صفقة غاز “اسرائيلية” لمصر بـ 35 مليار دولار.. والأردن وتركيا تتصدران قائمة الدول التي تزود مستوطني إسرائيل بالخضار والفاكهة وأطفال غزة يستشهدون جوعا وبرصاص “الشريك” الصهيوني.. ماذا نقول؟

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان
التقت السلطات في كل من مصر والأردن على أرضية الشكوى من تعرضهما لحملات انتقاد شرسة على وسائل التواصل الاجتماعي تتهمهما بالتواطؤ، بشكل مباشر او غير مباشر، مع حرب الإبادة والتجويع التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وتضاعفت حدة هذه الشكوى بعد الخطاب الشهير القوي الذي القاه المجاهد خليل الحية رئيس حركة حماس في قطاع غزة الذي سمى الدولتين بالاسم، وطالب شعبيهما بكسر الحصار التجويعي على القطاع من قبل دولة الاحتلال وعدم تحرك حكومتي البلدين باعتبارهما يملكان حدودا ومعابر مع دولة الاحتلال، في ظل تصاعد الوفيات بين الأطفال والمسنين جوعا، او بالرصاص امام مراكز توزيع المساعدات الغذائية التي تخضع لإشراف شركات تابعة للولايات المتحدة ودولة الاحتلال.
السلطات الاردنية ادانت ما أسمته حملة الاستهداف الظالمة ضد بلادها، وحصلت على إذن من دولة الاحتلال لإرسال طائرات لانزال أغذية على القطاع، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، اما مصر فردت على “الحملة الإعلامية” التي اعتبرت انها تستهدفها بالقول ان معبر رفح لم يغلق مطلقا من الجانب المصري، مما يعفي مصر من أي لوم.
تطوران مهمان حدثا اليوم الخميس، يتضمنان معلومات وأرقام موثقة تؤكد تهمة تواطؤ البلدين، مع الحصار وحملة التجويع التي أدت الى استشهاد اكثر من 61 الفا واصابة 200 الف آخرين، بينهم المئات من اطفال في القطاع بسبب الجوع، وتحول من بقي منهم الى هياكل عظمية، والصور التي ملأت منابر التواصل الاجتماعي، وشاشات التلفزة العالمية لا تكذب.
الأول: اعلان شركة “نيوميد انرجي” الإسرائيلية اليوم الخميس توقيع اتفاقية جديدة لتصدير الغاز الى مصر بقيمة 35 مليار دولار، وقالت صحيفة “معاريف” ان الشركة المذكورة التابعة لمجموعة “دوليك” التي يملكها رجل الاعمال الإسرائيلي إسحق تشوفا أعلنت توقيع اتفاقية جديدة لتصدير الغاز الى مصر من حقل “ليفيا ثان” المسروق بقيمة غير مسبوقة تصل الى 35 مليار دولار وتعتبر أكبر صفقة غاز في تاريخ “إسرائيل”.
الثاني: اكدت بيانات وزارة الزراعة الإسرائيلية التي تظهر قائمة الدول التي واصلت تصدير الخضار والفاكهة الى “إسرائيل” منذ بدء العدوان على غزة، ان شركات من الأردن وتركيا تحتل المرتبتين الأولى والثانية كأكبر الشركات تصديرا في هذا المضمار، وتقوم بتعويض منتوجات مستوطنات غلاف قطاع غزة التي توقفت بسبب طوفان الأقصى في السابع من تشرين اول (أكتوبر) 2023.
اما صحيفة “زمان” التركية التي تعتبر واحدة من أكثر الصحف توزيعا ومصداقية في البلاد فقالت في تقرير لها تم نشره يوم امس الأول ان تركيا تحتل “خامس” اكبر دولة مصدرة للبضائع الى “إسرائيل” عام 2024 حيث بلغت قيمة هذه الصادرات حوالي 2.8 مليار دولار.
السلطتان الأردنية والتركية ينتميان الى شيخ واحد فيما يبدو، فقد غسلا ايديهما من هذه الخطيئة بالإعلان ان هذه التجارة تدار من قبل القطاع الخاص ولا تعكس سياسة الدولة مباشرة، مما يعكس تناقضا كبيرا بين الخطاب الرسمي والممارسات الميدانية، ولنا في تصريحات الرئيس اردوغان النارية افضل مثل.
تزويد دولة الاحتلال بكل احتياجاتها من الطعام والوقود (الغاز) في وقت أدت حرب الإبادة لقتل 61 الف شهيد على مدى الاثنين والعشرين شهرا الماضية من العدوان على قطاع غزة اكثر من ثلاثة ارباعهم من الأطفال والنساء، وعدم إتخاذ أي خطوات عملية لكسر الحصار ووقف حرب التجويع والابادة أمر مدان ويشكل وصمة عار، نقولها انطلاقا من المسؤولية الأخلاقية والمهنية والإنسانية، ودون أي تردد.
دول عديدة غير عربية، وغير مسلمة، قطعت علاقاتها التجارية، وأغلقت السفارات الإسرائيلية فيها احتجاجا “عمليا”، وليس كلاميا على حرب الإبادة والتجويع هذه، بينما شاحنات الغذاء تتدفق على “إسرائيل” ولم تتوقف دقيقة واحدة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، ولم تطرد أيا من الدول العربية الست المطبعة مع الاحتلال حارسا واحدا، ولا نقول سفيرا واحدا في السفارات الإسرائيلية في عواصمها.
لا نريد ان ترسلوا جيوشكم، ولا طائراتكم، ولا صواريخكم ومسيرّاتكم واساطيلكم، نطالبكم فقط بوقف تغذيتهم بالخضار والفاكهة الطازجة بينما أهلنا في القطاع وأطفالهم يموتون جوعا، وبرصاص الجنود الإسرائيليين، امام مراكز توزيع الطعام، المسموم والملوث بالمخدرات، مثلما نطالبكم أيضا بعدم شراء غازهم الفلسطيني المسروق، فمن ماذا يشكو الغاز القطري او الجزائري، او الإيراني، او حتى الروسي؟
ندرك جيدا انكم لن تفعلوا شيئا، ولن تتحركوا لإنقاذ أهلنا، واهلكم، في قطاع غزة من الجوع والعطش، والرصاص، وستستمرون بدعم الاقتصاد الإسرائيلي بعشرات المليارات، وتزويده بكل احتياجاته من الطعام، وحسبنا الله ونعم الوكيل.