بوتين يُعلن استراتيجية جديدة للسياسة الخارجية لروسيا تُقدّم الولايات المتحدة والغرب على أنهما مصدر “تهديدات وجودية” لموسكو ونهج خاص لمُكافحة “الروسوفوبيا” وتطوير الشراكة مع إيران وتركيا والسعودية ومصر ودعم سوريا

 بوتين يُعلن استراتيجية جديدة للسياسة الخارجية لروسيا تُقدّم الولايات المتحدة والغرب على أنهما مصدر “تهديدات وجودية” لموسكو ونهج خاص لمُكافحة “الروسوفوبيا” وتطوير الشراكة مع إيران وتركيا والسعودية ومصر ودعم سوريا

الإنتشار العربي : حلّت “الحرب الهجينة” محل الحرب الباردة بعدما تبنت روسيا الجمعة عقيدة جديدة في السياسة الخارجية تصنف الغرب على أنه “تهديد وجودي” لموسكو ينبغي أن تحارب “هيمنته”.
ويؤكد تبني هذه الاستراتيجية الجديدة الانقسام العميق القائم بين روسيا والدول الغربية منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، والذي دفع حلف شمال الأطلسي إلى رص صفوفه مع تحول موسكو إلى الصين.
في وثيقة جاءت في أكثر من 40 صفحة تذكر بمضمونها ولهجتها بحقبة المواجهة بين الاتحاد السوفياتي وأميركا في القرن الماضي، تطرح روسيا نفسها حصنًا للعالم الناطق بالروسية ضد الغربيين المتهمين بأنهم يريدون “إضعافه بشتى الطرق”.
خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، برر الرئيس فلاديمير بوتين هذه التغييرات ب”الاضطرابات على الساحة الدولية” التي تلزم روسيا ب “تكييف وثائقها للتخطيط الاستراتيجي”.
تكشف العقيدة الجديدة “الطبيعة الوجودية للتهديدات (…) الناتجة من اعمال الدول غير الصديقة”. وتصف الولايات المتحدة بأنها “المحرض والقائد الرئيسي للخط المعادي لروسيا” كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وأضاف “بشكل عام توصف سياسة الغرب المتمثلة في إضعاف روسيا بأي وسيلة بأنها نوع جديد من الحرب الهجينة”.
تحدد عقيدة السياسة الخارجية الأولويات التي تعطيها الدول لنفسها في الشؤون الدولية، ولمعرفة الطريقة التي تنظر بها الدول المعنية إلى علاقاتها مع العالم.
في هذه الحالة، فان الوثيقة الجديدة التي تحل مكان نسخة يعود تاريخها إلى عام 2016 ونشرت على موقع الكرملين، لا توارب.
وجاء في الوثيقة أن “روسيا تعتزم إعطاء الأولوية للقضاء على آثار هيمنة الولايات المتحدة والدول المعادية الأخرى في القضايا العالمية”.
– التحول نحو آسيا –
فرضت واشنطن وحلفاؤها عقوبات اقتصادية شديدة على موسكو التي تتهمهم بشن حرب بالوكالة في أوكرانيا لا سيما من خلال تسليم كييف أسلحة.
في غمرة عزلتها في الغرب، تسعى روسيا إلى التقارب اقتصاديا ودبلوماسيا مع آسيا ولا سيما الصين، وهي أولوية حيوية تنعكس في العقيدة الجديدة.
وجاء في الوثيقة، في الفصل المخصص للصين والهند أن “التعميق الشامل للعلاقات والتنسيق مع المراكز العالمية للنفوذ والتنمية السيادية الصديقة في القارة الأوراسية له أهمية خاصة”.
أظهر بوتين قربه من نظيره الصيني شي جينبينغ خلال القمة التي عُقدت في موسكو في وقت سابق من آذار/مارس، مشيرا إلى “الطبيعة الخاصة” للعلاقات بين بلديهما والتي يبدو انها تصب اكثر واكثر في مصلحة بكين لان اعتماد موسكو عليها يزداد.
كما تولي العقيدة الروسية الجديدة مكانة مهمة للعلاقات مع الدول الافريقية في حين تسعى موسكو لتعزيز وجودها في افريقيا لا سيما من خلال مجموعة فاغنر العسكرية.
وفي اطار النزاع في اوكرانيا حيث تؤكد موسكو انها تسعى لمنع التجاوزات بحق السكان الناطقين بالروسية، تصف الوثيقة الجديدة روسيا بانها “حضارة” تضم الشعوب التي تشكل “العالم الروسي”.
في الوقت الذي يقدم فيه بوتين نفسه على أنه بطل “القيم التقليدية” للكنيسة الأرثوذكسية في مواجهة الغرب “المنحط”، فإن العقيدة الجديدة تتطرق أيضا الى المجال الأخلاقي.
وجاء ايضا في الوثيقة انه “لا بد من تحييد محاولات فرض المبادئ الإيديولوجية الإنسانية الزائفة والنيوليبرالية التي تؤدي إلى فقدان الروحانية التقليدية والمبادئ الأخلاقية”.
وأوضح الموقع أن القضاء على “أساسيات الهيمنة” من جانب الولايات المتحدة والدول الأخرى غير الصديقة في الشؤون الدولية، سيكون إحدى أولويات روسيا.
وشملت وثيقة السياسة الخارجية الجديدة لموسكو، أن الأخيرة ستعامل جميع الدول “بالمثل”، وأن البلاد من حقها استخدام الجيش “لصد ومنع أي هجوم مسلح ضدها أو ضد أي من حلفائها”.
وفي السياق، أعلنت السياسة الجديدة عن نهج خاص لمكافحة “الروسوفوبيا” (رهاب الروس).
وذكرت الوثيقة أن مكافحة الروسوفوبيا في مختلف المجالات “ستكون من أولويات السياسة الإنسانية لروسيا في الخارج”.
وفي السياق، لفتت موسكو خلال وثيقة إلى رؤيتها من أجل تشكيل نظام عالمي “يوفر أمنا موثوقا به، ويضمن تكافؤ الفرص بالنسبة للجميع”.
تعتزم روسيا الاتحادية استنادا للمفهوم الجديد للسياسة الخارجية توجيه أولوية اهتمامها لتطوير الشراكة مع العالم الاسلامي ومكافحة كراهية الاسلام.
وينص المفهوم الجديد للسياسة الخارجية لروسيا الاتحادية، الذي تمت الموافقة عليه يوم الجمعة بمرسوم من الرئيس فلاديمير بوتين: “تعتزم روسيا الاتحادية توجيه أولوية اهتمامها إلى: تطوير التعاون الشامل والقائم على الثقة مع جمهورية إيران الإسلامية، والدعم الشامل للجمهورية العربية السورية، فضلا عن تعميق شراكة متعددة الجوانب وذات منفعة متبادلة مع جمهورية تركيا والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية وغيرها من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، مع مراعاة درجة سيادتها ومواقفها البناءة في سياستها تجاه روسيا الاتحادية”.
ويؤكد المفهوم الجديد على تزايد الحاجة لشركاء موثوقين لضمان الأمن والاستقرار وحل المشكلات الاقتصادية على المستويين العالمي والإقليمي وهذه الدول هي دول الحضارة الاسلامية الصديقة. هذه الدول في ظل عالم متعدد الأقطاب ستجد أمامها آفاقا واسعة لتصبح مركزا مستقلا للتنمية العالمية”. في هذا الصدد، تسعى روسيا الاتحادية لتعزيز التعاون الشامل متبادل المنفعة مع دول منظمة التعاون الإسلامي على أساس احترام بناها الاجتماعية والسياسية والقيم الروحية والأخلاقية التقليدية التي تؤمن بها”.

كما تنص الوثيقة على أن موسكو: ستولي اهتماما لتشكيل بنية شاملة مستدامة للأمن والتعاون الإقليميين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أساس توحيد إمكانات جميع الدول والاتحادات القائمة بين دول المنطقة، بما في ذلك جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية”.
وجاء في النص: يعتزم الجانب الروسي التعاون بنشاط مع جميع الأطراف المعنية من أجل تنفيذ مقترحات روسيا الاتحادية لضمان الأمن الجماعي في منطقة الخليج العربي. وتعتبر موسكو تنفيذ هذه المبادرة خطوة مهمة نحو تطبيع مستدام وشامل للوضع في منطقة الشرق الأوسط”.
ويشير النص إلى أن روسيا الاتحادية تسعى لتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، فضلا عن الإسهام في توطيد الجهود الرامية لحماية القيم التقليدية ومكافحة كراهية الإسلام.
وستهتم موسكو بتخفيف التناقضات بين دول منظمة التعاون الإسلامي وبين جيرانها، وكذلك المساهمة في تسوية النزاعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوبها، وجنوب شرق آسيا.
بالإضافة لذلك، ترى روسيا الاتحادية الحاجة إلى استخدام الإمكانات الاقتصادية لبلدان المنطقة “من أجل تشكيل شراكة أوروبية آسيوية كبيرة.”
ويؤكد المفهوم على أن روسيا ستولي أيضا اهتماما خاصا للتحسين التدريجي والمستدام للنظام القانوني الدولي.
من جهته، اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن السياسة الخارجية الجديدة لروسيا في المرحلة المقبلة، “تعكس واقعا سياسيا جديدا، ومتغيرات جيوسياسية، وتطورات ثورية في العالم”.
وقال في كلمة أمام أعضاء مجلس الأمن الروسي، إن التوتر والتهديدات التي يعيشها العالم تأتي “نتيجة لتصرفات الدول غير الصديقة”.
وأكد أنه بموجب المفهوم الجديد للسياسة الخارجية “سيكون بإمكان روسيا اتخاذ إجراءات مماثلة أو غير مماثلة، ردا على الإجراءات غير الودية ضدها”.

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *