرئيسة مع الاحتلال، وهذا ما يؤكده سيل العمليات الفدائية التي تشهدها ردًّا على توحّشه وإجرامه المستعر”، مبيّنًا أن كل محاولاته وقف المقاومة، وخلق حالة من الهدوء فيها بالتنسيق مع السلطة، وعبر منح التسهيلات وتوفير فرص العمل في الأرض المحتلة وغيرها، باءت بالفشل الذريع”.
وتوقّع الكاتب والمحلِّل السياسي أن “تتصاعد حالة المقاومة الاشتباك والمشاغلة التي تشهدها الضفة المحتلة”، منوّهًا إلى أن “قانون الواقع والحياة ينصّ على أنه طالما هنالك احتلال فيجب أن تندلع المقاومة، وبوصلة شعبنا بالضفة اليوم نحو اتّجاهها الصحيح، وستعاد فلسطين على إثر ذلك إلى محور الاهتمام والصدارة، كقضية مركزيّة للأمة العربية والمسلمة”.
كيف تصنع الأسطورة؟
وفي ذات السياق أكد المحلل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية رون بن يشاي، خطورة مواقع التواصل الاجتماعي في إشعال الانتفاضة والثورة بوجه الاحتلال الإسرائيلي والتحريض على مقاومته من خلال ترميز الشهداء ومنفذي العمليات البطولية.
وقال بن يشاي إن “كل فلسطيني يُقتل يخلق أسطورة شهيد بطولي، تشعله مواقع التواصل الاجتماعي وتوزعه على مئات الأشخاص ويشاركه الآلاف من الشباب الغاضب، تصبح جنازته حدثًا جماهيريًا، يصبح جنبًا إلى جنب مع الهتاف على شبكات التواصل دافعًا قويًا يقود إلى تنفيذ عمليات”.
وأشار إلى حالة خوف في (إسرائيل) بدأت بالفعل، والعمليات القادمة من جماعة “عرين الأسود” في نابلس وأزقة مخيم جنين للاجئين ستكون بمثابة إلهام ومصدر تقليد في مناطق أخرى من الضفة الغربية والقدس المحتلتين.
وكانت إذاعة جيش الاحتلال “الإسرائيلي”، زعمت مؤخرا أنّ مواقع التواصل الاجتماعي أغلقت حسابات مجموعات “عرين الأسود”، وذلك بناءً على طلب الاحتلال، لكن “عرين الأسود” نفت هذه المزاعم، وهي لا تملك سوى حساب على قناة تيلجرام، الذي رفضت إدارة التطبيق طلب الاحتلال إغلاقه، ووصل عدد المتابعين للحساب ما يقارب 200 ألف متابع، خاصة بعد حملة أطلقها نشطاء فلسطينيون لدعم الحساب.
ورأى بن يشاي أنه يمكن الافتراض أن اغتيال القائد في عرين الأسود تامر الكيلاني، هو بالفعل جزء من التكتيكات العملياتية الجديدة المستخدمة في أعقاب التوجيهات التي وافق عليها مجلس وزراء حكومة الاحتلال، لافتا إلى أن الهدف هو قمع موجة العمليات بحزم، ولكن بطريقة تمنع انتفاضة عامة في الضفة الغربية.
واعتبر أن الحاجة تزداد إلى تقوية السلطة الفلسطينية وأجهزتها، “لأنهم في إسرائيل قلقون، ليس فقط من موجة العمليات التي ينتجها “العصيان” في نابلس وجنين، بل من خطر استمرار العملية على الحكومة في رام الله، والتي يمكن أن تضعف، ثم تنهار فيما بعد”.
وقال: “في الآونة الأخيرة، تعمق ضعف السلطة وأجهزتها على خلفية صراعات الخلافة التي كان من المفترض أن تبدأ فقط بعد خروج أبو مازن من المشهد، لكنها بدأت بالفعل”.
وتابع أن “إسرائيل تفضل أن تسيطر السلطة على مجموعة “عرين الأسود، بأساليبها التي تجمع بين الإقناع والإغراء (إلى جانب الانضمام إلى الأجهزة الأمنية والرواتب)، وأحيانًا القوة الجسدية الوحشية أيضًا”.
وبين أن “هذا التفضيل لا ينبع فقط من الرغبة في تجنب الخسائر لقواتنا، ولكن أيضًا لإعطاء السلطة الفلسطينية فرصة لاستعادة السيطرة على نابلس، وهذا هو السبب في أن الجيش يتجنب هذه الأيام دخول المدينة بقوات كبيرة ويكتفي بإغلاق المدينة من الخارج”.