بعد الانتصار الكروي: انه المغرب.. واذا كنت في المغرب فلا تستغرب.. هذه هي البداية.. والمفاجأت قادمة
الإنتشار العربي :د. محمد نوري
ليس ثمة أدنى شك في أن الدول في منافسة مستديمة على الساحة الدولية لتحقيق مصالحها الوطنية، أحيانا في شكل منظم وفق أحكام السياسة والأعراف الدولية، وأحيانا أخرى بطريقة شرسة، لا رحمة فيها ولا شفقة، يتم فيها استنفار جميع أنواع العنف.
وبالفعل، ثمة طريقان ممكنان لتحصيل هذه المصالح:
1-من خلال ما يسمى في أدبيات السياسة والقانون الدولي بالقوة الصلبة Hard Power ، أي قدرة دولة ما على التأثير في محيطها الإقليمي أو الدولي بفضل نفوذها العسكري أو الاقتصادي أو كليهما.
2-عبر القوة الناعمة Soft power، ويتعلق الأمر بمفهوم لجوزيف ناي ظهر في السبعينات من القرن الماضي يقول بأن الدول ليست الفاعل الحصري في النظام الدولي وتوازنات القوة بل هناك أيضا دور متعاظم للمجتمع المدني ووسائل الإعلام والشخصيات الفذة المعروفة عالميا والرياضة والثقافة في تغيير الرؤى ووجهات النظر حول هذا البلد، تلك الفكرة أو الظاهرة.
بفضل هذه القوة الناعمة والتي تسمى أيضا سياسة أو دبلوماسية الإشعاع، يمكن لبلد محدود أو منعدم الإمكانيات على مستوى القوة الصلبة، إما لصغر مساحته الجغرافية، أو قلة عدد سكانه، أو ضعف قوته العسكرية-الاقتصادية، أن يتدارك ذلك ويتبوأ مكانة رفيعة بين الدول، وهي ما جعلت اسم دولة قطر اليوم، البلد المنظم لكاس العالم في كرة القدم، الحدث الأكثر مشاهدة وتتبعا في العالم، يتردد على لسان كل الناس باختلاف مِللهم ونِحلهم.
نعم، بفضل تنظيم كأس العالم، وقنوات الجزيرة و بيين سبورت ورافعات أخرى لهذه القوة الناعمة، استطاع هذا البلد الصغير الذي لا يتجاوز عدد سكانه ثلاثة ملايين نسمة من بينهم ثلاث مائة ألف قطري فقط أن يحظى بصورة تحسده عليها دول عظمى لم تحسن تطوير آليات هذه القوة الناعمة.
إن نحن عكسنا هذا المنظور على المغرب، بلد بمقومات عادية جدا على مستوى القوة الصلبة، من المؤكد أن تأهله إلى نصف نهاية كأس العالم في كرة القدم بعد إطاحته بدول تحتل مركز الصدارة في ترتيب الفيفا مثل بلجيكا وإسبانيا والبرتغال سيكون له انعكاسات جيوسياسية وجسواستراتيجية في غاية الأهمية بالنسبة لصورته على المستوى الدولي.
إن تبوأ اسم المغرب وصورة فريقه الوطني الصفحات الأولى لأهم الجرائد والمجلات العالمية وارتباط اسمه بالعمل والمثابرة والأخلاق الحميدة والبر بالوالدين وتحقيق المعجزات ربح لا يقدر بثمن وسينعكس ذلك حتما على السياحة والاستثمار الأجنبي وتحسُّن صورته في العالم برُمّته. وبالفعل، فإن أنصار المغرب اليوم يعدون بالملايير، إذ يشجعه كل الأفارقة، كل العرب والمسلمين ومئات الملايين من المواطنين باختلاف عظمة لسانهم، وفي شبه معجزة، يشجعه الفلسطينيون كما الإسرائليون…
إنه المغرب، وما دمت في المغرب ومع المغرب فلا تستغرب كما يقال…
بفضل إنجازاته الرائعة، لم يُبرهن المنتخب المغربي فقط بأنه “لا شيءَ مستحيل” Nothing is imposible كما خبِرنا وردَّدنا حتى الثمالة، بل أيضا، وكما لو أنه يعطي الحق لإشهار مُجدِّد ألفته عيوننا في كأس العالم خاصٍّ بماركة أحذية رياضية معروفة يقول بأن “المستحيل لاشيء”Impossible is nothing ، أي أنه بإمكان التعامل معه بلا مبالاة ونِدِّية.
في كلمته بمناسبة تسلُّمه جائزةَ كرة القدم الذهبية، صرح كريم بنزيمة بأن الجائزة هي جائزة الشعب، أي جائزة كل الناس العادية التي تعمل بجد وإخلاص، جائزة الكفاءة والاستحقاق وكفى !
بفضل ناخب وطني أريب، في كلامه لبيب وفي أحاسيسه النبيلة صادق حبيب، لم يمض على استلامه لمقاليد المنتخب سوى شهران، ومجموعة من الشباب البهيجين الذين يَبدون كشخوص خارجين من حكايات علاء الدين والفانوس السحري، ينحدر معظمهم من أسر هاجرت إلى الديار الأوروبية للعمل والكفاح من أجل مستقبل أفضل لأبناءها لكن دون أن تنسى زرع حب الوطن في أفئدتهم، استطاع الفريق الوطني أن يؤكد ما قاله كريم ويتماهى مع مكنونات وطلاسم ما وراء سطوره.
أكيد أن المغرب استثمر منذ عقد ونصف وما يزال في تطوير البنيات التحتية والتكوين في مجال كرة القدم، لكن الاستمرار في التَّعويل على الناخب الأجنبي لم يفتأ في التأكيد على ما قاله جون بول سارتر بأن الثقة تُربح بالقطرات وتُخسر بالليترات.
لذلك، نقول ونؤكد على أن الأداء المذهل للمنتخب الوطني المغربي هو نتاج حصري للثقة التي تم وضعها في العنصر البشري الوطني، في ناخب استطاع بتواضع وسخاء ومحبة ودهاء أن يستخرج أجمل ما في هذه النخبة من الشباب التي أحيت الأمل في نفوس المغاربة وجعلت بلادهم أو وطنهم الأم يحظى بكل هذا الزخم الهائل من الود والإعجاب والتضامن، كما أعادت البريق إلى عيون وأرواح الشعوب العربية والإفريقية وكافة الناس الكفؤة “بس الغلابة” التي تعمل في صمت وتنتظر أن تمنح لها الفرصة لتستفيد بلدانها من طاقاتها الهائلة.
حبذا لو تستفيد دولنا وحكوماتنا العربية والإفريقية من هذا الدرس البليغ…
“لاشيء مستحيل” بحول الله وأول الغيث قطرة كما يقال والنفوس كالنباتات، تشرئب بأعناقها باحثة عن الشمس والحنان والثقة.
لا يهم هل سيتأهل المغرب للدور الموالي أم لا، لا يهم إن فاز بكأس العالم أم لم يفز…
لكني أرى العالَم جُلَه يمسك بتلابيبي ويصيح في وجهي: ولم لا يا صديقي؟ وأسمع كل القلوب الصادقة تلهج بالدعاء وكل الأكف المتعرِّقة تمتد للسماء في دعاء جماعي: كم نحبك يا مغرب، كم نحبك أيتها القوة الناعمة!
كاتب مغربي