بمناسبة اغتيال الطبطبائي: لماذا تزدحم وسائل الاعلام الاسرائيلية باللطم والنحيب هذه الأيام؟ هل بدأ الهروب اليهودي الكبير من أرض الميعاد وما هي الأسباب الحقيقية ولمن يعود الفضل؟ لنترك مراسلة الـ”نيويورك تايمز” تجيب على معظم هذه الأسئلة
عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان
أقصر الطرق لفهم “حالة السعار” الإسرائيلية التي تنعكس في العودة المتدرجة لحربي الابادة والاغتيالات سواء في قطاع غزة او لبنان، هي قراءة التحقيقات ومقالات الرأي، وبرامج الحوار في الصحف ومحطات التلفزة وسائل التواصل الاجتماعي الاسرائيلية، وبعض المنابر الأوروبية والأمريكية.
القاسم المشترك في معظم، ان لم يكن كل هذه المنابر هو “البكاء” و”اللطم”، و”اليأس” بسبب الشعور ببدء إنهيار “الدولة” الإسرائيلية، وفشل جيشها في توفير الحماية لمستوطنيها، وعدم وجود الأمن، وفقدان التفوق العسكري، وتعاظم حالة الكراهية في العالم.
لم يفاجئنا الكاتب الإسرائيلي اسحق بريك على سبيل المثال عندما كتب مقالا في صحيفة “هآرتس” قبل يومين، احتوى في مضمونه على “مناحة” غير مسبوقة عندما قال فيه “ان الجيش يتدهور ولم يعد قادرا على حماية البلاد، وسيصل هذا التدهور الى ذروته في الحرب الإقليمية القادمة التي ستندلع إن آجلا او عاجلا والتي ستخسرها إسرائيل وجيشها حتما، هذا الجيش الذي فشل في الحسم ولو في جبهة واحدة.
توقفت طويلا امام فقرة وردت في مقال لكاتب إسرائيلي آخر قال “ان الطريق الى أمريكا لم تعد تمر عبر القدس، وانما عبر الرياض، وها هي المملكة العربية السعودية تحصل على صفقة طائرات شبح “اف 35″ ودون التوقيع على صك التطبيع مع إسرائيل”.
لنترك الصحف العبرية، وننتقل الى صحيفة “النيويورك تايمز” التي كانت المدافع الإعلامي الأكبر عن دولة الاحتلال وحروبها في الشرق الأوسط، وبالتحديد الى تحقيق مفصل وطويل لمراسلتها في تل ابيب السيدة شيرا روبين، واعتقد انها إسرائيلية، عن هجرة 200 ألف إسرائيلي في العامين الماضيين فقط، وبالتحديد بعد غزوة السابع من تشرين أكتوبر التي هندسها وأشرف على تنفيذها المجاهدان يحيى السنوار ومحمد الضيف، ونخبة من دهاة الجناح العسكري في كتائب القسام الحمساوية.
السيدة روبين قالت في تحقيقها الموثق بالأدلة والأرقام والمقابلات مع لائحة طويلة من المؤسسات والقيادات المدنية والعسكرية المتخصصة وعلماء الاجتماع والديمغرافيا، ان معظم هؤلاء المهاجرين “الهاربين” من الدولة العبرية من الشباب والكفاءات العلمية والخبراء في ميدان التكنولوجيا، وعلمانيين، ويساريين، وان السبب الرئيسي للهجرة خاصة الى أوروبا بالدرجة الأولى، هو انعدام الأمن، وعدم وجود مستقبل لأطفالهم، ونقلت عن دفنا بتيشي مديرة وكالة تساعد الإسرائيليين على الانتقال الى الخارج، ان طلبات الهجرة تزايدت بعد حرب السابع من أكتوبر، وتزايدت أكثر بعد حرب الـ 12 يوما مع ايران في حزيران (يونيو) الماضي، عندما وصلت الصواريخ الإيرانية المتطورة الى قلب تل ابيب.
العامل الرئيسي خلف هذا التغيير، وحالة الهروب الكبير المتصاعد في أوساط المستوطنين الإسرائيليين، دماء الشهداء و”طوفان الأقصى” الذي وقع كالصاعقة على دولة الاحتلال الإسرائيلي، وضرب المشروع الصهيوني في جذوره، ودمر هيبته وجيشه، وأحدث انقساما إسرائيليا داخليا غير مسبوق، والأهم من ذلك فشل الجيش في حسم الحروب بسرعة قياسية، وعدم وصولها الى العمق الإسرائيلي، والفضل موصول أيضا الى جبهات الاسناد في لبنان واليمن وايران، ودماء وأرواح شهدائها الطاهرة.
ربما ينجح نتنياهو في قتل المدنيين، وتدمير مدن القطاع ولبنان واليمن، وبدعم من ساكن البيت الأبيض الأمريكي، وربما يستطيع أيضا اغتيال هذا القائد العربي اللبناني وذاك الفلسطيني، ولكن المستقبل لرجال المقاومة، ولأصحاب النفس الطويل، والإيمان بالله والنصر المؤكد، والمثل يقول: من يضحك أخيرا يضحك كثيرا.. والأيام بيننا.
