ممنوع من الحياد.. لا جديد يذكر.. مشهد اعلامي عربي أسفل الترتيب
اسيا العتروس
اعتبر منح الصحفية الفليبينية ماريا ريسا و الصحفي الروسي دميتري موراتوف و لاول مرة في تاريخ اللجنة بجائزة نوبل للسلام 2021 كان رسالة قوية بأهمية و قيمة السلطة الرابعة في الديموقراطيات الناشئة كما في الديموقراطيات العريقة , ولكن لا يبدو أنها اشارة يمكن أن تلتقطها الحكومات و الانظمة العربية التي لا تقبل بدور للاعلام الحر وللاعلاميين في بناء مجتمع حر متعدد و في حراسة و تحصين الديموقراطية من التهديدات والمخاطر سواء تعلق الامر باصحاب السلطة او بالمتنفذين من رجال المال و الاعمال ولوبيات الضغط و الجماعات المتنفذة ..و قد جاء التقرير السنوي لمراسلون بلا حدود الصادر أول امس في اليوم العالمي لحرية الصحافة ليطلق جرس الإنذار حول التراجع الخطير الحاصل في المشهد الاعلامي العالمي و لكن بشكل خاص المشهد الاعلامي العربي العليل , بما يعني صراحة أن السلطة الرابعة خاصة اذا ما توفرت فيها ضمانات المصداقية والاستقلالية و المهنية والجودة المطلوبة لانارة الرأي العام وكشف الحقائق وتعرية ما تحاول الانظمة و الحكومات العاجزة اخفاؤه فهي بالتأكيد تتحول الى سلطة رابعة غير مقبولة بل ويكون المطلوب ممارسة كل انواع الضغط والقيود من حولها لردعها و خنقها و فرملتها و تجفيف منابعها حتى لا تكون قادرة على تحقيق ما يجب ان تقوم به …
المثير في تقرير مراسلون بلا حدود الصادر في 3 ماي 2022 انه سجل تراجعا ملحوظا في الغرب ايضا حيث سجلت المانيا تراجعا بمرتبتين كما سجل التقرير مقتل خمسين صحفيا في دول لا تشهد نزاعات مسلحة و في ذلك ما يعزز القناعة بخطورة المهنة الصحفية والمخاطر التي يمكن ان ترافق الصحفي في مختلف مهامه وتنقلاته وتغطياته …على أن الحقيقة أن ما يدعو للتوقف عنده في هذا التقرير ما يتعلق بواقع الصحافة العربية القاتم حيث انفردت تقريبا الدول العربية بأسفل الترتيب وحافظت بذلك على مواقعها السابقة او التصنيفات التي رافقتها طوال سنوات و ربما جاز القول ان نقطة الاضاءة التي ارتبطت بتقدم تونس وموريتانيا في الترتيب في السنوات القليلة الماضية لم تستمر طويلا وتحول الامر الى انتكاسة قد تنذر بالاسوأ ..
يشير التقرير الى ان وضع الصحافة في منطقة شمال أفريقيا لم يكن مقلقا إلى هذا الحد أبدًا كما هو الحال اليوم مع تدهور الحريات بشكل مثير في المنطقة مع تواتر الملاحقات والايقافات للصحفيين . ..
وبعيدا عن استعراض تفاصيل ما ورد في التقريروهو متوفر على المواقع الاجتماعية فان الوضع في بقية الدول العربية ليس بافضل حال , ولبنان الذي كان يمثل الاستثناء العربي وواحة لحرية الاعلام المباح وملتقى الكتاب والادباء و الشعراء والعناوين الصحفية المتنوعة حتى في اسوأ واخطر الفترات و الازمات تحول الى صحراء قاحلة وتراجع الى المرتبة 130 من بين 180 بلدا أما بقية الدول العربية فلا يبدو الوضع فيها أكثر إشراقاً،
تقرير مراسلون بلا حدود في نسخته العشرين عزز القناعة بأن عقلية الحكومات والانظمة العربية لا تزال تعتبر الاعلام الذي يرفض التطويع ويرفض ان يكون بوق دعاية للسلطة عدوا يجب محاصرته وتطويقه وترذيله حتى و ان كان ذلك بدرجات متفاوتة ..
لم يكن مفاجئا أن تحتل الدول الاسكندنافية كعادتها طليعة الترتيب فكانت النرويج والدانمارك والسويد في المراكز الثلاثة الأولى , ولعل في ذلك ما يقدم لنا مفاتيح التقدم في هذا الجزء من العالم و ما يفسر ما تحقق لهذه الدول من رقي وازدهار ونجاح لمجتمعاتها في مجالات التعليم و النزاهة والشفافية في المعاملات وغياب مظاهر العنف ومؤشرات الفساد ..
عربيا اذن احتلت جزر القمر طليعة للدول العربية فجاءت في المرتبة 94 متقدمة على تونس التي تلتها مباشرة في المرتبة 95 فموريتانيا في المرتبة 97 وقطر في المرتبة 119 وهو ما يعني أن وجود قناة الجزيرة في القطر وبرامجها الموجهة لا تعني توفر الحريات في هذا البلد ’ فالاردن في المرتبة 120 ولبنان في المرتبة 130 فالجزائر في المرتبة 134 و المغرب في المرتبة 135 والامارات في المرتبة 138 والصومال في المرتبة 140 متقدما على ليبيا التي تاتي في المرتبة 143 فالسودان في المرتبة 151 والكويت في المرتبة 158 وعمان في المرتبة 163 تليها جيبوتي ثم السعودية في المرتبة 166 فالبحرين في المرتبة 167 فمصر في المرتبة 168 فيما احتلت اليمن وسوريا والعراق اخر الترتيب …اما فلسطين فتلك حكاية اخرى والمعاناة مضاعفة بين جرائم الاحتلال وانتهاكاته واستهدافه للصحفيين وبين ضغوطات وتضييقات السلطة ..
اين تتنزل اسرائيل في كل ذلك وهي التي طورت برنامج بيغاسوس للتجسس، واخترقت عشرات الهواتف لمسؤولين سياسيين واعلاميين واغتصبت حق الفلسطينيين في الحرية ؟تلك معضلة اخرى تحتاج لقراءة اعمق ومقارنة اشمل لواقع الاعلام العربي العليل الذي يحتاج لجرعة اوكسيجين للتحرر من كل العقد والقيود والعقليات المتكلسة والتشريعات البالية التي تحتاج للكنس .. خلاصة القول لن يتغير حال مجتمعاتنا العربية بدون تغيير واقع الاعلام الى الافضل وبدون توفر الحد الادنى من حرية الرأي و التعبير والابداع الذي بدونه لا يمكن توقع الجديد في تقرير مراسلون بلا حدود في الموسم القادم.
كاتبة تونسية