هل ستؤسس قمة النقب “الناتو” العربي الإسرائيلي الإقليمي الجديد والذريعة ايران؟

 هل ستؤسس قمة النقب “الناتو” العربي الإسرائيلي الإقليمي الجديد والذريعة ايران؟

عبد الباري عطوان

وماذا يعني ان يزور العرب المشاركون فيها قبر بن غوريون ويقرأون الفاتحة على روحه؟ وكيف سيكون رد طهران والدول المستهدفة؟ وكيف سقطت مصر في هذه المصيدة؟

عبد الباري عطوان
ثلاث قمم انعقدت في الأيام الخمسة الماضية في كل من النقب وشرم الشيخ، والعقبة، كانت إسرائيل هي اللاعب الأبرز بشكل مباشر او غير مباشر، والهدف منها تتويجها زعيمة للمنطقة، وتأسيس “حلف ناتو” عربي إسرائيلي على أرضية اتفاقات “سلام ابراهام” قديمها وحديثها.
القمة التي ستضع “حجر الأساس” للحلف الجديد، هي تلك الخامسة بدأت اليوم في النقب، جنوب فلسطين المحتلة، بحضور انتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، ونظرائه في مصر والامارات والمغرب والبحرين، و”إسرائيل” الدولة المضيفة، هي الأخطر في تقديرنا، لأنها تؤرخ لاحتضان عربي رسمي علني لدولة الاحتلال على الصعد كافة، وربط أمنها، ووجودها، بالحكومات العربية المشاركة في هذه القمة في مواجهة محور المقاومة الذي تتزعمه ايران دون أي خجل او حياء، او الحد الأدنى من قيم الكرامة وعزة النفس.
العنوان الذي تتخذه الدول المشاركة في هذه القمم، كذريعة وغطاء، هو احتمالية تمخض مفاوضات فيينا عن اتفاق نووي جديد مع ايران، يكون من ابرز بنوده رفع جميع العقوبات، والاعتراف بالدور الإقليمي لإيران، وفك تجميد مئة مليار دولار، مصحوبة بتعويضات قد تصل لمئتي مليار دولار، والاهم من كل ذلك ازالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب الامريكية.


ان تستمر قمة النقب لمدة يومين، فهذا يعني ان هناك جدول اعمال لميثاق تحالف معد بإحكام، ومعاهدة دفاع مشترك، وخطة عمل ميداني أمني عسكري، محكمة الاعداد برعاية أمريكية، وهذا يعني الوقوف في الخندق الأمريكي في حرب أوكرانيا وفي مواجهة روسيا، وهذه مقامرة كبرى محفوفة بالمخاطر، وغير مضمونة النجاح.
لا نجادل مطلقا بأن ايران تشكل مع اذرعها العسكرية الحليفة، خطرا وجوديا على دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا امر في مصلحتنا كعرب، او من تبقى من المؤمنين بهذا التوصيف، ولكن ما هو الخطر الذي تشكله على 110 مليون مصري، او على المغرب التي تبعد عنها بأكثر من خمسة آلاف كيلومتر؟
هذه القمة واجنداتها، تضع حجر التأسيس لحلف “الناتو” العربي الإسرائيلي الجديد، وتفتيت الوطن العربي، ودفن الجامعة، ومؤسسة القمة العربية، ومعها قضية فلسطين وعروبة مدينة القدس، وتبني المشروع الصهيوني بالكامل، واعطائه دفعة جديدة من الحياة بعد ان دخل مرحلة الاحتضار معنويا وعسكريا بعد حرب “سيف القدس” الأخيرة، في ظل تعاظم قوة محور المقاومة، وامتلاكه أسبابها الصاروخية الدقيقة المدعمة بالطائرات المسيّرة التي همشت سلاح الجو، والتفوق النوعي العسكري الإسرائيلي.
مؤلم جدا ان يقوم وزراء الخارجية العرب المشاركين في قمة النقب بزيارة ضريح بن غوريون، مؤسس “إسرائيل” ووضع اكليل الزهور فوقه تكريما، ولا نستبعد ان يذرف بعضهم الدموع تأثيرا برحيله، وقراءة الفاتحة على روحه، ونسأل هل زار مسؤول إسرائيلي، او امريكي، ضريح الرئيس المصري العربي المسلم جمال عبد الناصر؟ انها قمة الهوان والركوع.
تنصيب دولة الاحتلال الإسرائيلي زعيمة لحلف “الناتو” الإقليمي الجديد اثم وخطيئة كبرى، وهذا الحلف لن ينجح في مواجهة ايران ومحور المقاومة، ولن يبدد قلق الدول الأعضاء فيه، وتوفير الحماية بالتالي لها، بل ربما سيؤدي الى تفاقمه، وتعريض الدول الأعضاء لأخطار أمنية أخطر، وبما يؤدي الى زعزعة استقرار أنظمة الحكم فيها.
أمريكا المهزومة في العراق وأفغانستان وسورية وفنزويلا لم تعد القوة العظمى المهابة في العالم، خاصة بعدما ظهر ضعفها بجلاء في حرب أوكرانيا، وتخليها عن الاوكرانيين ضحايا هذه الحرب، وعدم ارسالها، وحلف “الناتو” الذي تتزعمه، جنديا واحدا لنصرتهم، وباتت تستجدي الحكومات العربية، الواحدة تلو الأخرى، لوقوفها في خندقها في هذه الحرب، دون ان تفوز الا في تجنيد دولة او اثنتين فقط حتى الآن.
الدول العربية الاخرى التي تقف في الخندق الآخر، والمستهدفة بهذا التحالف الجديد، يجب ان تخرج عن صمتها وتتحرك بسرعة لتجميع صفوفها، وتشكيل جبهة عربية إسلامية موحدة، من منطلق الدفاع عن نفسها ومصالح الامة، والتصدي لهذا الحلف الصهيوني العربي الجديد، ونحن نتحدث هنا تحديدا عن الجزائر وسورية والعراق واليمن ولبنان وفصائل المقاومة الفلسطينية، وبعض الدول الخليجية التي لم تحسم موقفها حتى الآن.
المحور العربي الوطني الجديد المضاد للآخر الإسرائيلي يملك كل أسباب القوة، وتقف خلفه دولة إقليمية إسلامية عظمى “شبه نووية” هي ايران، وتحالف دولي نووي صيني روسي كوري شمالي هندي في صعود، ويستعد للإطاحة بالعرش الأمريكي، وتقزيم امبراطورية الدولار التي كانت من ابرز أدوات هيمنته على مقدرات العالم.
سر نجاح ايران يكمن في أربعة عوامل: الإرادة، والاعتماد على الذات، والمشروع السياسي الواضح، والزعامة الصلبة، وهي العوامل الأربعة التي كانت وراء قيام جميع الامبراطوريات، والإسلامية والعربية منها على وجه الخصوص، ومن المؤسف ان هذه المواصفات لا تتوفر في معظم، ان لم يكن جميع الدول العربية هذه الأيام، ولهذا نحن في حالة هبوط متواصلة تجاوزت القاع الى ما تحته.


يؤلمنا ان يقوم يائير لبيد وزير الخارجية الإسرائيلي بجر أربعة وزراء خارجية عرب الى قمة النقب، ويؤلمنا اكثر ان يكون وزير خارجية مصر الدولة الرائدة الكبرى من بينهم، ويضع إكليلا من الزهور على قبر بن غوريون الذي ارتكب وخلفاؤه المجازر في حق العرب، والمصريين منهم على وجه الخصوص، واعدموا الاسرى وأطفال مدرسة بحر البقر بدم بارد.
حلف “الناتو” بجلالة عظمته لم ينتصر في أفغانستان والعراق وسورية، ولهذا فأن وليده الإسرائيلي العربي “المسخ” لن يحمي دولة الاحتلال، وشركاءها في “سلام ابراهام”.. والأيام بيننا.

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *