أستاذ قانون في كنتاكي يقاضي جامعته بعد منعه من التدريس بسبب انتقاده إسرائيل

 أستاذ قانون في كنتاكي يقاضي جامعته بعد منعه من التدريس بسبب انتقاده إسرائيل

واشنطن – سعيد عريقات

رفع أستاذ القانون في جامعة كنتاكي، رامزي وودكوك، دعوى قضائية أمام محكمة اتحادية ضد جامعته، بعد اتخاذ إجراءات تمنعه من التدريس ومن دخول مبنى كلية الحقوق، وذلك عقب تصريحات حادة أدلى بها بشأن إسرائيل، وصف فيها الدولة بأنها “مشروع استعماري” ودعا المجتمع الدولي إلى “شن حرب عليها”. ويؤكد وودكوك أن هذه الإجراءات تمثل انتهاكًا لحقه في حرية التعبير المكفول بالتعديل الأول للدستور الأميركي، فضلًا عن إخلالها بضمانات الإجراءات القانونية الواجبة.
ووفقًا للدعوى، بدأت الجامعة تحقيقًا رسميًا معه في تموز الماضي، بعد أيام من ترقيته إلى رتبة أستاذ متفرغ. وتستند الجامعة إلى سياسات مكافحة التمييز، بما في ذلك اعتماد تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) لمعاداة السامية، وهو تعريف تقول جهات أكاديمية وحقوقية إنه يخلط بين نقد إسرائيل كدولة وبين استهداف اليهود كجماعة دينية أو إثنية. وتأتي هذه القضية في سياق جدل وطني متصاعد حول استخدام تعريف IHRA في الجامعات الأميركية، إذ استخدمته عدة مؤسسات لفتح تحقيقات ضد أساتذة بسبب تصريحات ناقدة لإسرائيل. وتُعد قضية وودكوك أول تحدٍّ مباشر لدستورية تطبيق هذا التعريف في إطار الباب السادس من قانون الحقوق المدنية لعام 1964.
وأكد المتحدث باسم الجامعة، جاي بلانتون،في تصريح للصحافة ، أن وودكوك “لم يُوقف عن العمل”، بل نُقل مؤقتًا إلى دور إداري حتى انتهاء التحقيق. غير أن الدعوى توضح أن الإجراءات المتخذة بحقه تعادل فعليًا إبعاده الكامل عن مهامه الأكاديمية، بعد منعه من التدريس والإشراف الأكاديمي وحضور اجتماعات الكلية، فضلًا عن منعه من دخول مبنى كلية الحقوق. وفي المقابل، تُرك له هامش محدود من “التطوير المهني” دون أي تفاعل مع الطلبة أو المسؤوليات الأكاديمية المعتادة.
وتجادل الدعوى بأن الباب السادس من قانون الحقوق المدنية لعام 1964، وهو قانون فيدرالي يحظر التمييز على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي في أي برنامج أو نشاط يتلقى مساعدة مالية فيدرالية،  لا يحظر انتقاد دولة إسرائيل، وأن توظيف تعريف IHRA بطريقة تقيد مناقشة قضايا مثل الاستعمار والفصل العنصري والإبادة الجماعية يُعد تجاوزًا غير دستوري. وفي الوقت نفسه، يرى بعض المدافعين عن حرية التعبير أن تصريحات وودكوك، خصوصًا توقيعه على عريضة تدعو “كل دولة في العالم إلى شن حرب على إسرائيل”، قد تُفهم على أنها دعوة صريحة للعنف، الأمر الذي يجعل القضية اختبارًا مهمًا للحدود الدقيقة بين الخطاب السياسي المباح والتحريض المحظور في الوسط الأكاديمي.
وكان رئيس الجامعة، إيلي كابيلوتو، قد أدان العريضة بشدة، واصفًا إياها بأنها “دعوة لتدمير شعب وفق الأصل القومي”، ومحذرًا من تأثيرها المحتمل على سلامة الطلاب. وفي اتهامات لاحقة، ادعت الجامعة أن وودكوك دعا إلى “العنف ضد إسرائيل” و”إبادة الشعب الإسرائيلي” وخلق “بيئة معادية” داخل الحرم الجامعي. لكن وودكوك يرفض تلك الاتهامات، مؤكدًا أن ما طرحه يدخل في إطار النقد السياسي للدولة باعتبارها “كيانًا استعماريًا”، وأن مستقبل المنطقة يجب أن يقرره الفلسطينيون بمن فيهم اليهود الذين كانوا جزءًا من المجتمع الفلسطيني قبل موجات الهجرة الكبرى في أواخر القرن التاسع عشر. ويستشهد بتجربة بلده الأصلي الجزائر في التحرر من الاستعمار الفرنسي باعتبارها نموذجًا مقارنًا لموقفه الفكري.
وتمثل القضية حجر زاوية في النقاش المتنامي داخل الجامعات الأميركية حول الموازنة بين صون حرية التعبير وبين مسؤولية المؤسسات عن ضمان بيئة آمنة للطلبة. فالكثير من الجامعات بات يتصرف بدافع حماية سمعته القانونية والمؤسسية، خشية التعرض لاتهامات بالإهمال، وهو ما يؤدي في بعض الحالات إلى تقييد خطاب أكاديمي مشروع.
ويمثل مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) وودكوك في الدعوى، ويؤكد محاموه أن تصريحاته محمية دستوريًا. وقالت غدير عباس، نائب مدير التقاضي في المجلس، إن الجامعة “استسلمت لحالة من الهلع” عبر مساواة النقد السياسي لإسرائيل بتهديد مباشر.
كما تظهر رسائل اطلعت عليها صحيفة الغارديان أن التحقيق بدأ بعد تلقي شكاوى من خارج الجامعة، بناءً على تصريحات أدلى بها وودكوك خارج الحرم الجامعي وفي مجموعات أكاديمية مغلقة.
وتطرح هذه القضية إشكالية مركزية تتعلق بمدى اتساع تعريف IHRA وتأثيره على حرية النقاش الأكاديمي حول إسرائيل والصهيونية، إذ إنها تكشف عن فجوة متنامية بين الأطر القانونية لمكافحة التمييز وبين استخدامها في تنظيم الخطاب السياسي داخل الجامعات. فالاعتماد المتزايد على هذا التعريف لا يعكس مجرد التزام مؤسسي بمحاربة معاداة السامية، بل بات يُستخدم—كما يظهر هنا—كآلية تهدف إلى تقيّيد نقاشات أكاديمية مشروعة تتناول البُنى الاستعمارية أو السياسات الحكومية لدولة ما.
وتكشف إجراءات الجامعة عن ميل متزايد لدى المؤسسات التعليمية نحو “الاحتراز الزائد”، حيث تتخذ خطوات واسعة النطاق لتجنب أي مخاطر محتملة تتعلق بسلامة الطلاب، حتى لو جاء ذلك على حساب الحرية الأكاديمية. وهذا التوجه يثير مخاوف حول تحوّل الجامعات إلى كيانات تُدار بمنطق إدارة الأزمات وليس بمنطق رعاية الفكر الحر.
كما تبرز القضية هشاشة الحدود بين النقد السياسي والتحريض على العنف، وهي حدود غالبًا ما يعاد رسمها استنادًا إلى المناخ السياسي والاجتماعي السائد. ويطرح ذلك سؤالًا مهمًا حول مدى قدرة المؤسسات على التمييز بين الخطاب التحريضي الحقيقي والخطاب السياسي المتطرف أو الصادم، دون الوقوع في فخ تقييد حرية التعبير الفكرية.
وتؤكد الأحداث أن الوسط الأكاديمي يفتقر إلى إطار واضح وفعّال لإدارة هذا النوع من الأزمات، ما يفتح الباب أمام قرارات ارتجالية تستند إلى ضغوط سياسية وإعلامية (في هذه الحالة من قبل اللوبي الإسرائيلي وواجهاته المتعددة) أكثر مما تستند إلى مبادئ الحرية الأكاديمية أو المعايير القانونية الدقيقة. ويبرز هذا التوتر الحاجة إلى سياسات أكثر توازنًا تسمح بحماية الطلبة دون التضحية بالنقاش الحر.
وقد تتحول هذه القضية إلى سابقة قانونية مهمّة، كونها تتحدى لأول مرة دستورية اعتماد تعريف IHRA ضمن تشريعات فيدرالية تتعلق بالتمييز. وإذا ما قررت المحاكم النظر بجدية في هذا الطعن، فقد يعاد رسم الإطار القانوني الذي تستند إليه الجامعات في تنظيم الخطاب السياسي، بما يغيّر ممارساتها على المستوى الوطني.

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *