هل اقترب موعد انهيار السلطة الفلسطينية؟.. إسرائيل “العدو المباشر” تُحذر من ضياع “الكنز الاستراتيجي” وتستنجد بالعالم.. أزمات تضرب السلطة وعباس يهدد والغضب يتصاعد وأخطر سيناريو يقترب.. بقاء السلطة لمصلحة من؟ وما هو البديل؟

الإنتشار العربي :منذ شهور طويلة وتلعب إسرائيل جيدًا على وتر “انهيار السلطة الفلسطينية” الحساس والرنان، فتارة تُحذر من وقوع هذا السيناريو الخطير وتارة أخرى تحاول أن تدس السم في العسل، وتظهر وجهها “القبيح الأخر” رغم محاولة تجميله بمد يد العون للسلطة ومناشدة أمريكا والعالم بضرورة إنقاذها قبل فوات الأوان.
ورغم أن دور السلطة الأمني والسياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، لا يحظي بتأييد كبير لدى الفلسطينيين والكثير من الدول العربية والأوروبية، ودائمًا ما يكون محل انتقاد حاد وهجوم، إلا أن الجميع يعلم أن خطر انهيارها قد يكون أكثر خطورة من بقائها “ضعيفة ومترهلة” كما هي عليه الآن.
ولا تستعجب كثيرًا عندما تجد إسرائيل وهي “العدو المباشر” تستنجد بالعالم وخاصة حليفتها أمريكا بضرورة إنقاذ السلطة، وهذا ما شهدناه الفترة الأخيرة من تصريحات كبار مسئولي دولة الاحتلال، فالجميع يعلم أن بقاء السلطة والخدمات التي تقدمها لا “تقدر بثمن” بالنسبة لإسرائيل، وفق ما يصرح به مسئولين إسرائيليين.
ولكن، بعد ظهر نتائج انتخابات “الكنيست” الإسرائيلي قبل أيام، وظهور الأحزاب اليمينية المتطرفة بقوة في الساحة الإسرائيلية، وعودة زعيم حزب “الليكود” بنيامين نتنياهو القريبة لكرسي رئاسة الحكومة “المثيرة للجدل” باتت الأصوات التي تحذر من انهيار السلطة الفلسطينية تتضاعف وكان آخرها “الشاباك”.
فذكر موقع “واللا” العبري بأن رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك”، رونين بار، حذر خلال لقائه مع نتنياهو، من “خطر انهيار السلطة الفلسطينية” وإثر ذلك حدوث تدهور آخر في الوضع الأمني في الضفة الغربية.
ونقل الموقع عن مصدرين مطلعين على مضمون اللقاء، أن “الشاباك وجهات أخرى بينها شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “قلقة جدا” من التصعيد الأمني في الضفة، ويشيران إلى نشوء جماعات فلسطينية مسلحة، مثل عرين الأسود” في نابلس، وعدم انتمائهم إلى فصيل فلسطيني بإمكانهم الحصول على أسلحة.”
السيناريو الأخطر
ويأتي هذا التحذير في الوقت الذي يعمل فيه نتنياهو على تشكيل حكومته، التي ستضم حزبي الصهيونية الدينية الاستيطاني المتطرف وحزب “عوتسما يهوديت” الفاشي، ويرجح أن يكون رئيسا هذين الحزبين، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، عضوين بارزين في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، ويطالبان بتشديد عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة وتسهيل تعليمات إطلاق النار.
وأضاف “واللا” أن “هذه الظاهرة إلى جانب تفكك السلطة الفلسطينية وفقدان السيطرة على أجزاء كبيرة في الضفة الغربية، تُنشئ خطرا لتدهور أمني كبير لم تشهد الضفة مثله منذ عقدين”، عندما اندلعت انتفاضة القدس والأقصى.
وفي وقت سابق قال وزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، إن “بقاء السلطة الفلسطينية في السلطة بالضفة الغربية هو الأفضل والبديل سيكون أسوأ وأكثر راديكالية”.
كما وعد بتزويد السلطة بالاحتياجات اللازمة لفرض سيطرتها في الضفة الغربية وتعزيز مكانتها ومنع ما وصفه بـ”الإرهاب”، بالإضافة إلى بعض الامتيازات الاقتصادية للسلطة.
الرئيس السابق للشعبة السياسية والعسكرية في وزارة الجيش الإسرائيلي الجنرال عاموس جلعاد، لخص أهمية السلطة بالنسبة للاحتلال بأن التعاون بين الطرفين على مدار السنوات الماضية هو كنز استراتيجي بالنسبة لإسرائيل يجب المحافظة عليه، مشددًا في تصريحات سابقة نشرت له على أن “السلطة الفلسطينية جزء من المنظومة الأمنية الإسرائيلية”.
الجدير ذكره أن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل شهد تراجعًا ملحوظًا في الأشهر الأخيرة، لا سيما في مناطق شمال الضفة الغربية مثل جنين ونابلس، ما أثار غضب إسرائيل، فميما تواصل الدعوات الأمنية داخل الاحتلال لتعزيز دور السلطة ومنع انهيارها لإعادة الحياة للتنسيق الأمني من جديد.
تهديد عباس
أمريكا هي الأخرى دخلت على الخط فعبرت إدارة جو بايدن عن قلقها البالغ من أن يؤدي تدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية إلى انهيار السلطة الفلسطينية، وطالبت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف الفلسطينيين والإسرائيليين “بالتعاون الأمني بشكل قوي ومستمر لمنع مزيد من التصعيد”.
كما طالب السفير الأميركي لدى إسرائيل توم نايدز السلطة الفلسطينية “بالعمل أكثر لمنع العنف”، وإسرائيل بتجنب قتل الأبرياء”. واتهم رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية تل أبيب “بالعمل بشكل مستمر على تدمير السلطة الفلسطينية، والمس بمؤسساتها على الرغم من أنها تدعي أمام العالم أنها تريد تعزيز مكانتها”.
وقال اشتية إن الشعب الفلسطيني يريد للاحتلال الإسرائيلي أن ينتهي، وللشرعية الدولية أن تسود”، مشدداً على أن الفلسطينيين “لن يرضوا مواصلة العدوان على أرضنا، وشبابنا”.
إذا كان خيار حل السلطة بقرار سياسي فلسطيني مستبعدا ولا يتم أخذه بجدية من قبل إسرائيل، فإن خيار انهيارها بفعل الأزمات التي تعصف بها وحالة الضعف التي تشهدها وتقويض المرجعيات التي قامت على أساسها يبقى هو السيناريو الأقرب أو الممكن إذا ما استمر نتنياهو في سياسته ضدها.
فرئيس جهاز الشاباك السابق يعقوب بيري يعتبر أن انهيار السلطة ستكون له “آثار سلبية بعيدة المدى على إسرائيل وأن من الصعب إيجاد إطار مقبول عالميا ومتواجد على الأرض ليحل مكانها”.
في أقوال بيري اعتراف ضمني أن بقاء السلطة ومنع انهيارها يتوقفان بشكل كبير على سياسة إسرائيل تجاهها، وإذا ما وقع هذا السيناريو فسيكون بسبب إسرائيل التي ستتحمل مسؤوليته وتبعاته كاملة.
أما موشيه مرزوق، المستشار السابق لمنسق جيش الاحتلال، فاعتبر أن انهيار السلطة سيكون “العقوبة الأشد التي تتلقاها إسرائيل” لأنها ستعني عودة الجيش إلى المناطق (المحتلة) وتولي مسؤوليات الأمن والصحة والتعليم، إلى جانب الأثر الدولي لمثل هكذا سيناريو.
من البديل؟
من جانبها، تعتقد كسانية كسبتلوفة الباحثة في شؤون الشرق الأوسط بالجامعة العبرية وعضوة الكنيست السابقة أن الرؤية الإسرائيلية للأزمة الوجودية التي تعانيها السلطة الفلسطينية والتي تقتصر على الدعم الاقتصادي المحدود وبعض التسهيلات ضمن ما تسمى “بوادر حسن نية” هي إجراءات لا يمكنها أن تكون حلا للوضع القائم.
وتقول كسبتلوفة للجزيرة نت “بات واضحا أنه دون حل للقضية الفلسطينية ستكون إنجازات التطبيع محصورة، ولا يمكن لإسرائيل مواصلة “الحلم” بمواصلة قطار التطبيع دون أن تدفع الثمن في المسار الفلسطيني، إذ لا يمكن للسعودية تطبيع العلاقات دون حل القضية الفلسطينية”.
وترى الباحثة في الشؤون السياسية أنه في حال انهيار السلطة الفلسطينية وغياب الأمن للفلسطينيين بالضفة الغربية، وفي اليوم التالي لرحيل الرئيس محمود عباس لن يكون لدى الإسرائيليين أمن وأمان أيضا، مما سيضع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أمام تحديات غير مسبوقة.
وفي هذا السيناريو رجحت كسبتلوفة تصاعد المقاومة التي ستؤدي حتما إلى جولات من القتال وزيادة في المواجهات في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما قد يعيد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى المربع الأول.
وتساءلت: لماذا لا تحاول إسرائيل طواعية خلق موازنة بين القضية الفلسطينية والمسألة الإقليمية؟ مضيفة أن “معسكر اليمين الذي يهيمن على المشهد السياسي والحكم بإسرائيل يتصور أنه إذا جاءت دول من المنطقة وطبّعت معنا دون أن ندفع الثمن فلن يكون أمام الفلسطينيين خيار أيضا، لكن هذا التصور مغلوط، فالسلام الاقتصادي ليس كافيا ولا بد من حل سياسي”.
وأمام هذا التخوف الكبير من قبل الاحتلال حول حل السلطة أو انهيارها يبقى السؤال الأكبر؟؟ هل بقاء السلطة مصلحة فلسطينية أم إسرائيلية؟