ترمب يعزز دعمه لإسرائيل، لكن ليس نتنياهو الذي يشعر بالإحباط بسببه

ترامبترامب
واشنطن – سعيد عريقات
أشارت صحيفة “بوليتيكو” في تقرير لها إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سارع إلى إدانة مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن، ووصف نفسه بأنه الرئيس الأكثر تأييدًا لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة، “لكن خلف الكواليس، ثمة خلاف متزايد بينه وبين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو”.
وبحسب ما قاله خمسة مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين للصحيفة، فإن علاقة ترمب ونتنياهو شهدت توترًا في الأسابيع الأخيرة، نتيجة اختلافهما حول كيفية التعامل مع أزمات الشرق الأوسط المتعددة، ومن غير المرجح أن يُغير قتل موظفي السفارة الإسرائيلية المروع في واشنطن هذا الوضع.
في حين يقول مسؤولون أميركيون وإسرائيليون إنه من المبالغة وصف الوضع الحالي بأنه قطيعة، إلا أن عددًا متزايدًا من الأشخاص في إدارة ترمب يشعرون بالإحباط من إسرائيل ونهجها تجاه واشنطن والشرق الأوسط، وفقًا للمسؤولين.
وقال مسؤول سابق في إدارة ترمب: “هناك كادر في الإدارة لا يهتم بإسرائيل بشكل خاص، وليس لديهم أي ارتباط خاص بها. إنهم ينظرون إليها كشريك، ولكن ليس كشريك ينبغي علينا بذل قصارى جهدنا لتقديم خدمات له”.
ومما يزيد الطين بلة بحسب “بوليتيكو” هو “نهج نتنياهو تجاه العلاقة مع الولايات المتحدة، الذي يفتقر إلى الاحترام والفخامة والطابع الرسمي الذي قدّره ترمب وفريقه في التعامل مع شركاء آخرين في الشرق الأوسط”.
وقال مصدر مقرب من البيت الأبيض إن كثيرين في الإدارة يشعرون أن “بيبي (نتنياهو) هو الشخص الأصعب في التعامل معه بشأن كل هذه الملفات”.
وهذا خلاف من غير المرجح أن يُغيره إطلاق النار المميت الذي وقع يوم الأربعاء على اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية على يد ناشط مؤيد للفلسطينيين. ويبدو أن ترمب يرى في عمليات القتل هذه مؤشرًا على الحاجة إلى مزيد من القمع لمعاداة السامية في الولايات المتحدة. وقال مسؤول في الإدارة إن آراء ترمب بشأن إسرائيل ومعاداة السامية “أمور مختلفة”.
ويتخذ المسؤولون الإسرائيليون نهجًا معاكسًا، إذ يصفون هجوم يوم الأربعاء بأنه فتح جبهة جديدة في حرب الشرق الأوسط الأوسع، بما في ذلك من حماس في غزة وإيران ووكلائها في أماكن أخرى على حدودها.
وأعلن مكتب نتنياهو أنه تحدث مع ترمب يوم الخميس، وأن الرئيس “أعرب عن حزنه العميق إزاء جريمة القتل المروعة في واشنطن التي راح ضحيتها موظفان في السفارة الإسرائيلية”. كما ناقشا إيران والحرب في غزة، وفقًا لرواية إسرائيل عن المكالمة.
لكن الشعور السائد داخل البيت الأبيض هو أن الإسرائيليين يطالبون الولايات المتحدة باستمرار بالمزيد، حتى مع عدم تحقيق العلاقة بين الطرفين المكاسب الدبلوماسية السريعة التي يسعى إليها ترمب وفريقه.
وقال المسؤول السابق في الإدارة: “نتنياهو من أولئك الذين يضغطون باستمرار، وهذا قد يُغضب ترمب”.
وضغطت إدارة ترمب على نتنياهو وحكومته للسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى قطاع غزة المُدمر. وقد وضع ترمب مسافة بينه وبين الحكومة الإسرائيلية، إذ توصل إلى وقف إطلاق نار مع الحوثيين في اليمن استثنى إسرائيل، وتحدى معارضة نتنياهو في محاولته التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي. كما اعتبر الكثيرون قرار ترمب بعدم زيارة إسرائيل في رحلته الأخيرة إلى الشرق الأوسط بمثابة ازدراء علني.
إذا دفع الهجوم خارج المتحف اليهودي في العاصمة واشنطن إدارة ترمب إلى اتخاذ إجراءات إضافية، فمن المرجح أن يكون ذلك على الصعيد المحلي.
وأعطى ترمب الأولوية للحد من معاداة السامية في الجامعات، وهي إجراءات تحظى بشعبية في أوساط المؤيدين لإسرائيل واليهود. تتفق فرقة عمل من جامعة هارفارد وتقييمات مستقلة أخرى على وجود قضايا يجب معالجتها، لكن العديد من النقاد يعتبرون نهج الإدارة متشددًا وليس في محله.
تقول الإدارة ومؤيدوها إن الإجراءات – حتى المتطرفة منها مثل إجراءات الترحيل – ضرورية لاجتثاث المشاعر المعادية للسامية التي ترسخت في المدارس والجامعات. تفاقمت هذه المشاعر منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023. ومن المؤكد أن هجوم الأربعاء سيضيف المزيد من المبررات لجهود الإدارة.
وقد يسمح تركيز البيت الأبيض على معاداة السامية لترمب بالرد على الهجوم المميت مع فصله عن الأسئلة الأوسع التي تلوح في الأفق بشأن علاقته الثنائية مع إسرائيل.
يشار إلى أن ترمب وصل إلى السلطة على أمل أن يحقق الملف الإسرائيلي مكاسب سريعة، بما في ذلك التطبيع الذي طال انتظاره بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وقد أرسل مبعوثه الخاص، ستيف ويتكوف، للمساعدة في التوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس حتى قبل تنصيبه، فيما بدا أنه انتصار مبكر.
لكن النجاح كان قصير الأمد، حيث خرق نتنياهو وقف إطلاق النار باستئناف الحرب يوم 18 آذار الماضي، بعد أن أحكم حصارا خانقا على غزة ، ولم يسمح بدخول أي مساعدات إنسانية لغزة منذ 2 آذار ، كما أوضحت الرياض أن التطبيع لن يحدث دون إنهاء دائم للقتال واتخاذ خطوات مهمة نحو إقامة دولة فلسطينية – وهي تنازلات لا يقبل بها نتنياهو على الإطلاق.
تقول الصحيفة أنه : “مع إضعاف حماس وتراجع إيران، يرى الكثيرون في إدارة ترمب فرصة لإنهاء القتال في غزة والتوصل إلى اتفاق مع طهران بشأن برنامجها النووي. في هذه الأثناء، يريد نتنياهو المضي قدماً في الحرب، ويعارض محاولات الولايات المتحدة التوسط في اتفاق مع إيران”.
وبحسب تقرير “بوليتيكو” ، فقد تلقى ترمب بشكل متزايد نصائح متباينة حول كيفية تعامله مع إسرائيل، وفقًا لمسؤول حالي في الإدارة ومسؤول سابق. يتشارك وزير الخارجية ماركو روبيو، ونائب رئيس الأركان ستيفن ميلر، ومدير وكالة المخابرات المركزية جون راتكليف، في وجهات نظر مؤيدة لإسرائيل، بينما دعت مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد إلى نهج أكثر تحفظًا مع الحليف الأميركي. ونتيجة لهذا الانقسام، التزم ترمب الصمت تجاه إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، وفقًا لمسؤول الإدارة الحالي.
إلى جانب علاقة ترمب الشخصية المتوترة مع نتنياهو، هناك عوامل أخرى تفسر تحول ولاءاته في الشرق الأوسط، والتي برزت بشكل واضح في أول جولة خارجية رئيسية للرئيس، والتي شملت زيارات إلى حلفاء عرب في الخليج، ولكن ليس إلى إسرائيل.
وبحسب الصحيفة، قال أحد المقربين من فريق الأمن القومي للرئيس: “إنه أكثر التزامًا في الوقت الحالي تجاه السعوديين والإماراتيين منه تجاه إسرائيل، وهو أمر مدهش نوعًا ما، ولكنه صحيح”. وأشار هذا الشخص إلى أن الحلفاء العرب “يلعبون لعبته – يكتبون شيكات كبيرة – وهم يدعمون المحادثات النووية مع إيران”. وبينما أيّد ترمب في البداية قرار نتنياهو بتصعيد هجومه على غزة، إلا أنه ازداد إحباطًا من الصراع.
ويرجع ذلك، كما قال الشخص المقرب من فريق الأمن القومي لترمب، إلى أنه يرى الحرب عائقًا أمام رؤيته لإعادة إعمار غزة وتوسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم التي طبّعت بموجبها عدة دول عربية علاقاتها مع إسرائيل. إلا أن السعوديين رفضوا اتخاذ هذه الخطوة بينما تخوض إسرائيل حربًا مع حماس. وأضاف: “هناك الكثير مما يُفسر هذا التحول” نحو الحلفاء العرب والابتعاد عن إسرائيل. “يمكنه دائمًا إعادة تقييم موقفه مع بيبي، لكن هذا الأمر يتطور منذ بعض الوقت”.