هل تشكل عودة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أكبر تهديد لامريكا وسورية الجديدة؟ وما هي العوامل التي تقف خلف هذا الصعود المفاجئ.. ولماذا الآن؟

 هل تشكل عودة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أكبر تهديد لامريكا وسورية الجديدة؟ وما هي العوامل التي تقف خلف هذا الصعود المفاجئ.. ولماذا الآن؟

عبد الباري عطوان

عبد الباري عطوان
المفاجأة الكبرى التي أفاقت عليها الإدارة الامريكية، وأجهزة مخابراتها في منطقة الشرق الأوسط، و”سورية الجديدة” على وجه الخصوص تتمثل في العودة الكبرى، والمدروسة، لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الى نشاطه العسكري واحياء خلاياه النائمة، واتباع استراتيجية جديدة لتوسيع واستئناف نشاطاته مجددا.
نجاح خلية في استهداف دورية عسكرية تابعة لقوات جيش سورية الجديدة في قلب مدينة ادلب العاصمة السابقة لحركة تحرير الشام معقل الرئيس السوري المؤقت احمد الشرع، وبعد أسبوع من اقتحام عنصر تابع لداعش اجتماعا امريكيا في مدينة تدمر لوضع استراتيجية مشتركة مع أجهزة الامن السورية الجديدة لمحاربة الإرهاب، ومقتل ثلاثة أمريكيين أحدهم مترجم عسكري، يؤكد ان تنظيم داعش خرج من القمقم، واستأنف هجماته المزدوجة على القوات الامريكية في سورية والمنطقة أولا، والسلطة الحاكمة في دمشق
وأجهزتها الأمنية والعسكرية المدعومة أمريكيا ثانيا.


هجوم تدمر الذي نفذه أحد كوادر القوات الأمنية السورية التابعة لسلطة الشرع، باقتحامه مقر الاجتماع المذكور، وقتل الامريكيين الثلاثة، ورجل أمن سوري واصابة العديدين، وجرى نقلهم، وخاصة الامريكيين منهم بطائرات عمودية الى قاعدة التنف العسكرية الامريكية قرب الحدود العراقية الأردنية، هذا الهجوم (تدمر) يحمل عدة رسائل بين ثناياه:
الاولى: ان التنظيم ما زال “حيا يرزق”، وبات قادرا على الوصول الى أي هدف يريد داخل سورية وخارجها.
الثانية: ان التحالف الدولي الذي تأسس عام 2014 بقيادة الإدارة الامريكية لمكافحة (داعش) فشل في مهمته، أي القضاء عليه قضاء تاما، وكل ما حصل ان التنظيم تخلى عن المساحات الواسعة التي سيطر عليها في العراق (الموصل)، وسورية (الرقة عاصمته)، ونزلت كوادره تحت الأرض.
الثالثة: التنظيم بات يملك بعد تطوير إستراتيجيته وادواته، وطريقة عمله، وتجديد عناصره البشرية، خبرة كبيرة في اختراق القوى الأمنية والعسكرية للنظام السوري الجديد (فالعقيدة واحدة)، وقد لا يكون منفذ عملية تدمر وقتل الجنود الأمريكيين، مجرد قمة جبل الجليد، وانه ليس وحيدا، وان هناك العديد من أمثاله ما زالوا يتواجدون في صفوف قوات أمن سورية الجديدة، فالاختراق كبير فيما يبدو.
الرابعة: العودة “للتوحش الإعلامي” من خلال تنفيذ عمليات عسكرية نوعية، تعيده الى العناوين الكبرى الرئيسية في المنطقة والعالم، واعتمادا على قاعدة استند عليها بنجاح في فترة صعوده الاولى، التي تقول كلما نجح التنظيم ميدانيا، استعاد ترميم صورته كتنظيم فاعل قادر على الضرب عسكريا.
الخامسة: كلما نجح النظام ميدانيا، ووسع نطاق عملياته، عددا، وعدة، ونوعية، كلما تسهلت قدراته في نطاق تجنيد كوادر جديدة شابه في المنطقة والعالم.
السادسة: عودة التنظيم المذكور قد يشكل ضربة قوية للسلطات اللبنانية والضغوط الإسرائيلية لنزع سلاح “حزب الله”، فأكبر عدو لداعش هو الحزب وحاضنته الشعبية.
حالة الفوضى السياسية والأمنية والتوغلات الإسرائيلية في سورية، وحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وعجز النظام الرسمي العربي، واستفحال الفساد، والانهيار الاقتصادي، كلها عوامل تهيء البيئة الملائمة لإعادة صعود التنظيمات الدينية الإسلامية المتشددة مجددا، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية، وربما قريبا تنظيم القاعدة الام الذي كان الحاضنة الأولى لهذا الفكر.
اختيار مدينة تدمر لتنفيذ عملية الهجوم الاولى والاكبر للعودة الجديدة الى السطح لتنظيم الدولة الإسلامية، جاء لعدة أسباب أبرزها الخبرة الكبيرة التي يملكها التنظيم في حرب المدن، وسيطرته على المدينة الاثرية نفسها وحكمها أكثر من عام خلال 2015 قبل هزيمته واخراجه منها، ليس على يد الامريكيان، وانما قوات جيش النظام السوري السابق.


يبدو ان أيديولوجية “داعش” المتشددة باتت نقطة جذب بعض الشباب المسلم بسبب حالة اليأس التي يعيشها، والدعم الأمريكي المباشر لحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة ولبنان والضفة واليمن، وتزويد الجيش الإسرائيلي بصفقات أسلحة تتضمن قنابل تدمير بأوزان تصل الى 2000 رطل نجحت في تدمير 95 بالمئة من الأبراج والمساكن في قطاع غزة، علاوة على مساعدات مالية تزيد عن 75 مليار دولار حتى الآن.
تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بدأت خلاياه السرية النائمة تصحوا، وتظهر على السطح بعد نوم استمر عشر سنوات تقريبا، ومثلما انطلق من “الرقة” والبادية السورية في المرحلة الأولى، ها هو يسير على النهج نفسه ومن الحاضنة السورية نفسها في المرحلة الثانية، اذا لم يتم القضاء عليه سريعا، وهو افتراض ليس سهلا على الاطلاق، وفرص إنجازه تبدو ضئيلة ان لم تكن معدومة، فالظروف السائدة في المنطقة العربية في الوقت الراهن تبشر بإنفجار الفوضى المسلحة، لضخامة حجم الإهانة والاذلال فيها على يد أمريكا وإسرائيل.
توغلات الدبابات والجرافات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة السورية الخميس، واقتحام منازل وقتل مواطن واعتقال آخرين، والمناورات العسكرية الإسرائيلية في سفوح جبل الشيخ، وإصرار النظام السوري الجديد على عدم الرد، واستمرار مجازر غزة، كلها عوامل تقدم بشكل مباشر، او غير مباشر هدية ذهبية للدولة الإسلامية وقيادتها الجديدة، وكل التنظيمات المتشددة الأخرى المماثلة لتسهيل عودتها الى الواجهة مجددا.. والأيام بيننا.

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *