نشرة “كنعان”، 26 مارس 2023
كنعان النشرة الإلكترونية
السنة الثالثة والعشرون – العدد 6508
26 آذار (مارس) 2023
■ لأنها م.ق.ا.و.م.ة قيادتها متنقلة ميدانياً والباقي تاييداً، عادل سماره
■ سباق المدائح، عادل سماره
■ مخططات ورغبات صهيونية.. تُهزم بالمقاومة، رشاد أبوشاور
■ قراءة في كتاب “سيد قطب والاستخبارات الأمريكية”: سيد قطب بين الاستخبارات الأمريكية والموساد، إميل أمين
✺ ✺ ✺
لأنها م.ق.ا.و.م.ة قيادتها متنقلة ميدانياً
والباقي تاييداً
عادل سماره
لكل محور قيادة ميدانية وحلفاء واصدقاء ومتضامنون. أي هناك عدة دوائر يشترك/يتداخل المحيط الخارجي لكل دائرة مع المحيط الخارجي للأخرى وهذا يعني أن البؤرة/بؤرة الاشتباك الميدانية الساخنة هي الأساس وهي تتنقل من موقع لآخر ولكن لا تبتعد عن الميدان إلا إذا تعددت ميادين الاشتباك. وإذا لم يفهم ذلك بعضنا، فإن العدو بعدوانه المتكرر يشرح الحقيقة بإيغاله في العدوان على من في الميدان.
لن أعود لتفصيل قرن مضى على الصراع العربي الصهيوني ولكن بدأت وبقيت فلسطين هي مركز الصراع وقيادته سواء قبيل 1948 فرغم صعوبة الوصول شارك واستشهد كثير من العرب من المحيط إلى الخليج في القتال المباشر، وتواصل هذا الاشتراك/الاشتباك بين 1948 و 1967، وأيضاً رغم صعوبة الوصول ولكن بتسهيلات مصر وسوريا.
وبعد هزيمة 1967 استمرت فلسطين مركز الصراع وقيادة المحور سواء داخل الأرض المحتلة أو في الأردن حتى1970 ثم سوريا ومن ثم لبنان.
كانت تجربة الأردن 1967-1970 قد شرحت لنا مسألة هامة هي: حينما تكون السلطة المضادة للمقاومة ضعيفة وخاصة وطنيا وأمنيا تنتعش ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة. إنه تناقض ا.م.ق.ا.و.م.ة والسلطة اللاوطنية. وانتقلت قيادة النضال للتركز في لبنان وخاصة لأن السلطة/الدولة لم تكن قادرة على قمع النضال. وبقي هذا الأمر حتى 1982 حيث قررت وتمكنت البرجوازية الطائفية الكمبرادورية اللبنانية من اقتلاع منظمة التحرير من لبنان.
منذ 1948 وحتى 1967 وما بعد كان دور الأنظمة العربية قومية الاتجاه دعم وتمويل النضال سواء ليبيا، سوريا، العراق لكنها لم تكن قيادة المحور.
أخذت الأنظمة قيادة المحور في فترتين:
الأولى: حرب الاستنزاف بقيادة مصر الناصرية.
وحرب تشرين/أكتوبر 1973 من مصر وسوريا.
لكن اقتلاع م.ت.ف من لبنان 1982 خلق تطورا جديداً حيث تبلور النضال في لبنان من قوى وطنية وقومية وشيوعية وصولا إلى المقاومة الإسلامية وهي عربية لبنانية التي وصلت إلى اقتلاع الاحتلال من معظم الأراضي اللبنانية المحتلة. وحصلت بالطبع على الدعم الإيراني والسوري. إلا أن تقوية الدولة/السلطة الطائفية الكمبرادورية في لبنان خلق نِدَّا معادياً لهذه ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة يطالب إما بسحقها أو سحب سلاحها مما جمَّد دورها القيادي لكنها حمت لبنان بجدارة.
وبالمقابل في الأرض المحتلة تراجع النضال حتى كانت الانتفاضة الكبرى 1987 التي أعادت قيادة المحور إلى الشعب نفسه، وتكرر هذا عام 2000. وحيث كانت انتفاضة 1987 شعبية عارمة دون سلاح كانت عام 2000 مزدوجة مما اثار حفيظة البعض وهاجمها واصفاً إياها ب “العسكرة” وهو مصطلح مكروه شعبيا على مستوى وطن العروبة بأسره.
ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم أخذ يتضح بأن مركز الثقل القيادي للنضال اصبح في موقع الاشتباك أي في هذه الحالة الأرض المحتلة سواء بالسكاكين أو العمليات الاستشهادية أو الدهس أو السلاح أو الإضرابات المديدة عن الطعام داخل المعتقلات. هذا لا ينفي وجود مساعدات ودعم سوري وإيراني سواء بالسلاح أو التمويل وطبعاً أُخرج العراق وفقد دوره بعد العدوان عليه 1991 و 2003 وحتى اليوم.كان أحد أهداف تدمير العراق هو إخراجه من الصراع، وكذا تدمير ليبيا وها هو تدمير سوريا على قدم وساق لأن وراء هذا التدمير عقيدة واضحة أن الصراع مع العروبة.
أما التمويل القَطَري فهو في الطرف المضاد تماما كما كان التمويل الرسمي الخليجي منذ 1967 وما بعد.
وهكذا أصبح ميدان الصراع المباشر هو قيادة المحور، بمعنى أين يحصل الاشتباك وأين يحصل العدوان تكون قيادة المحور لأنها الفعل والذي أصبح إلى حدٍّ ما ثلاثياً:
أولاً: جبهة الأسرى/المخطوفين (تعبير للمستشار حسن أحمد عمر من مصر لأنه يعتبر الكيان غير شرعي وبالتالي الأسر هو بين دولتين شرعيتين): منذ يومين اضطر الكيان لوقف عدوانه على منجزات الأسرى أو المخطوفين كما أسماهم الخبير في القانون الدولي المستشار حسن أحمد عمر. هذه الحالة تعني صراع ومفاوضات الأنداد وكأن هذه حكومة فلسطينية في الأسر.
ودون تفاصيل، يذكرني هذا في فترة السجن الأولى 1967-73 حين بدأنا ننظم أنفسنا باكرا في المعتقلات وبدأنا الاحتجاج والإضرابات كانوا يقودوننا إلى الزنازين وكان ردهم دائما: “لا تخكي عن غيرك …إنتي مش مخامي”. هذا إلى أن وصل الأمر بأن الهيئة القيادية للمخطوفين/الأسرى تفرض نفسها وبالتالي فإن نضالها يؤكد أنها جزء من قيادة ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة.
ثانيا: العمليات الفردية منذ مهند الحلبي، باسل الأعرج، وصولا إلى ثامر والنابلسي وخيري والإضرابات عن الطعام وآخرها الشيخ خضر عدنان وصولا إلى الفدائيين الجدد/العرين والكتائب: هذه السلسة كونها في الميدان مباشرة تصارع الكيان صراعا مفتوحا ويعتدي عليها كل لحظة ممكنة. صحيح أن هناك مساعدات ودعم إعلامي، وإن كان بعضه يبالغ بهذا النضال لكي يحصر النضال لفلسطين في الفلسطينيين، إنه إعلام إعفائي!!! ينتزع القضية من عمقها العربي!!! هذه الظاهرة/الابتكار شريك في قيادة المحور. بل إن مجرد قرار البقاء في الوطن رغم العسف ومغريات الهجرة هو مساهمة في قيادة النصال.
ثالثاً: سوريا: تدرك الثورة المضادة، ربما مثلنا، وللأسف ربما أكثر، بأن بقاء الكيان مرهون بتدمير سوريا وتفتيتها بشريا وجغرافياً وهذا يؤكد أهمية سوريا أما العراق فجرى تدميره مسبقاً ناهيك عن تهبيط مصر. ولذا كانت منذ 2011 حروب الاستشراق الإرهابي ضد سوريا اي تحالف الإمبريالية كمخطط وأنظمة وقوى الدين السياسي الإرهابي كتجنيد بشري وتمويل مترافقة مع مشاركة حرب الاقتصاد والإعلام ومشاركة الكيان في عدوان ضد سوريا لم يتوقف. وبهذا أصبحت سوريا ميدان الصراع كما فلسطين.
وهنا من المهم تثمين الدعم الإيراني لسوريا وج.ز.ب ا.ل.ل.ه، والقومي السوري …الخ وكذلك الصديق الروسي والفيتو الصيني الروسي ،ولكن بقيت سوريا بؤرة الاستهداف الحربي والاقتصادي وبما هي ميدان الاشتباك فهي الطرف الثالث في قيادة المحور.
ولعل ما حصل أمس من ضرب قاعدة عدوان احتلال أمريكي ورد الأمريكي بعدوان على دير الزور وعدوان الكيان على حلب وانتزاع الأسرى/المخطوفين تنازل الكيان تؤكد تحليلنا بأن قيادة المحور حيث يكون الاشتباك الثلاثي:
· المعتقلات
· الأرض المحتلة بتنوع النضال فيها
· وسوريا
ومرة أخرى، هذا لا يقلل من الدعم المالي والتسليحي، ولكن كما اشرت في البداية، فإن المركز هو حيث الصراع المباشر.
✺ ✺ ✺
سباق المدائح
عادل سماره
هدنة السعودي الإيراني إن نجحت ستحقن الدم العربي، فكل عروبي هو معها. والصعود الروسي الصيني أيضا كل عروبي معه ولكنه لن يحقن الثروة العربية بل سيلتهمها كما الغربي لكن بشروط أفضل لا شك، إنما جوهر اللهف نفسه.
ولكن الأولى: طالما طبيعة الأنظمة العربية الحالية هي نفسها فهل هذا كافٍ! أقصد انظمة تجزئة، وكمبرادور، وقمع حريات، وبعثرة ثروات وتمسك بالمبادرة العربية واحتلال نصفه الذكور لنصفه الأنثوي. وبكلام آخر، هذه الأنظمة تستعمر الوطن العربي نيابة عن ولصالح الإمبريالية وتحصل في هذه الشراكة على حصة صغيرة هي “اقتصاد التساقط” وتنفقها ضد التنمية وحتى ضد النمو، وإذا أفلت بعضها وحتى جميعها من تبعيته للغرب الإمبريالي سيتبع للشرق الرأسمالي اي سنجد أنفسنا تحت قمع أنظمة تابعة متخارجة معادية للأمة ومنسجمه مع آخر رأسمالي. وللتوضيح: هل ينكر أحد أن بوتين منع سوريا من تحرير إدلب ومن استعمال الصواريخ الحديثة؟ وأن الصين تقيم مع الكيان علاقات اقتصادية هائلة. هذه الدول تعمل لنفسها.
ولكن الثانية: فالنظام الرأسمالي في روسيا والصين يعمل كل لبلده أو بتعاون مع شريكه الكبير، اي أن الأنظمة العربية المفككة ستكون مجرد ملاحق لا تنسيق بينها، وهذا أكثر أريحية لروسيا والصين. فمن يجلس مع الكبار عليه أن يكون كبيرا وخاصة طالما هناك فرصة أن يكون كبيرا. ولكن مَن بين 22 رئيس بلدية سيقبل ان يتنازل للإجماع على رئيس حقيقي واحد!
وللدقة، من غير حراك عروبي عنيف جداً سوف يفرض واقعاً جديداً جماعيا لصالح الوطن بأجمعه.
استبدال التبعية بتبعية مثل إرغام امرأة قمعها زوجها الأول على الزواج من قامع آخر جرياً على مثال “الزواج سُترة”!
لذا، لا أدري لماذا يقوم كثير من المحللين بالتطريب، أصبحوا مطربين يغنون للهدنة ولروسيا والصين!!! وهم لا شك يعلمون ما اقول أكثر مني لكن المثقف المنشبك يغني لسيده لا للأمة.
✺ ✺ ✺
مخططات ورغبات صهيونية..تُهزم بالمقاومة
رشاد أبوشاور
من قبل، تمنّت غولدا مائير أن لا تسمع أصوات أطفال فلسطينيين يولدون كي تتمكن من النوم،
ومن قبل تمنى جنرال الحرب الصهيوني- قتيل فيما بعد برصاص صهيوني_ أن تغرق غزة في البحر..كل غزة، حتى يتمكن من النوم، فهو لا يريد أن يراها بما عليها من بشر وحجر، يعني يطمح أن تحقق جهة ما قادرة، بل كلية القدرة، على محو قطاع غزة كله، وأن تغرقه مياه البحر المتوسط، وينطوي ذكره تماما، كي يرتاح رابين جنرال الحرب الذي عجز عن تنفيذ تلك الأمنية التي لا تريحه وحده، ومعه جيش روّج له أنه رابع جيش في العالم، وأنه لا يُهزم بدليل انتصاره على العرب في حربي: 48 و حزيران 67…
ماتت غولدامائير، وأفل حضورها، وغاب جنرال الحرب مُكسّر عظام المنتفضين الفلسطينيين في الانتفاضة الكبرى الأولى، و..أنجب الفلسطينيون أطفالاً سليمي العظام، كبروا و..أنجبوا، وها هم أولادهم يقتحمون مدنا لم تعد آمنة لليهود الصهاينة لأن الأولاد الذين كبروا – يصفهم قادة الكيان وأجهزته بالذئاب المنفردة- ينقضون فرادى لإنزال العقاب بجيش الكيان وأجهزته ومستوطنيه، ويباغتونهم جميعا من حيث لا يحتسبون، فيُسقط في أيديهم و..يستبدلون قياداتهم المجرمة بقيادات أشّد إجراما..حتى بن كبير وسموتريتش وأضرابهم، وكأن بيغن ودايان وشارون والمؤسس بن غوريون لم يكونوا متطرفين ومن عتاة المجرمين الصهاينة، و..هل نذكّر بدير ياسين، وبصبرا وشاتيلا، والدوايمة، وخان يونس..هل نواصل التذكير بمذابح الصهاينة، وببقر بطون الحبالى للقضاء على الأجنّة في الأرحام ليتيقنوا من إفناء نسل الفلسطينيين؟
تتواصل المذابح والجرائم الصهيونية، ويقتحم جيش(الرّب) – رّب الجنود!_ القرى والمخيمات الفلسطينية ليل نهار، ويواصل مطاردة الفلسطينيين، و..لكن الفلسطينيين يتكاثرون معززين بوعي وشجاعة و..يدوّخون جيشا مسلحا مدرعا يغتال جنوده بلا عقاب، ويواصلون (موسم) الصيد الذي بالنسبة لهم لا ينتهي..ولعلّ هذا ما يحبطهم وقادتهم العسكريين والسياسيين، فأمامهم شعب لا تمكن هزيمته، أو إبادته، وهم يتمنون ذلك، كما تمنى رابين غرق واختفاء غزة!
لكن هذا الشعب لا يموت، ورغم آلة الدعاية، والقدرات والسطوة والهيمنة الإعلامية التي يهيمنون عليها عالميا، فهو يحضر، بل ويزداد حضورا، ويتضاعف الإعجاب به عالميا لأنه يتحدّى، ويقاوم، ويصمد، ويفضح أعداءه ووحشيتهم…
بعد حرق حوارة من قطعان المستوطنين برعاية جيش الرّب وحراسته للمجرمين القتلة لم يهرب الفلسطينيون، فمذابح حرب ال48 لن تتكرر نتائجها طردا وتهجيرا وخداعا للفلسطينيين، فهم يثبتون ويقاتلون بما تمتلكه أيديهم من حجارة وسكاكين ومسدسات اغلبها صناعة فلسطينية محلية..وهذا ما يحبط رغبات الصهاينة ويدفعهم للتصريحات المجنونة..وآخر المُصرحين سموترتش الذي يستهول وجود شعب فلسطيني، ويقرر أنه _أي الشعب الفلسطيني- وجد قبل مائة عام فقط!…
الطاولة التي وضعت له ليقف خلفها خطيبا في باريس غُطيت بعلم عليه خارطة (لإسرائيل) الكبري تضم فلسطين والأردن!
لن أرد على هذا المعتوه، ولكنني أذكّر أن الخارطة التي تضم فلسطين والأردن، وتعتبرهما أرضا (لإسرائيل) ليست فكرة متطرفة جديدة اخترعها هذا التافه سموتريتش، فهي من قبل وردت في نشيد كتبه جابوتنسكي الصهيوني القديم:
كل نهر له ضفتان
ضفة الأردن الغربية لنا
وضفته الشرقية لنا أيضا
وجابوتنسكي هو مؤسس لتيار ورثه بيغن وشامير والليكود الذي يقوده نتنياهو،فلماذا الاستغراب من تصريحات وزير المالية المنكرة لوجود الشعب العربي الفلسطيني..والذي وضعت أمامه خارطة تضم فيها الأردن للكيان الصهيوني..وهل هذا الفعل من قبيل تطرف وزير متطرّف، أم هي عقيدة صهيونية ثابتة، وأن التطبيع ومعاهداته لا يحمي الأردن، ولا يمنح الفلسطينيين دولة؟
التصريحات(العقلانية) الهادئة، الأقرب للعتاب، التي تحصر المشكلة بوزير طائش (متطرف)، وكأنه خارج على الاعتدال الصهيوني (الإسرائيلي) هو تهرّب من مجابهة جوهر المشروع الصهيوني، والأطماع الصهيونية في الأردن، وبلع (كل) فلسطين. المعاهدات لن تردع وتنهي الأطماع الصهيونية، بل تمنح الصهاينة الوقت لتنفيذ مخططاتهم، وهذا ما يحدث يوميا في فلسطين، وما تتلمظ الصهاينة لتحقيقه في الأردن الذي لن تحميه معاهدة وادي عربة..وليس للأردن إلاّ المقاومة.
ولذا نقول لكل العرب مشرقا ومعربا: الفلسطينيون يقاتلون ويقاومون ويفشلون مخططات الكيان الصهيوني بدمائهم، ويحمون الأردن ومصر_ رائدة التطبيع الساداتي_ وأبعد نقطة في بلاد العرب، وخارطة الوطن العربي بالنسبة للمخططين الصهاينة، بعضها موجود بهدف الاحتلال، وبعضها للهيمنة، وفي كل الأحوال للتآمر والنهب والسمسرة بحجة تقديم (الحماية) لكيانات ناقصة السيادة والمشروعية…
فاستيقظوا، فليس هكذا يكون الرّد لحماية الأوطان. فلا الشجن الهادئ الدمث، ولا انتظار (ضغط)أمريكي حنون على قادة الكيان الصهيوني، ولا ترك الفلسطينيين وحدهم يخوضون معركة مصير الأمة…
✺ ✺ ✺
قراءة في كتاب “سيد قطب والاستخبارات الأمريكية”
سيد قطب بين الاستخبارات الأمريكية والموساد
إميل أمين
عن قطاع الثقافة بدار أخبار اليوم صدر الأسابيع القليلة الماضية كتاب “سيد قطب والاستخبارات الأمريكية”، لمؤلفه الأستاذ توحيد مجدي، والذي بذل جهدا كبيرا ووافرا في توثيق كل ما جاء به بالوثائق والأدلة والبراهين التي تؤكد ما هو مؤكد بالفعل من قبل عن علاقة سيد قطب بأجهزة استخبارات دولية كبرى، كان الموساد في مقدمها مع الاستخبارات المركزية الأمريكية في ذات التوقيت.
لا يظن المرء أن سيد قطب في حاجة إلى تعريف ومع ذلك يمكننا الإشارة إليه بأنه الرجل الذي سبب عنفًا وإراقة دماء غير مسبوقة من جراء أفكاره التي أعتنقها قسم كبير من شباب حركة الإخوان المسلمين في خمسينات القرن المنصرم.
سيد قطب هو الموظف المصري في وزارة المعارف الذي قدر له في زمن الملك فاروق الالتقاء مع “دافيد بن جوريون” والذي كان مسؤولا في الوكالة اليهودية للاجئين عن متابعة شؤون ذويه في الشتات ومنهم مصر، وقد التقاه سيد قطب في إطار البحث عن تعليم اللغة العربية ليهود مصر، غير أن بن جوريون عرف منذ اللحظات الأولى للقاء عن رغبة سيد قطب في السفر إلى أمريكا، وقد حضر اللقاء كذلك “جولد مائير” التي ستصبح لاحقا رئيسة لوزراء إسرائيل.
كان هناك خيط رفيع يجمع بين سيد قطب وبين التوجهات الصهيونية بشكل عام، خيط لا يعرف مكنونه غير الذين عندهم علم من كتاب الجماعات الخفية التي تتعاطى مع هذا العالم سرا وعلانية، وبعض من العلن كامن في جذور الماسونية العالمية، والتي أقر سيد قطب بانتمائه إليها بشكل مباشر في مقاله المنشور بمجلة التاج المصري في 23 أبريل من عام 1943 وهي المجلة الناطقة باسم المجمع الماسوني الذي كان مرخصا له في مصر في ذلك الوقت.
عرف بن جوريون شهوة قلب سيد قطب، فأرسل خطاب ترشيح الى جامعة كولورادو باسمه يذكي فيه سيد قطب، وبالفعل تم قبوله وسافر إلى هناك ليجد في استقباله رئيس جامعة عرفه من خلال طريقة الترحيب به انه ماسوني بدوره، ما يؤكد أن سفره إلى أمريكا كان معد سلفا وبهدف لا يغيب عن الأعين.
يستفيض مؤلف الكتاب في التفاصيل المثيرة التي تبين للقارئ شخص وشخصية سيد قطب المضطربة إلى درجة جنون العظمة من جهة، والمآخذ الأخلاقية على سلوكه النوعي من ناحية ثانية، وإن ترك الباب مفتوحا للقارئ ليفهم بنفسه توجهه الأخلاقي على صعيد الحياة الجنسية.
باختصار غير مخل، كانت إسرائيل قد وضعت أعينها مبكرا على سيد قطب، وألقت عميلة للموساد شباكها من حوله، بعد أن تقمصت دور الباحثة في جامعته، مظهرة أنها ذات أصول مصرية، وإن أخفت عنه لقبها الذي يتضح منه هويتها الدينية اليهودية.
بلغ الأمر بسيد قطب أن تزوجها بالفعل، غير أن شيئا ما حال دونه وممارسة حياته الشرعية معها، الأمر الذي جعلها تطلب الطلاق منه، بعدما أطلعها ولا شك على مكنونات عقله وقلبه، وأفكاره ورؤاه، ولا يخفى كذلك ما زرعته هي بدورها في عقله الواعي أو الباطني، قبل أن تختفي من حياته مرة وإلى أن تسلمه للاستخبارات الأمريكية التي عرفت كيف أنها وقعت على صيد ثمين.
من كولورادو الى جامعة ستانفورد الأمريكية الشهيرة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية على ساحل المحيط الهادئ، وهناك كان اللقاء الرسمي مع عميل الاستخبارات الأمريكية، وبداية تجنيد سيد قطب .
رأت الدولة الامريكية العميقة أن الرجل ربما يكون مفتاح لفهم التوجهات السياسية الاسلامية أو ما أصطلح على تسميته لاحقا بالإسلام السياسي، فقد كانت أمريكا تخطط لمواجهة مع الإتحاد السوفيتي، تسخر فيها الإسلام والمسلمين لخدمة أغراضها في مقاومة الشيوعية، كما كانت معظم الدول العربية حاصلة على استقلالها حديثا .
كتب سيد قطب وشرح في وثائق لا تزال الاستخبارات الأمريكية تحتفظ بها الكثير جدا عن رؤاه السياسية الممزوجة بالعمق الديني الإسلامي بحسب هواه وتوجهاته، وقد بنى عليها الأمريكيون الكثير جدا من خططهم وإستراتيجياتهم التي استخدموها بعد عقدين في مواجهة السوفييت في أفغانستان وحتى زمن الربيع العربي المغشوش.
شيئ ما جعل سيد قطب يقطع دراسته ويعود إلى مصر، والسؤال هل الأمر عشوائي أم أنه كان مدبر له بليل بهيم؟.
قبل البحث في الجواب نشير إلى أن الإخوان المسلمين في ذلك الوقت كانوا قد فقدوا الرجل المؤسس حسن البنا الذي اغتيل، ولم يكن سيد قطب يحمل مشاعر طيبة بالمرة للبنا، بل يطلق عليه “حسن الصباح” في إشارة لا تخطئها العين لمؤسس جماعة الحشاشين التاريخية الذين اوغلوا في القتل وسفك الدماء.
أرسل المستشار الهضيبي الذي خلف البنا في قياة الاخوان المسلمين رسله إلى البنا في أمريكا يساله فيه العودة إلى مصر ومحاولة رأب الصدع الذي جرى داخل الجماعة بعد وفاة المؤسس سيما، وأنها لم تعد على قلب رجل واحد.
هل كانت مراسلات وتحركات سيد قطب مرصودة من الاستخبارات الأمريكية؟ قطعا ذلك كذلك وهو ما يفتح الباب واسعا للتصديق بأن عودة سيدة قطب إلى مصر لم تكن تحركا عشوائيا بل خطة مدروسة ومحكمة لنشوء وارتقاء تيار جديد داخل جماعة الإخوان المسلمين.
منذ عودته إلى مصر وحتى الحكم عليه نشر سيد قطب آراءه المتشددة للغاية، ومن حوله بزغت جماعة القطبيين التي كفرت الحاكم والدولة، وكانت أفكاره بداية لتشارع وتنازع مع السلطة أدى الى سفك دماء بريئة عبر خمسة عقود أو أزيد .
والشاهد أن ما عرفته مصر في السنوات الأخيرة من عنف وميل للقتل والإرهاب والترويع، لم يخرج عن حاضنة سيد قطب، وبحسب الكثير من العارفين ببواطن الجماعة فأن المجموعة التي كادت أن تذهب بمصر من سبعينات القرن الماضي وظهور جماعة التكفير والهجرة وصولا الى محاولة ارتهان مصر لحكم المرشد في أعقاب ثورة يناير 2011، لم تكن إلا مجموعة قطبية بامتياز، وملامح ومعالم أفكار الرجل واضحة في مسعاها الدموي .
اسئلة كثيرة يثيرها الكتاب الذي بين ايدينا، ويؤكد لنا بما لا يقبل الشك كيف أنها جماعة مخترقة استخباراتيا وصهيونيا ومن كافة الجهات التي لم تحمل خيرا يوما ما للعرب أو للمسلمين، وانها كانت ولاتزال خنجر في خاصر أي نهضة عربية حقيقية، وهذا هو الدور الذي رسم لها مبكرا، أي قطع الطريق على الوعي الحقيقي الذي تستتبعه وبالضرورة صحوة عربية إسلامية غير مغشوشة .
الكتاب خزانة إسرار ومتعة عقلية حسنة جدا، سيما وانه ما من مكشوف إلا وسوف يستعلن، وما كان يقال بالأمس همسا في الآذان غدا سينادى به من على السطوح، ولله الأمر من قبل ومن بعد .
:::::
موقع “الغد”، 20 أكتوبر 2018
________
تابعونا على:
- على موقعنا:
- توتير:
- فيس بوك:
- ملاحظة من “كنعان”:
“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.
- عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
- يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org