مجتمعات أكثر خضارًا: كيفيغيّر صحفيو الإعلام المجتمعي سردية الحدائق والعدالة البيئية في لوس أنجلوس
الانتشار العربي – فاطمة عطية بتاريخ 20 نوفمبر2025
امتلأت قاعة
Clockshop,-Los Angeles بالصحفيين والناشطين بينما افتتح الدكتور جون كريستنسن من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس UCLA حوارًا كشف حجم التحديات والآمال المتعلقة بالحدائق والمساحات الخضراء في المدينة.
كريستنسن، الباحث في معهد البيئة والاستدامة ومدير مختبر استراتيجيات السرد البيئي (LENS)، كرّس سنوات لدراسة توزيع الاستثمارات البيئية: من يحصل على الحدائق والطبيعة والمساحات الخضراء… ومن يُترك خارجها.
وقال في كلمته الافتتاحية:
“نعرف أن الحدائق والوصول إلى الطبيعة يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالصحة الجسدية والنفسية وجودة الحياة.”
ومع ذلك، يفتقر نحو مليون شخص في لوس أنجلوس إلى وجود حديقة يمكن الوصول إليها سيرًا على الأقدام. وأكثر المتضررين من الأقليات العرقية والمهاجرين وذوي الدخل المنخفض.
لهذا جاءت الشراكة بين UCLA وAmerican Community Media (ACOM) بدعم من صندوق بيزوس للأرض، لتدريب ودعم أكثر من 20 صحفيًا من الإعلام الإثني والمجتمعي لإنتاج قصص عن الحدائق والعدالة البيئية وصحة الأحياء.
والنتيجة كانت مذهلة:
123 قصة صحفية عبر لغات متعددة — الكورية، الصينية، الإسبانية، الفارسية، العربية، البورمية، الفيتنامية، والإنجليزية — تناولت الظل، التشجير، ذاكرة الحدائق، الصحة، وتخضير المدارس.
قال كريستنسن للحضور:
“أنتم عنصر أساسي في تغيير السردية حول الحدائق في لوس أنجلوس.”
سردية خضراء: حين تصبح الحديقة قصة مجتمع
استهلّت المديرة التنفيذية لـ ACoM، ساندي كلوز، حديثها بتذكير الحضور بنصيحة الراحل سيرجيو بنديكسون، رائد استطلاعات الرأي في الإعلام الإسباني:
“لا توزّع أوراقًا على الجمهور… سيقرؤونها بدلًا من الاستماع إليك.”
لكنها شددت على أهمية قراءة القصص المنشورة على موقع “مجتمعات خضراء”، التي أشرفت على تحريرها الصحفية بيلار ماريرو.
ثم دعت المتحدثين:
مانويل أورتيز، بريندا سالغادو، بول تشونغ، كارلوس أفيليس، فاطمة عطيه بخيت
لمشاركة تجاربهم الشخصية والمهنية في تغطية موضوع بدا بسيطًا — لكنه غيّر رؤيتهم للمدينةولأنفسهم.
صور أورتيز الفوتوغرافية المبهرة كانت خلفية الحوار، تلتقط لحظات حميمية لسكان لوس أنجلوس داخل حدائقهم: صلوات، موسيقى، حديث مع الغروب، لقاءات عابرة… حياة كاملة.
مانويل أورتيز: حين تتحول الحديقة إلى “مَقدَس أخضر”
اعترف المصوّر الوثائقي مانويل أورتيز بشفافية لافتة:
“لم أكن أحب لوس أنجلوس. كنت أحاول دائمًا الهرب منها.”
اعتاد أورتيز تغطية قضايا الهجرة والصراعات والحقوق. أما الحدائق فكانت عالمًا جديدًا. حمل كاميرا صغيرة واحدة بلا عدسات متعددة، ليجبر نفسه على الاقتراب من الناس… حرفيًا وإنسانيًا.
لم يقل للناس: هل يمكنني إجراء مقابلة؟ بل سألهم:
“هل يمكننا الحديث؟”
توقّع شكاوى حول القمامة، الأمن، الإهمال — لكنه وجد شيئًا مختلفًا:
“معظم الناس استخدموا كلمات مثل: السلام، المجتمع، الراحة، الرياضة. بالنسبة لكثير منهم، الحديقة مسألة حياة أو موت.”
روى قصة رجل مسنّ يأتي يوميًا إلى الحديقة رغم أنه بالكاد يستطيع المشي، وآخر ينتظر مقابلة عمل وهو نائم على مقعد، ونساء يصلّين من أجل وقف حملات المداهمات.
أورتيز سمّى مشروعه: “مقامات خضراء” — sanctuaries.
لأنه اكتشف أن الحدائق، في مدينة صعبة كـ LA، هي أماكن نجاة.
بريندا سالغادو: جنوب سنترال… حين تصبح الحديقة حقًا مفقودًا
صحفية Calo News وLA Free، بريندا، قدمت منظورًا من الداخل — كونها من سكان جنوب سنترال.
قالت:
“هناك محل خمر في كل زاوية… لكن لا توجد حدائق.”
أرادت أن تنقل القصة من منظور الأهالي أنفسهم، “السنيواراس”، الأطفال، العائلات التي تأتي للحديقة رغم ندرتها. وبدلًا من المقابلات السريعة، بنت علاقات تمتد لأسابيع.
غَطّت حديقتين أساسيتين:
حديقة “ساوث بارك” التاريخي
مركز للثقافة والاحتجاجات والفعاليات المجتمعية — من عهد الجاز إلى مظاهرات “البلاك بانثرز”.
حديقة South LA Wetlands
حدثت المفاجأة حين اكتشفت أن الحديقة حصلت على منحة بقيمة 4.2 مليون دولار لتحسينها — منحة لم يعلن عنها عضو المجلس البلدي.
“عندما أبلغته أنني سأكتب القصة، أعلن المنحة قبل يوم واحد من نشرها!”
كان لصحافتها أثر مباشر على الشفافية والمساءلة.
بول تشونغ: كوريّون بلا خضار… والبحث عن حلول
الصحفي في SBS الدولية بول تشونغ يعيش في كورياتاون، أحد أكثر الأحياء ازدحامًا في أمريكا.
أهدافه الثلاثة كانت واضحة:
إعادة فتح نقاش نقص الحدائق في الحي – نقل صوت السكان إلى صناع القرار
البحث عن حلول واقعية
تحدث مع سكان المنطقة، عضوة مجلس المدينة، ومدير الحدائق — وهو أمريكي كوري.
أبرز حدائقه كانت حديقة سيول الدولية، التي تحمل إرثًا مهمًا:
“من هنا انطلقت مسيرة السلام عام 1992 بعد أحداث الشغب. أكثر من 20 ألف شخص تجمّعوا هنا.”
اليوم تستضيف الحديقة المهرجان الكوري الأكبر في لوس أنجلوس.
قال تشونغ:
“الحدائق ليست للاستجمام فقط. إنها أماكن تاريخ وهوية وشفاء.”
فاطمة عطيه بخيت: المجتمع العربي… وغياب الحدائق القريبة
بصفتها ناشرة ورئيسة تحرير صحيفة الانتشار العربي، نقلت فاطمة عطية رؤية المجتمع العربي.
عاشت ثلاثين عامًا قرب غريفيث بارك، أحد أكبر الحدائق في البلاد، حيث تربى أبناؤها ومشى والدها الراحل يوميًافي هذه الحدائق الخضراء يلاع احفاداءه في ددائق قريبة على اماكن سكنهم
لكنها قالت بوضوح:
“ليس كل أبناء الجالية العربية يحظون بهذه الفرصة.”
أهم النقاط التي أثارتها:
- عرب كثيرون يعيشون في مناطق بلا حدائق قريبة
- كبار السن لا يجدون مكانًا للمشي اليومي
- غياب تمثيل ثقافي عربي داخل الحدائق
- عدم وجود مساحات عامة رخيصة للاحتفالات والمناسبات
كل عام يجتمع أكثر من 2000–3000 عربي في حدائق غلينديل واماكن مختلفة للاحتفال بالعيد، لأن لا مكان آخر يستقبلهم.
“نحب الاجتماع والرقص والغناء… لكن لا توجد مساحة لنا.”
**كارلوس أفيليس: عندما تغيّر الحديقة حياة مجتمع»
الصحفي المخضرم في إكسلسيور كارلوس أفيليس عاد لتغطية حدائق كتب عنها قبل 20 عامًا — مثل حديقة Hazard التي كانت مليئة بالعنف والعصابات. لكن المشهد تغيّر جذريًا:
“وجدت فرق كرة قدم، أطفالًا، وعائلات فخورة بحديقتهم.”
غطّى أيضًا أحياء مثل Salt Lake، حيث يكاد السكان يفتقرون لأي مساحة خضراء — وحتى حين توجد الحدائق، فإن الأمان يصبح شرطًا للتمتع بها.
كما عرّف السكان على تقييم احتياجات الحدائق PNA، وأوضح لهم كيفية المشاركة.
“لا يفهم الناس معنى العدالة البيئية حتى تتحدث مع من يعيش حرمانها.”
كيف نستمر؟ نحو صندوق اقتراع 2026
اختُتمت الجلسة بسؤال جوهري:
كيف نحافظ على اهتمام الجمهور وصناع القرار بقضية الحدائق؟
خصوصًا مع احتمال طرح مبادرة تمويل ضخمة للحدائق في انتخابات 2026
أبرز الأفكار:
- ربط الحدائق بالصحة النفسية (بول)
- الاستمرار في القصص البسيطة القريبة من الناس (مانويل)
- تمويل الإعلام المستقل المحلي (بريندا)
- استخدام السوشال ميديا للوصول للشباب توحيد مبادرات الجاليات (فاطمة)
- إبراز أثر الحدائق في تغيير الأحياء (كارلوس)
قالت ساندي كلوز:
“نحن في الإعلام المجتمعي صلة وصل بين الناس وصناع القرار… دورنا لا يُستبدل.”
أما كريستنسن فاختتم الجلسة بالشكر:
“أنتم جزء أساسي من تغيير السردية… ومن تغيير المجتمعات للأفضل.”
نحو لوس أنجلوس أكثر عدلًا وخُضرة
مشروع “مجتمعات خضراء” أثبت حقيقة واضحة:
عندما يروي الصحفيون قصص الحدائق… تتغيّر المدينة.
تتغيّر في فهمها لنفسها، لتاريخها، لعدم المساواة، ولمستقبلها.
فالحديقة ليست مجرد مساحة ترفيه — إنها مساحة حياة، هوية، ونجاة.
وفي مدينةٍ تواجه تحديات بيئية واقتصادية واجتماعية، يُظهر هذا المشروع أن بداية الحل…
قد تكون شجرة، ظلًا، أو مقعدًا في حديقة.


