خطة ترامب لتهجير أهل غزة ليست قدرا.. وتوحيد الصف الفلسطيني أول حجر في حائط الصد

اسيا العتروس
اسيا العتروس
لا خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة قدرا و لا هشاشة و ضعف الموقف العربي قدرا ازليا أيضا …هناك محطات في تاريخ الشعوب يجب أن تشكل نقطة تحول للخروج من دائرة الضياع و التلاشي و الاكيد أن ما نشهده من ابتزاز من الرئيس الامريكي لتهجير أهل غزة قسرا من أرضهم و ارتكاب أبشع جريمة ابتزاز يقودها رئيس أكبر دولة في العالم يجب أن تكون منعرجا حاسما لاستعادة البوصلة المفقودة …عمليا لا يمكن لترامب و لا لاي قوة في العالم تهجير مليوني فلسطيني عن ارضهم قد يتمكنون من تهجير بضع مات أو الاف بتضييق الحصار من حولهم بتجويعهم بحرمانهم من أبسط مقومات الحياة و هو ما يحدث حاليا لان الهدنة لم تسمع بعودة نسق المساعدات الانسانية الى ما يجب لأن يكون عليه , قد يتمكنون من اغراء البعض او استمالة بعض ما ستصبح الحياة عندهم في غزة اقرب الى المستحيل و لكن لم يذهبوا الى أبعد من ذلك ..
ما يقوم به ترامب من خلال التلويح بترحيل أهل غزة و تحويل القطاع الى منتجع سياحي أمريكي هو بالدرجة الاولى محاولة خبيثة لانقاذ ناتنياهو مجرم الحرب من أي مسؤولية ازاء ما صنعه جيش الاحتلال بغزة و هو ايضا لقطع الطريق أمام أي خطوة من جانب الجنائية الدولية باتجاه محاكمة مجرمي الحرب في حكومة ناتنياهو كما أن هذه المبادرة الشيطانية التي خرج بها ترامب هي مدخل له لسحب الرئيس الروسي بوتين للتفاوض حول الحرب في اوكرانيا و اقتسام المشهد بين الجانبين على ان تتولى ادارة ترامب مرحلة ما بعد الحرب في غزة و ينهي بوتين حربه في اوكرانيا محتفظا بما تمكن من السيطرة عليه خلال الحرب .
الحاضر الغائب في المشهد الراهن هو الموقف الفلسطيني و هو المعني الاول بخطة ترامب ما يعني أن هذا الاجماع الفلسطيني و العربي و الدولي و الانساني على رفض خطة ترامب الاحتلالية العنصرية يجب أن يكون مشفوعا بموقف فلسطيني موحد بين جميع الفصائل على مواجهة استحقاقات أخطر مرحلة في تاريخ القضية الفلسطينية بعد حرب ابادة استمرت خمسة عشرة شهرا وقف العالم و القوانين الدولية التي وضعت لفرض الامن و السلم في العالم عاجزة عن تحقيق العدالة و انقاذ المستضعفين من الة القتل المدمرة التي اجتمعت على غزة و أهلها ..أول الخطوات المطلوبة اليوم ان يتكلم الفلسطينيون بصوت واحد و ان يسحبوا البساط امام كل الرهانات على خلافات و صراعات الاخوة الاعداء في تمرير صفقة ترامب التي تعكس جنونا ديبلوماسيا غير مسبوق في الدوس على القانون الدولي و الاستعاذة عنه بما يسميه ترامب بالقانون الامريكي و هذا ايضا يفترض أنه خرق فاضح يستوجب تحرك الجمعيات و المنظمات الحقوقية والمؤسسات الامريكية ضد خطوة ترامب و هذا لا يتحقق دون تحرك فلسطيني يجمع كل الاطراف و الجمعيات الحقوقية و السياسية الفلسطينية و تتحرك له اللوبيات الحقوقية عربية او افريقية او امريكية لفضح لا قانونية و عنصرية قرار الرئيس الامريكي في بلد يقوم على المؤسسات و القوانين ..
منذ البداية لم تكن حرب الابادة التي عاشت على وقعها غزة طوال خمسة عشرة شهرا حربا كلاسيكية بين جيشين متوازيين بل كانت حرب اجتمعت فيها كل امكانيات العالم في مواجهة حركة حماس التي مهما تختلف او تتفق الاراء بشأن تبقى حركة مقاومة مسلحة تحت الحصار منذ عقود ..لهذا السبب و لغيره ايضا نعتبر أن المكالمة الهاتفية التي جمعت بين الرئيس الامريكي دونالد ترامب و صديقه اللدود فلاديمير بلوتين والتي استمرت نحو ساعة تعكس توجها واضحا لديبلوماسية الصفقات بين واشنطن و موسكو بمقتضاها يتجه ترامب الى التخلص من اعباء الحرب الروسية في اوكرانيا وتحميل اوروبا و توريطها في تمويل هذه الحرب الى ما لانهاية وفي مقابل وضع بوتين اليد العليا في الحرب على اوكرانيا يكون ترامب قد تفرد بالشرق الاوسط ليواصل تحديد خارطة المنطقة وفق طموحات ناتنياهو واحلامه التوراتية بما في ذلك تحديد ملامح سوريا الجديدة ولبنان , وبالطبع لن تكون مصر و الاردن بمعزل عن حسابات ترامب الذي سيجد في المساعدات العسكرية الامريكية الى مصر والاردن ضالته لفرض خطته المعلنة لتهجير الفلسطينيين من غزة واستبق ترامب هذه الخطوة بالاعلان عن ايقاف برنامج المساعدات الامريكية USAID واعتبارها اهدار للاموال و الثروات الامريكية لصالح دول معارضة لسياسة بلاده .. وسيكون من المهم التعاطي مع خطة ترامب بجدية مطلقة عربيا ودوليا فقد أثبتت التجربة أن ترامب ليس ممن يطلق بالونات الاختبار وأن الوافد العائد الى البيت الابيض يتعامل مع كل العالم كما يتعامل الطفل المدلل مع واليدين لا يرفضان له طلبا.
ولكن سيكون من الخطء اعتبار أن خيارات ترامب اعتباطية أو غير مدروسة بل على العكس من ذلك هو يعرف جيدا تداعيات و انعكاسات هذه الخطوة و ما يمكن ان تثيره من ردود أفعال في الداخل والخارج بالنظر الى أنها تلغي كل القوانين الدولية المتعارف عليها كما تلغي ايضا الاتفاقات الثنائية الامريكية مع الدول المعنية و بينها مصر والاردن علما و ان المساعدات السنوية المخصصة لمصر منذ اتفاقية كامب دافيد في 1978 ارتبطت باتفاقية السلام بين مصر و اسرائيل برعاية الرئيس جيمي كارتر بعد ان قاطعت مثر كل الدول العربية و اختارت تحقيق السلام منفردة والامر ذاته ينسحب مع الاردن بعد توقيع اتفاقية وادي عربة في 1994 التي قبلت باتفاقية السلام مع هذا الكيان و الذي تضم في جزء منه بقاء و استمرار هذه المساعدات لفائدة الاردن طالما بقي اتفاق السلام قائما و هو ما يعني صراحة ان مصر والاردن في حل من هذه الاتفاقات في حال ايقاف هذه المساعدات ..وقناعتنا ان الرئيس ترامب يدرك جيدا هذا الامر و يدرك ايضا الانعكاسات المحتملة لوقف هذه المساعدات و لكنه و هنا مربط الفرس يدرك أيضا أن هذه الاتفاقيات لم تكن وفق مبدأ الند للند و بالتالي فان الاطراف المعنية لم تنتبه ربما عندما خاطرت بتوقيع اتفاقيات السلام مع هذا الكيان أن تصبح حبيسة هذه المساعدات و يتحول قرارها و سيادتها الى رهينة لمهندس الاتفاق ..
السؤال المطروح الاخم كيف يمكن التعاطي مع المخاطر الكبرى لقرارات ترامب بترحيل سكان غزو ؟أولا لا يجب الاستهانة بما يقوله ترامب فالواضح أنه يحرث لصالح ناتنياهو و لن يتوانى عن خدمته لحمايته من الملاحقة و تهيئة الارضية أمامه لتحقيق حلم اسرائيل الكبرى ..لا خلاف أنه ليس بلعن الزمان الذي نحن فيه و لا أيضا باعتبار وكأن وعد ترامب حاصل يمكن مواجهة هذا الموقف الارعن و الظالم الذي سيتصدى له الفلسطينيون و في المقدمة أهل غزة مهما كانت الضغوط و الابتزازات و سيكون الحد الادنى المطلوب في عدم تكرار الخذلان المسبوق ازاء جريمة الابادة في غزة و دعم قدرات اهل القطاع على الصمود و البقاء و عدم القبول بغلق المعابر و التعجيل بنقل المساعدات الانسانية و كل ما يحتاجه القطاع لاعادة بناء و اعمار ما تهدم ..و سيكون من المهم الاعتراف أنه لولا الخذلان و التواطئ و التامر على غزة لما كان لترامب أن يجاهر بخطوته الخبيثىة لتهجير أهل غزة …
كاتبة وصحفية تونسية