استنتاجات لجنة التحقيق المستقلة للأمم المتحدة الصارخة : إسرائيل ترتكب إبادة جماعية

واشنطن – سعيد عريقات
قالت نافي بيلاي، رئيسة لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وإسرائيل، إن نتائج لجنتها توصلت إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة ، ويجب أن تُوقف عند حدها.
وفي مقال رأي نشرته لها صحيفة “نيويورك تايمز”، أشارت فيه إلى أن نيلسون مانديلا ، زعيم جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا طلب منها، عام 1995، أن تشغل منصب قاضية في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا “وقد أدانت الهيئة القضائية التي ترأستْها ثلاثة روانديين بارتكاب إبادة جماعية”.
لذا، تقول بيلاي، أفهم كلمة “إبادة جماعية”، وهي كلمة لا أستخدمها باستخفاف. إنها محاولة متعمدة لتدمير شعب، كليًا أو جزئيًا. إنها تمثل أخطر انتهاك لإنسانيتنا المشتركة، وأخطر خرق للقانون الدولي.
وتشير بيلاي في مقالها إلى إصدار ونشر لجنة الأمم المتحدة التي تترأسها، تحليلها القانوني لسلوك إسرائيل في قطاع غزة يوم الثلاثاء، 16 أيلول 2025. وتقول “استنتاجنا صارخ: إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة. ويستند هذا الاستنتاج إلى تحقيقات وأدلة واسعة النطاق في الفترة ما بين 7 تشرين الأول 2023، عندما بدأت الحرب، و31 تموز 2025. وقد تم تأكيده من مصادر متعددة وتقييمه من خلال الإطار القانوني الصارم لاتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية لعام 1948، التي تُعد إسرائيل طرفًا فيها”.
أيشار إلى أن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، أنشأت من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عام 2021. ويشرف عليها خبراء معينون يدعمهم موظفون من الأمانة العامة للأمم المتحدة. وترفع اللجنة نتائجها إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة.
وتتحدث بيلاي عن حجم دمار وحشي ولا يوصف ، فقد قُتل أكثر من 64,000 فلسطيني، من بينهم أكثر من 18,000 طفل وحوالي 10,000 امرأة، وفقًا لمسؤولي الصحة في غزة. كما انخفض متوسط العمر المتوقع في غزة من 75 عامًا إلى ما يزيد قليلاً عن 40 عامًا في عام واحد، وهو أحد أشد الانخفاضات المسجلة. ودُمّرت المستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد وأحياء بأكملها. وخلص تحليلنا إلى أن التجويع قد استُخدم كسلاح حرب وأن النظام الطبي قد دُمر عمدًا. وقُوّضت رعاية صحة الأم بشدة. وتعرض الأطفال للتجويع وإطلاق النار والدفن تحت الأنقاض.
ووفقًا لليونيسف، يموت طفل كل ساعة في غزة، و”هذه ليست حوادث حرب، بل هي أفعال مُدبرة لإحداث دمار شعب. إن إثبات الإبادة الجماعية لا يتطلب الفعل فحسب، بل يتطلب أيضًا النية. وهنا أيضًا، الدليل واضح. لقد قام كبار القادة الإسرائيليين، بمن فيهم الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق، بتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم.
يشار إلى أن يوآف غالانت، وزير الدفاع وقت هجمات 7 تشرين الأول قال: “نحن نقاتل حيوانات بشرية”، بينما أعلن الرئيس إسحاق هرتسوغ أن الشعب الفلسطيني بأكمله مسؤول” ونفذوا أقوالهم بالأفعال: قصف عشوائي جعل غزة غير صالحة للسكن، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، وعنف جنسي وعنف قائم على النوع الاجتماعي، وحصار خلصنا إلى أنه مُصمم لتجويع السكان حتى الموت. تُشكل هذه الأمور مجتمعةً نمطًا يُظهر نية الإبادة الجماعية.
كما وجدت اللجنة أن فلسطينيين قُتلوا أثناء سعيهم للحصول على الطعام في مواقع التوزيع التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية GHF، الكيان المدعوم من إسرائيل والولايات المتحدة والذي حل إلى حد كبير محل شبكة المساعدات القائمة. وأُطلق النار على المئات، بمن فيهم أطفال، أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات.
تشير بيلاي في مقالها إلى البعض يجادل بأن مصطلح “إبادة جماعية” أخطر من أن ينطبق بينما تستمر حرب إسرائيل. لكن القانون صريح: ينشأ الالتزام بمنع الإبادة الجماعية لحظة ظهور خطر جسيم. وقد تم تجاوز هذه العتبة منذ زمن بعيد في هذه الحرب. في كانون الثاني 2024، أخطرت محكمة العدل الدولية جميع الدول بوجود خطر جسيم بارتكاب إبادة جماعية في غزة. ومنذ ذلك الحين، ازدادت الأدلة وضوحًا، وتضاعفت عمليات القتل
وتشرح بيلاي : “ماذا يعني هذا للمجتمع الدولي؟ يعني أن التزاماته ليست اختيارية. على كل دولة التزام بمنع الإبادة الجماعية أينما وقعت. يتطلب هذا الالتزام اتخاذ إجراءات: وقف نقل الأسلحة والدعم العسكري المستخدم في أعمال الإبادة الجماعية، وضمان تقديم المساعدة الإنسانية دون عوائق، ووقف النزوح الجماعي والدمار، واستخدام جميع الوسائل الدبلوماسية والقانونية المتاحة لوقف القتل. إن عدم القيام بأي شيء ليس حيادًا، بل تواطؤ”.
وتبرر بيلاي مقالها قائلة :”لا أكتب هذه الكلمات بصفتي خصمًا لإسرائيل. أُدرك معاناة الإسرائيليين الذين فقدوا أحباءهم في هجمات حماس المروعة في 7 تشرين الأول، والتي أودت بحياة نحو 1200 شخص، وألم عائلات حوالي 50 رهينة لا يزالون في الأسر، بمن فيهم حوالي 20 شخصًا يُعتقد أنهم على قيد الحياة. لقد وثّقت لجنتنا جرائم حماس. لكن لا توجد جريمة، مهما بلغت خطورتها، تُبرر الإبادة الجماعية. إن الرد على الفظائع بفظائع هو تخلٍّ عن القيم ذاتها التي وُضع القانون الدولي لحمايته”ا.
وتحذر بيلاي أن التاريخ سيحكم على كيفية استجابة العالم. ففي رواندا، لم يمنع المجتمع الدولي الإبادة الجماعية، ولم يتدخل لوقف القتل بمجرد بدء الإبادة الجماعية. واليوم، يفشل المجتمع الدولي مرة أخرى في التصرف – هذه المرة، في غزة. تُنشر الحقائق يوميًا. والتحذيرات لا لبس فيها. والقانون واضح. والمخاطر، وبقاء شعب، لا يمكن أن تكون أعلى من ذلك.
إن واجب منع الإبادة الجماعية لا يقع على عاتق الدول فحسب، وفق ما تقوله بيلاي: “بل يقع أيضًا على عاتق النظام الدولي ككل. يجب ألا يكون مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مقبرة للضمير. على المنظمات الإقليمية والبرلمانات الوطنية والمجتمع المدني والمواطنين العاديين جميعًا أن يلعبوا دورًا في الضغط على الحكومات للتحرك. وُلدت اتفاقية الإبادة الجماعية من رماد المحرقة بتعهد رسمي: “لن يتكرر ذلك أبدًا”. هذا التعهد لا معنى له إذا انطبق على البعض فقط دون الآخرين”.
وتنهي بيلاي مقالها مناشدة : “أحث كل حكومة وكل قائد وكل مواطن على التساؤل: ماذا سنقول عندما يسأل أبناؤنا وأحفادنا عما فعلناه بينما كانت غزة تُحرق بالكامل؟ كل فعل إبادة جماعية هو اختبارٌ للإنسانية التي تربطنا. إن منع الإبادة الجماعية ليس مسألةً تقديريةً للدول، بل هو التزامٌ قانونيٌّ وأخلاقيٌّ لا يقبل أيَّ تأخير. القانونُ يقتضي العملَ، وإنسانيتنا المشتركةُ تقتضي ذلك”.