كتابٌ إسرائيليٌّ: (الشاباك) يُصفّي عناصره لدفن المعلومات معهم! يقتل الفلسطينيين الأبرياء.. فشل “جزّ العشب” لأنّ العشرات انضّموا بعد اغتيال القائد… المُستعرِبون يقتلون الشباب والأطفال ويتركون جثثهم بالشوارع

الإنتشار العربي :تناول الكاتب والمُحلِّل الإسرائيليّ ران إدلست كتاب يزهار دافيد، رجل (الشاباك) سابقًا والذي ألّفه تحت عنوان (قنبلة موقوتة، قصة رجل شاباك) والذي جاء بشكلٍ مفصلٍ وموثقٍ، ومن جهةٍ ثانيةٍ، أضاف، فإنّ الكتاب هو وثيقة حول تدهورٍ شخصيٍّ لدرجة الانهيار النفسيّ خلال الخدمة في جهاز الأمن العّام بالكيان، والذي يُعتبر من أهّم الأجهزة الأمنيّة في دولة الاحتلال.
وأضاف الكاتب في مقالٍ نشره بصحيفة (معاريف) العبريّة أنّه “منذ سنوات اعتقدت وحذّرت بأنّ جزءًا من عمل (الشاباك) يضر بأمن دولة اسرائيل، خاصّةً الضغط المبالغ به على السكان وقتل مَنْ هم ليسوا (قنبلة موقوتة)”، مُضيفًا: “أحاول تأكيد ادعاءاتي بالحقائق والامثلة، ضمن قدراتي على جمع المعلومات وفي ظلّ الرقابة العسكريّة، وكل ما فعلته أنا وآخرون، من أجل أنْ يقوم (الشاباك) باختيار مساراتٍ اخرى جديدةٍ، يتقزم امام شهادة يزهار دافيد”.
واقتبس المُحلِّل ممّا جاء في الكتاب: “رغم عشرات العمليات التي أشرف عليها، والتي ادت الى اعتقال نشطاء ارهاب، اثنين وأحيانًا ثلاثة في الاسبوع، يبدو أنّ الحديث يدور عن بئرٍ دون قاعٍ، حيث يزداد عدد النشطاء باستمرار، بعد كلّ تصفيةٍ كان ينضّم العشرات الى المنظمات الارهابيّة. أكثر من مرّةٍ كان يحصل على معلوماتٍ حول مكان تواجد مطلوب، ولم يحصل على القوة المستعربة لتنفيذ الاعتقال”.
ويُتابِع مؤلّف الكتاب: “عملت القوات المستعربة بدون توقف أيضًا في اماكن اخرى. احيانًا كانت تقضي أيامًا كاملةً بالقرب من الشخص الذي سيتم اعتقاله. وحين فهمت أنّه لن يتم القضاء على (الإرهاب) بهذه الطريقة، اقترحتُ اجراء تغييرٍ: بدلاً من تحديد هدفٍ واحدٍ فقط في كلّ عمليةٍ، كما يتم حتى الآن، يجب وضع عدة اهداف، وقد نجح هذا، تمّ تثمينه وترفيعه، إلّا أنّ “العدد الكبير للأهداف التي اعطيت للقوة المستعربة، وعدم الوضوح بالنسبة لنقاط الاعتقال، ادى إلى أنّ جزءًا من العمليات قد انتهى بالقضاء على الهدف بدلاً من اعتقاله”.
ويُقّر المؤلّف أنّ “ردّه في تلك الايام، حين كانوا يحدثونه عن القتل بدلاً من الاعتقال: ابتسم ابتسامة لا ارادية، محاولاً عدم ملاحظة أحد لهذه الابتسامة. بالنسبة لي كانت هذه هي احدى مميزات الطريقة”.
المُحلّل إدلست، وهو من مؤسسي حركة (السلام الآن) المُناهِضة للاحتلال، يؤكّد بمقاله: “توقعت أنْ يقوم على الاقل ببحث مسألة التصفيات التي قضت على (التمرد الفلسطينيّ). لقد اثبتت سياسة (قص العشب) نفسها في قمع الطموحات القوميّة الفلسطينيّة، أليس من الصحيح أخذ الحالة الشخصية له كدليل على السياسة التي فشلت؟”.
وتابع إدلست، نقلاً عمّا جاء بالكتاب: “(قوة المستعربين) كانت تعود في نهاية العمليات من غير احضار الهدف المطلوب اعتقاله، تاركة جثته وجثث آخرين ممن كانوا معه، وفي البدء كنتُ أشعر بمشاعر الانتقام والاكتفاء، ولكنْ مع مرور الوقت أصبحتُ غير مبال. فقد فهمت أنّ هذه الطريقة لا تريح النفس المريضة”.
رجل الشاباك كتب أيضًا: “عندما وصلت الى الساحة نظرتُ الى الجانب ورأيتُ جثتين صغيرتين. في البدء أزحتُ نظري كي لا أرى المشهد، لكن شيئًا داخلي لم يسمح لي تجاهل الجثث الصغيرة الملقاة. ذهبت ورأيتُ جثثًا لأولادٍ صغار، بالكاد اعمارهم 12 سنة. شعرتُ بالاختناق ولم أستطع ازاحة نظري عن الجثث الصغيرة”
ويُضيف: “تفطر قلبي من الألم وسمعتُ صرخةً تتدحرج داخلي وتمزق روحي، إنّهم مجرد اولاد، وهم ليسوا اولادًا عاديين. كانت اجسامهم مثقوبة بكثير من الرصاص. دم هؤلاء الاولاد وصورة جثثهم ستستمر بمرافقتي وتعذيبي. وقد بدأت أفهم أنّني أنهار وبحاجةٍ الى المساعدة”، على حدّ تعبير المؤلف.
المحلل إدلست أضاف في مقاله: “دون أيّ صلةٍ بالقصة وبالمؤلّف، في آب (أغسطس) 2014 تمّ تحديد مكان محمد ضيف. وقد تمّ قصف البيت، وقُتلت زوجته وابنته وابنه الرضيع. وضيف ما زال معنا، حتى لو كانت التصفية ستنجح فإن ضيفًا جديدًا سيأتي وهو أيضًا مع زوجته وابنه وابنته كانوا سيُقتلون لأنّ الامر دائمًا على هذا الشكل، وهذا ما أثار جنون مؤلف الكتاب، لقد قرر الاستقالة قبل خضوعه للعلاج. إلّا أنّه متردد: “رفض الفكرة على الفور، وحتى لو قلت إنّك ستُغادِر غدًا فإنّ (الشاباك) سيُعارِض ذلك وسيقضون عليك أوْ يقومون بوضعك في مستشفى الامراض العقليّة حتى لا تقول أيّ شيءٍ عمّا تعرفه”.
المؤلّف أضاف: “خلال عشرات المرات في خدمتي في (الشاباك) وقفت أمام قرارات كان لي فيها خياران. الأوّل اختيار الطريق السهلة والجيدة بالنسبة لي، أوْ الطريق الصعبة والخطيرة بالنسبة لي، لكنّها أفضل لشعب اسرائيل. ولم أتردد للحظة وكنت أختار دائمًا الطريق الصعبة والخطرة بالنسبة لي، لكن الجيدّة لشعب إسرائيل”.
أمّا المُحلل إدلست فيختتم قائلاً: “في حالتينا، المسألة هي عبارة عن سوء فهم. حتى لو كان دافيد استعدّ ليكون ضحيةً مثل دجاجة ذبحت بسبب ما فعله هو واصدقاؤه، فالذي ما زال ينقص هنا هو الانتقال الى اصلاح ما هو خاص لديه، محاسبة النفس. والاصلاح التنظيمي أمام (الشاباك) وكذلك الاصلاح أمام سياسة الحكومة المسؤولة المُباشِرة عن (الشاباك)”.
جديرٌ بالذكر أنّ جهاز (الشاباك) يتبع مُباشرةً لرئيس الوزراء الإسرائيليّ، وليس لوزارة الأمن في تل أبيب.