اكتبوا على قبري ان شئتم مات خشبيا
كمال خلف
اليوم في هذا الزمن العربي الرديء الأغبر، عندما تطرح أفكار وقضايا عن الامة، عن الرابطة القومية، عن تحرير الأرض، عن هزيمة الاحتلال، عن انتصار الإرادة، عن الصمود.. الخ من هذه المفاهيم تجد نفسك امام مواجهة مع أبناء جلدتك او مع جزء من الراي العام، يدفع نحوك مقولات عن الواقعية والامر الواقع، يتهمك بالعيش في الأوهام والماضي، قد يهزأ بك البعض ناعتا اياك بالقادم من العصر الحجري، فعن أي امة تتحدث يا هذا؟، والدول العربية تذهب الى الانغلاق على ذاتها ومشاكلها، وتتجه نحو العصبية والطائفية والمذهبية في البلد الواحد عن أي تحرير وانتصارات تبشر وإسرائيل تعربد في المنطقة ويتهافت عليها العرب للصلح والتحالف، عن أي صمود، والانسان العربي في سورية ولبنان وغزة والسودان والعراق وغيرها يعاني من الجوع، وتوحش الفساد، وانعدام الامل، قد تبدو تلك ردود مفحمة ولاجمة، يشعر مطلقها بالانتصار والغلبة عليك، وتشعر انت بأنك غريب وربما غبي، او من زمن مضى لن يعود.
باعتقادي ان الامة أصيبت في خطابها وأداء نخبها السياسية الحاكمة بلعنة هزيمة حزيران عام 76، منذ التاريخ حتى اليوم سيطرت علينا روح الهزيمة وخطاب الإحباط، ولغة اللامبالاة، وحكمت حتى الخيارات السياسية للعرب من لحظة توقيع كامب ديفيد بين السادات وإسرائيل مطلع السبعينات… حتى اتفاقات ابرهام مع الامارات والبحرين قبل عامين.
عندما تطرح امام الراي العام العربي أفكارا من قبيل ان فلسطين هي الجزء الجنوبي من سورية، ولبنان امتداد طبيعي لسورية الكبرى، وان شعوب هذه المنطقة هي شعب واحد، سيطلع من يقول لك ” انت من أي زمن قادم “، هذا كلام خشبي “هذه اضغاث أحلام” هذه اساطير الاولين ” قومجيون”.
كيف يا أمتي يكون خط مستقيم رسمته يد اجنبي في لحظة عابرة من التاريخ في قلب بلد واحد هي الحقيقة المطلقة، وهي الواقعية والموضوعية والتفكير الحداثي؟ بينما تكون حقائق التاريخ بكل مراحله، ووحدة الدم وصلة العائلات وحقائق الجغرافية، وتفاصيل الفاجعة بالتقسيم المذل، هي الوهم والخيال؟ لقد جرى فصلنا قهرا، فكيف يكون هذا القهر اوطانا وواقعا ندافع عنه؟ هل باتت الرابطة القومية والدفاع عنها شتيمة؟ وماضوية؟ ومن عصور حجرية؟ بينما تجهد الأمم اليوم في الدفاع عن هذه الرابطة، بل واليهود خلقوها من اجل إقامة دولة لهم على ارضنا؟
عندما نقول او نكتب اننا نواجه وننتصر، ونهزم إسرائيل، يأتيك من يعلق. عن أي انتصار تتحدث وإسرائيل تحتل القدس وتقصف غزة، وتنكل بالضفة، وتعتدي على سورية، وتغتال في ايران، وتتحرش بلبنان؟ ويضيف اخر ” يا أخي إسرائيل تقصفكم وانتم لا تردون؟ ويعلق اخر انتم “أدوات بيد ايران”.. “انتم مجوس”، “عنتريات وشعارات… الخ”.
نعم نواجه إسرائيل وبشجاعة، لقد اسقطنا اتفاق 17 أيار عام 1982، بينما سلم كل العالم باحتلال إسرائيل لبيروت. اسقطنا اخطر اتفاق مع إسرائيل بعد كامب ديفيد، بالدم والدموع والشهداء والجرحى، واخرجنا الجيش الإسرائيلي مدحورا مناديا ” يا أهالي بيروت لا تطلقوا النار نحن مغادرون”. لقد حررت المقاومة جنوب لبنان عام 2000، وهرب الإسرائيلي مغادرا. وهزمت المقاومة” الجيش الذي لايقهر” في حرب عام 2006. واسقطت مشروع الشرق الأوسط الجديد. هل هذه أوهام؟ ام حقائق عشناها.
وحررت المقاومة الفلسطينية قطاع غزة، وثبتت معادلة ردع عبر تدفيع إسرائيل الثمن مع كل عدوان تشنه على غزة، بل وامتدت المعادلة الى القدس والضفة. حتي باتت بعض النخب الإسرائيلية تتحدث عن النهاية والزوال. هل هذه شعارات وعنتريات؟ ام حقائق.
لقد اسقط حلف المقاومة المشروع الأمريكي الغربي في سورية عام 2011، برغم كل الإمكانات الهائلة، وكل المليارات، وكل الدعاية المرافقة وكل الضغط السياسي. وهزم مشروع انشاء دولة داعش الإرهابية في قلب سورية والعراق ولبنان. هل هذا حدث بالشعارات؟ ام بالدم. اذا كنا نحن أبناء فلسطين، والعراق، ولبنان، وسورية، الجزائر، واليمن.. مجوس، فمن هم العرب الاقحاح؟ اننا أبناء هذه الأرض، وندافع عن هذه الأرض، ونقاوم عدو امتنا العربية. والمعركة ما تزال مستمرة، سندفع اثمانا، ولكن لن نستسلم وسننتصر. هذه قناعتنا حتى نلقى الله بقلب سليم، وهذا نهجنا وان قلتم عنا خشبيون وقومجيون ومغامرون واغبياء. ولو استهزأتم بفقرنا، وتفاخرتم بحياة ترفكم، فان الدنيا ليست سوى متاع الغرور. وكلنا الى الله لعائدون. سأظل أقول اننا أبناء امة واحدة، ونحن شعب واحد، وهذه الحدود مصطنعة ولابد من ازالتها والمقاومة تحقق انتصارات لمصلحة هذه الامة وشعوبها، والصمود رغم المعناة هو الطريق لهزيمة العدو، وان الاحتلال الى زوال، وفلسطين ستحرر من البحر الى النهر. قولوا عني، ماضوي، قومجي، عنتري، شعاراتي، حجري، غير واقعي، غبي، حالم، نائم. تالله ما ضرني هذا التيار الجارف السائد، وما يدفعني الا للسباحة عكسه، حتى نهاية العمر، وان مت اكتبوا على قبري ان شئتم مات خشبيا.
كاتب واعلامي