ترامب يطلق العنان للفوضى في العالم متعمدًا: اخلقْها ثم رتّبها لاحقًا
![ترامب يطلق العنان للفوضى في العالم متعمدًا: اخلقْها ثم رتّبها لاحقًا](https://alentesharnewspaper.com/wp-content/uploads/2025/02/07008733-bc5d-40b5-b42d-658336d8fe4a_16x9_1200x676.webp)
ترامب
أصبح السعوديون غاضبين، والدنماركيون في حالة هياج، وكولومبيا تراجعت، بينما تستعد المكسيك وكندا لحرب رسوم جمركية مع الولايات المتحدة. أما بكين، فقد أطلقت حربها التجارية مع واشنطن ردًا على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم بنسبة 10% على المنتجات الصينية. وحتى البريطانيون، الذين طالما افتخروا بـ”علاقاتهم الخاصة” مع الولايات المتحدة، لجأوا إلى تقاليدهم في الدبلوماسية الهادئة للتعامل مع سياسات وأفكار ترامب.
يبدو المشهد العالمي وكأن ترامب ألقى كيسًا من الزجاج المكسور تحت أقدام زعماء العالم، الذين اعتادوا التعاون لثمانية عقود في إطار النظام العالمي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية.
خبير: تصرفات ترامب تشير إلى تحول دائم في المشهد السياسي، وليست مجرد تغيير مؤقت سيعود إلى طبيعته بعد أربع سنوات
بات على الجميع التعامل يوميًا مع تصريحات ترامب، حتى أن رئيس وزراء أستراليا، أنطوني ألبانزي، قال، عند سؤاله عن رأيه في إعلان ترامب أن الولايات المتحدة ستستولي على قطاع غزة وتحوله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”:
“لن أقدم، بصفتي رئيس وزراء أستراليا، تعليقًا يوميًا على تصريحات الرئيس الأمريكي”.
سواء اعترف قادة العالم بذلك علنًا أم لا، فإنهم يراقبون نهج ترامب المتسلط تجاه مؤسسات الحكم الأمريكية، ويتساءلون عن دور الولايات المتحدة في النظام الدولي بعد الحرب الباردة. ما الذي سيحدث لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والأمم المتحدة، والبنك الدولي، وغيرها من ركائز النظام الدولي؟
لطالما شكك ترامب في قيمة الناتو، وهدد بعدم الدفاع عن الدول الأعضاء التي تفشل في زيادة إنفاقها العسكري إلى المستوى الذي يطالب به.
وفي أول يوم له في المكتب البيضاوي بعد إعادة انتخابه، قرر ترامب الانسحاب من منظمة الصحة العالمية للمرة الثانية، وهو قرار يترك المنظمة الدولية بدون أكبر ممول لها.
قادة منظمة الصحة العالمية سارعوا للرد، وطالبوا دول العالم بالضغط على واشنطن لإلغاء القرار. وقال مبعوث ألماني بقلق: “السقف يحترق”.
كتب هيثر هرلبورت، خبير الشؤون الدولية والسياسية في معهد “تشاتام هاوس” البريطاني، في تحليل له: “تصرفات ترامب تشير إلى تحول دائم في المشهد السياسي، وليست مجرد تغيير مؤقت سيعود إلى طبيعته بعد أربع سنوات”.
أي شخص يعتمد على المساعدات الأمريكية للحصول على الغذاء أو الدواء، سيواجه مخاطر كبيرة بعد قرار ترامب إلغاء هيئة المعونة الأمريكية، التي كانت تعمل منذ ستة عقود على استقرار الدول الفقيرة من خلال تقديم المساعدات الغذائية.
ورغم ذلك، تقول أريانا قصي مصطفى، من تجمع “شبكة نساء كوسوفو” الذي يضم 140 منظمة غير حكومية:
“نحن صامدون، وسنحاول بذل أقصى جهد ممكن لمواصلة تقديم المساعدات للمحتاجين”.
بعد إعادة انتخابه، وبمساعدة “صديقه الرئاسي”، الملياردير إيلون ماسك، أطلق ترامب العنان لفوضى سياسية عالمية، مستغلًا وتيرة سريعة من الأوامر الرئاسية والتصريحات التي تجعل من المستحيل على أي معارضة مواجهتها.
ما يحدث هو ما يسميه مستشارو ترامب “إغراق المنطقة”، حيث تُطلق قرارات متتالية بوتيرة تمنع أي رد فعل فعال.
“فافو” (FAFO)، اختصار لعبارة تعني “اخلق الفوضى، ثم رتبها لاحقًا”، لكنه استبدل كلمة “فوضى” بأخرى أكثر حدة. وقد نشر ترامب هذا الاختصار على وسائل التواصل الاجتماعي، مصحوبًا بصورته مرتديًا قبعة “فيدورا” وقميصًا مخططًا.
كولومبيا مثال واضح على أسلوب الإجبار الذي يمارسه ترامب. فقد حاول رئيسها لفترة وجيزة رفض استقبال طائرات أمريكية تُعيد مهاجرين غير شرعيين، لكن ترامب هدد بفرض رسوم بنسبة 50% على صادرات كولومبيا، فاضطر الرئيس الكولومبي إلى التراجع عن موقفه والموافقة على طلب ترامب.
هذا الأسلوب أرضى أنصار ترامب، الذين خرجوا لدعمه في انتخابات 2024، متأثرين بقلقهم حول الاقتصاد وأوضاعهم المالية.
ويتحدث ترامب عن الاستيلاء على غرينلاند وقطاع غزة كما لو كانا ملكًا معروضًا للبيع.
أما بشأن غزة، فرغم نفيه استخدام الجيش الأمريكي لتهجير الفلسطينيين، فإنه متمسك بخطته لتهجيرهم وتحويل القطاع إلى منتجع سياحي فاخر.
حتى أصدقاء الولايات المتحدة، مثل بريطانيا والسعودية والصين، يعارضون خطته بشدة. وقد أعلنت السعودية رفضها المطلق للخطة، في حين أن وقف إطلاق النار الهش بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد ينهار تمامًا بسببها.
عندما تحدث ترامب عن إمكانية استيلاء الولايات المتحدة على جزيرة غرينلاند الدنماركية، ردت رئيسة وزراء الدنمارك، ميت فريدريكسن، بقولها: “لسنا حلفاء سيئين.” وذلك ردًا على تصريحات نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، الذي قال إن “الدنمارك ليست حليفًا جيدًا”، مكررًا كلام ترامب بأن “الاستيلاء على جرينلاند ممكن”.
ما يحدث هو ما يسميه مستشارو ترامب “إغراق المنطقة”، حيث تُطلق قرارات متتالية بوتيرة تمنع أي رد فعل فعال
مشاعر القلق تتزايد بين قادة أوروبا، وهو ما ظهر خلال القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل، التي كان من المفترض أن تبحث زيادة الإنفاق الدفاعي والتصدي للتهديد الروسي، لكنها تحولت إلى نقاشات حول تهديدات ترامب.
قال رئيس وزراء بولندا، دونالد تاسك: “علينا فعل أي شيء لتجنب هذه الحرب التجارية الغبية وغير الضرورية”.
وأضاف أن تهديدات ترامب بفرض رسوم على صادرات الاتحاد الأوروبي تمثل “اختبارًا جادًا” للوحدة الأوروبية.
لكن الموقف الأوروبي ليس موحدًا، حيث إن قادة اليمين المتطرف في أوروبا أبدوا دعمهم لترامب خلال تجمع عقد في مدريد تحت شعار “جعل أوروبا عظيمة مرة أخرى”. شارك في التجمع رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، ونائب رئيسة وزراء إيطاليا، ماتيو سالفيني، وزعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي، مارين لوبان. التي قالت: “نحن الوحيدون الذين يمكنهم التحدث مع إدارة ترامب الجديدة”.
المصدر:القدس العربي