إسرائيل تهاجم المقرّرة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي لكشفها تفاصيل حرب الإبادة في غزة

 إسرائيل تهاجم المقرّرة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي لكشفها تفاصيل حرب الإبادة في غزة

واشنطن- سعيد عريقات

شهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء ، مواجهة حادة بين سفير إسرائيل في الأمم المتحدة ، والمقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيزي، بعد أن قدّمت الأخيرة تقريرها الأخير حول ما وصفته بـ”تواطؤ دولٍ ثالثة في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة”.

واختالا السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون،  المعروف بعدم لياقته الدبلوماسية، واستخدامه لعبارات شبه بذيئة لوصف الفلسطينيين وكل من ينتقد إسرائيل، اختار الردّ على ألبانيزي بلغة هجومية خرجت عن الحد الأدنى للأعراف الدبلوماسية، واصفًا إياها بـ”الساحرة” ومتهماً إياها بأنها تحاول “لعن إسرائيل بالأكاذيب والكراهية”. وقال دانون أمام الحضور: “كل صفحة من تقريرك تعويذة فارغة، وكل اتهام هو تعويذة لا تجدي نفعاً لأنكِ ساحرة فاشلة”. هذا الهجوم اللفظي أثار استغراب المراقبين، خصوصاً أنه جاء بديلاً عن الردّ الموضوعي على الاتهامات الواردة في التقرير.

ألبانيزي بدورها، ردّت بهدوء واتزان، معتبرة أن تصريحات السفير الإسرائيلي تعبّر عن عجز بلاده عن مواجهة الحقائق. وقالت: “من الغريب أن دولة متهمة بارتكاب إبادة جماعية لا تستطيع الرد على جوهر استنتاجاتي، وتلجأ بدلاً من ذلك إلى اتهامي بالسحر”. وأضافت بسخرية لاذعة: “لو كنت أمتلك قوة السحر فعلاً، لاستخدمتها لوقف جرائمكم، لا للانتقام منكم”.

يشار إلى أن تقرير ألبانيزي، الذي حمل عنوان “إبادة غزة: جريمة جماعية”, يوجّه اتهامات صريحة لأكثر من ستين دولة، بينها الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية، بالمشاركة في تمكين إسرائيل من ارتكاب جريمة الإبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، من خلال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي المستمر. وأكدت المقرّرة أن “القانون الدولي واضح: لا يجوز لأي دولة أن تساعد أخرى على ارتكاب جرائم دولية”، داعيةً إلى تعليق العلاقات العسكرية والتجارية مع إسرائيل والضغط من أجل وقف دائم لإطلاق النار.

ولأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فرضت عقوبات أميركية مطلع هذا العام، لم تتمكن ألبانيزي من السفر إلى نيويورك، وقدّمت تقريرها من كيب تاون في جنوب إفريقيا، الدولة التي تقود الدعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. هذا التفصيل أضفى رمزية إضافية على ظهورها، إذ بدا أن كيب تاون، بذاكرتها التاريخية عن مقاومة الفصل العنصري، أصبحت منصة بديلة للصوت الأممي المطالب بالعدالة.

الهجوم الإسرائيلي على ألبانيزي لا يمكن قراءته بمعزل عن نمطٍ أوسع من محاولات تل أبيب المستمرة لتقويض الأصوات الدولية التي تتهمها بارتكاب جرائم حرب أو بفصل عنصري. فبدلاً من تفنيد الأدلة والوقائع، تعتمد إسرائيل على إستراتيجية تقوم على نزع المصداقية الشخصية عن المنتقدين وتحويل النقاش من جوهر المساءلة القانونية إلى جدلٍ عاطفي أو شخصي. وبذلك، تسعى إلى تحويل الأنظار عن الأسئلة الجوهرية المتعلقة بمسؤوليتها القانونية والأخلاقية عمّا يحدث في غزة.

ويقول مراقبون إن الهجوم على ألبانيزي يحمل أيضاً رسالة ردع موجّهة إلى بقية مسؤولي الأمم المتحدة، مفادها أن من يتجرأ على توثيق الانتهاكات الإسرائيلية قد يتعرض لحملات تشهير علنية. كما أن إسرائيل تحاول، من خلال هذا الخطاب العدواني، الحدّ من التأثير الدولي المتنامي لتقارير المقرّرين الأمميين، ولا سيما في ضوء التحقيقات الجارية أمام محكمة العدل الدولية بشأن جرائم الحرب والإبادة.

في نهاية المطاف، لا تبدو المعركة بين ألبانيزي وإسرائيل مجرّد خلاف حول تقرير أممي، بل جزء من صراعٍ أوسع على السردية: من يملك حق تفسير ما يجري في غزة، ومن يحدد ما إذا كان الأمر دفاعاً عن النفس أم جريمة ضد الإنسانية. وبينما تختار ألبانيزي لغة القانون الدولي لتوصيف الوقائع، تردّ إسرائيل بلغة الإهانة والتشويه، في محاولة لتقويض الصوت الذي يصرّ على وصف الأمور بأسمائها، مهما كانت كلفته السياسية.

وفي بُعدٍ أعمق، يمكن قراءة هجوم تل أبيب على ألبانيزي كجزء من استراتيجية مركّبة تهدف أولاً إلى تحييد التأثير القانوني والسياسي لتقارير تُهدّد بفتح مسارات مساءلة على مستوى المحاكم والمؤسسات الدولية، وثانيًا إلى إرسال رسالة رادعة إلى موظفي الأمم المتحدة وصنّاع القرار الدوليين بأن تكلفة مواصلة التوثيق والادعاء قد تكون شخصية وسياسية، لا قانونية فقط.

كما يخدم هذا الخطاب هدفًا داخليًا لدى إسرائيل وحلفائها في الغرب: تحويل النقاش من مساءلة السياسات العسكرية والدعم الدولي إلى سجالات حول الانحياز والاختلال الأخلاقي لدى المقرّرين، ما يسهّل تبرير إجراءات دبلوماسية وعسكرية مستمرة ويعزل المدّعين أمام جمهور غربي متذبذب. مجتمعة، تقارير مثل ألبانيزي تفرض ضغوطًا متزايدة على قضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية ومؤسسات أممية أخرى، فتصبح إستراتيجية الرد بالتحقير والتشويه وسيلة سريعة وفعالة لوقف زخم المساءلة قبل أن يأخذ طريقه إلى آليات إنفاذ ذات أثر بعيد المدى.

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *