لماذا نحذر من ظاهرة خطيرة تتوسع إسمها الاعتذارات الإسرائيلية وقبول بعض الحكومات العربية لها؟ وما هدف ترامب الحقيقي من وراء تبنيها ودعمها؟
عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان
من الظواهر الغريبة اللافتة للنظر هذه الأيام ولا تعتبر مهينة فقط، وخارجة عن المألوف، بل وتمثل مرحلة الغطرسة الإسرائيلية، والخنوع العربي في المقابل، وربما تمهد لما هو أخطر.
نحن نتحدث هنا عن ظاهرة “الاعتذارات” من قبل مسؤولين إسرائيليين لحكومات عربية بضغوط أمريكية، ومن المؤلم ان الجانب العربي، لا يرفضها بل يقبلها، او يصمت صمت الرضا عنها، وكأنها صادرة من طرف “صديق عزيز”، ارتكب خطأ صغيرا، وجد من الضروري الاعتذار منه للحفاظ على الود، والعلاقات الطيبة بين الجانبين.
فبعد اعتذار بنيامين نتنياهو للشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس وزراء ووزير خارجية دولة قطر، بأمر مباشر من الرئيس دونالد ترامب عن اقدام طائراته بقصف اهداف في الدوحة بهدف اغتيال المجاهد خليل الحية وقادة آخرين من حركة “حماس”، ها هو سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي يعتذر للمملكة العربية السعودية وقيادتها وشعبها على منصة “اكس” عن تصريحات قال انها “مؤسفة” ادلى بها في وقت سابق ووجه فيها انتقادات الى المملكة قائلا “اذا كان ثمن التطبيع مع السعودية هو قيام دولة فلسطينية مستقلة، فانه يرفض ذلك وعلى السعوديين ان يعودوا الى ركوب الجمال فوق رمال الصحراء، ونحن نواصل التطور الاقتصادي والمجتمع والدولة، وكل الأمور العظيمة الرائعة التي نعرف كيف نفعلها”.
كان لافتا ان السلطات السعودية لم تعر هذه التصريحات أي اهتمام، ولم تهبط الى مستواها، وقائلها، والرد عليها أولا، وقبول الاعتذار عنها ثانيا، بينما تولى الرئيس ترامب الرد على الهجوم الإرهابي الإسرائيلي على دولة قطر، وذكرت عدة مصادر إعلامية، ان البيت الأبيض هو الذي صاغ نص الاعتذار، واملاه على نتنياهو وأمره بالاتصال رئيس الوزراء القطري (وليس الأمير تميم) وقراءته حرفيا، والحق بذلك بتوقيع أمر تنفيذي تعهد فيه بضمان أمن قطر بما في ذلك استخدام القوة العسكرية اذا ما تعرض البلد الخليجي الى هجوم مماثل في المستقبل.
كنا، وما زلنا، نتمنى ان ترفض القيادات العربية قبول هذه الاعتذارات بالمطلق، فهي ليست للاعتذار على “زلة لسان” ومن دولة صديقة، وانما من عدو يحتل الاراضي العربية، ويقتل اكثر من 70 الفا ويصيب اكثر من ربع مليون من أهلنا، ويدمر 95 بالمئة من المنازل والمباني في قطاع غزة، ويقتحم باحات المسجد الأقصى بصفة شبه يومية تمهيدا لتهويده.
نتنياهو الذي قرأ الاعتذار مكرها، ارسل طائراته الامريكية الصنع لانتهاك سيادة وأمن دولة عربية، وبهدف اغتيال قيادة “حماس” المقيمة فيها بطلب امريكي، وبهدف المشاركة في مفاوضات سلام برعاية أمريكية لوقف الحرب، وادت هذه الغارة الى استشهاد ستة اشخاص أحدهم ضابط أمن قطري، فماذا سيفيد هذا الاعتذار، هل سيعيدهم الى الحياة؟
ضغط الرئيس ترامب على نتنياهو وإجباره على الاعتذار كان محاولة للتغطية على خذلانه لدولة قطر التي تعتبر من أكبر حلفاء بلاده في المنطقة التي توجد على ارضها قاعدة العيديد، ومن أبرز مهامها توفير الحماية للدولة المضيفة من أي عدوان يستهدفها، ويهدد سيادتها وأمنها، فالرئيس ترامب اكتفى بصياغة الاعتذار، ولم يفرض أي عقوبات على الدولة الإرهابية المعتدية.
القبول العلني او المستتر لهذه الاعتذارات من دولة تمارس حرب الإبادة والتجويع، ويصوت برلمانها على ضم الضفة الغربية، ويجري جيشها مناورات عسكرية مكثفة استعدادا لشن هجوم كاسح على لبنان، قد يعطي “شرعية” لهذا العدو، ويكرس نوعا من التواصل، والتطبيع، وظاهرة جديدة ربما تسود في المنطقة لاحقا تقول مفرداتها “نحن سنهاجم ونقتل، ونتطاول ثم نتقدم بالاعتذار.. وهكذا تعود المياه الى مجاريها ويا بيت ما دخلك شر”.
لا يعيبنا كعرب ومسلمين، ان نعود الى رعاية الجمال والاغنام في قلب الصحراء ورمالها، ويكفي ان نذكّر نتنياهو وسموتريتش ان أحفاد هؤلاء الرعاة هم الذين خططوا ونفذوا لـ”طوفان الأقصى” أعظم اختراق عسكري واستخباري لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وغيروا تاريخ المنطقة، ونسفوا هيبة دولة الاحتلال وجيشها وجعلهم منبوذين من مختلف شعوب العالم، كما ان صواريخهم الفرط صوتية والانشطارية الرؤوس أرسلت اكثر من 7 ملايين من الإسرائيليين الى الملاجئ بضفة شبه يومية، والأيام القادمة ربما تكون حافلة بالمفاجآت الصادمة لنتنياهو وبن غفير وسموتريتش الى آخر القائمة من المتغطرسين مصاصي الدماء.. والنصر صبر ساعة.. والأيام بيننا.
