من لاءات الخرطوم الى لاءات قرطاج!
اسيا العتروس
اكثر من خمسة عقود فصلت بين لاءات الخرطوم بعد نكسة67 وبين لاءات قرطاج بعد تسعة أشهرعلى قرارات 25 جويلية والخوف كل الخوف من الانسياق وراء القراءات العقيمة والخاطئة للشعارات النارية التي أثبتت اليوم زيفها وتبخرها , فقمة العرب التي عقدت في السودان في حينها والتي رفعت شعار”لا اعتراف لا صلح لا تفاوض مع كيان الاحتلال” انتهت بكارثة فتح أبواب التطبيع على مصراعيها وجعلت من كانوا يهددون برمي اسرائيل في البحر يلهثون لاستقبال قيادتها ..وهذا غيض من فيض قبل ان نحاول فهم ابعاد اللاءات التي رفعها رئيس الجمهورية اول امس للداخل والخارج و تحديدا الادارة الامريكية و الاتحاد الاوروبي بسبب مواقفهما المعلنة من هيئة الانتخابات ..
نقول هذا الكلام لان التاريخ دروس و عبرولان الخطاب السياسي خاصة عندما يكون موجه بالدرجة الاولى الى الخارج والى قوى كبرى والى شركاء مهمين للدولة التونسية يفترض أن يكون خطابا مسؤولا وواعيا بما يمكن أن ينتظر الشعب خاصة عندما يتعلق الامر ببلد يعاني الامرين لتجاوزأزماته الاقتصادية والاجتماعية الخانقة في الوقت الذي ينتظر مسؤولوه على اعتاب المنظمات الدولية المالية منذ أشهرللفوز بقروض ترفض ان تاتي لتمويل الميزانية و توفير الاجور و ليس لبعث المشاريع و الاستثمارات …وليست الامثلة التي تعوزنا عن الثمن الذي دفعته الكثير من الشعوب بسبب التهورالسياسي لقياداتها …
صحيح أن الجرأة والشجاعة مطلوبة خاصة عندما يتعلق الامر باستقلالية وسيادة الوطن وكرامة وأمن الشعوب ولكن وجب قبل ذلك التفكير و العمل جديا على اخراج تونس من هذا الوضع المشين وتقديم البدائل العملية لانهاء حالة التعفن و الانهيارالحاصل و فرض احترام الاخرين لنا ..
لسنا في اطار تقديم الدروس وهذا ليس دورنا , لكننا في اطارالتعاطي مع الواقع التونسي الذي استعصى على الفهم في ظل الاصرار على مواصلة الهروب الى الامام والمراهنة كل يوم أكثرعلى توسيع دائرة الخصوم وتضييق دائرة من استبشروا بانقاذ البلاد من خطرداهم ..
الواقع أنه سيتعين على التونسيين انتظارهلال العيد لفك شيفرة خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي القاه ليلة القدرخلال مأدبة الافطارالتي انتضمت بقصر قرطاج بحضورعائلات شهداء و جرحى عمليات ارهابية من القوات الامنية والعسكرية وقراءة ما “بشر”به من جديد لاخراج البلاد من الازمة الخانقة التي تغرق فيها ..تماما كما أنه سيكون من المهم التذكير بالاطارالمكاني والزماني لخطاب سعيد الذي كان في الواقع موجه لاكثر من طرف في الداخل والخارج بمعنى انه سيكون على كل طرف من الاطراف التقاط الرسائل والصواريخ التي يراها مناسبة وترجمة ما نطق به الرئيس من قنابل لا أحد بامكانه تحديد مالاتها ولا موعد انفجارها ..
بعد نحو ستة عقود على قمة الخرطوم اختار رئيس الجمهورية في خطاب حربي وفي لاسلوبه الذي بدأ التونسيون يتعودون عليه اسقاط لاءات الخرطوم على الواقع التونسي وربما كان يتوهم بذلك أنه يخاطب الى جانب خصومه في الداخل من يعتبرأنهم اعداؤه ايضا في الخارج ,و ليس من الواضح الى اي مدى سيذهب رئيس الجمهورية في تنفيذ خياراته و ما اذا كان الجديد الذي يفترض ان يعلن عنه في العيد يعني المضي قدما نحواعلان مراسيم جديدة لالغاء الدستورأو الغاء الاحزاب أو توزيع بطاقات الوطنيين و نشر قائمات غيرالوطنيين ممن ينبغي اولا ينبغي أن يشملهم الحوارالذي لم يتضح ايضا ان كان انطلق او لم ينطلق بعد فتصريحات سعيد تشير الى الشيئ و نقيضه و توحي مرة بان الحوارانطلق مع الصادقين واخرى بان الحوار لن يشمل الاطراف التي تتامرعلى البلاد ..
وفي انتظارهلال العيد و بشائره قد لا نجانب الصواب اذا اعتبرنا ان سعيد باستنساخه لاءات الخرطوم لم يكن لا جاهلا بالاجواء التي رافقت هذه الاءات ولا بنتائجها الكارثية ومع ذلك فقد أصر على تبنيها لاهداف قد ندركها خلال الساعات القليلة القادمة …لا نحتاج مزيد النكسات بل نحتاج رؤية واضحة متبصرة تجنب الجميع السقوط في الهاوية التي نتجه اليها بثبات في حال استمر المشهد على حاله …
كاتبة تونسية