مقبرة المتوسط تتوسع..
اسيا العتروس
من لم يقتله رصاص الاحتلال ابتلعه البحر ..ذلك هو قدر اطفال و شباب غزة الذي ضاقت به السبل ودمرته الحياة في غياب الافاق و البدائل مع تطويق سلطات الاحتلال للقطاع برا و بحرا و جوا ..فالقطاع الذي كان يفترض ان يكون بحر غزة منفذا له الى العالم الخارجي وفضاء رحبا للاستفادة من ثرواته و امتهان الصيد الذي يمكن ان يوفر لالاف العائلات امكانية العيش الكريم لا يمكن للبحارة في غزة تجاوز مسافة معينة فيه او الابحار نحو الاعماق لان سلطات الاحتلال بالمرصاد لمنع كل من يحاول تجاوز اجراءات الاحتلال واحكامه الظالمة … كل الاسباب والمبررات تدفع اهالي غزة من مختلف الاعمار والانتماءات للهروب من سجن غزة ومن البطالة التي تجرف نصف شباب غزة و تهدد البقية في ظل تراجع المساعدات والتمويلات العربية والدولية وهذا ربما ما يفسر فاجعة الامس وهي ليست الاولى و لن تكون الاخيرة وستتكرر وتدفع شباب غزة للهروب من هذا السجن وهو الذي بدأ درجة من القناعة بأنه ميت حتما ان هو قرر البقاء في سجن غزة وميت ربما ان قرر المغادرة وفي كل الاحوال فالموت يترصده حتى وان تأجل …
من المفارقات ان تتكرر الفاجعة و يتحول فئة من هذا الشباب المغبون الى طعام للحوت بالتزامن مع يوم الامم المتحدة التي تقف عاجزة عن تثبيت ما التزم به ميثاقها منذ اعلان نشأة الامم المتحدة بتحقيق الامن والسلم في العالم و الانتصار للشعوب المهمشة والمجتمعات المستضعفة ..
وكأن اخبار الموت اليومي لشبان ونساء واطفال تونسيين و افارقة من مختلف الاعمار لفظت الامواج جثثهم او ما بقي من جثثهم و اصابت عائلاتهم بالالم و الاحباط حتى جاءت الانباء متواترة منذ اول امس معلنة عن عدد اضافي من الغرقى الذين ابحروا من الجوار الليبي على امل الوصول الى الضفة الاخرى للمتوسط ومنها الاتحاق بالارض الموعودة في اوروبا ..مقبرة المتوسط تتوسع و في كل يوم تبتلع المزيد وقد امتدت المأساة خلال الساعات القليلة الماضية الى قطاع غزة لتضاعف حزب الغزاويين الذين يعيشون ومنذ أكثر من عقد و نصف في ظل اسوا و اخطر حصار تعرفه البشرية في العصر الحديث حيث يمنع على اهالي غزة تجاوز حدود القطاع الذي يتكدسون فيه حيث اكثر من مليوني ساكن يتدافعون في ابشع سجن فرضته سلطة الاحتلال على مواطني غزة هذه الرقعة المنسية من العالم و هي الاكثر اكتظاظا والاكثر معاناة بين شح المياه و شح الاغذية وتعدد الامراض والماسي وغياب الامال وفوق كل ذلك انعدام امكانية الخروج او التنقل او السفر او التواصل مع الاهالي في الضفة الغربية.
في غزة المحاصرة برا و بحرا و جوا لا يملك الاهالي امكانية مواجهة اعباء الحياة وعليهم ان يبحثوا بانفسهم عما يمكن ان يبقيهم على قيد الحياة … تتدعي سلطة الاحتلال انها انسحبت من غزة منذ توقيع اتفاقيات اوسلو و لكن الحقيقة ان حكومة شارون في حينها لم تنسحب من غزة ولكنها اعادت الانتشار على مشارف غزة حتى تعزز قبضتها على القطاع وحتى يكون بامكان الاحتلال شن عدوانه في كل مرة على اهالي غزة الذين يدفعون ثمن الاحتلال مضاعفا اذ يتعين عليهم تحمل ثمن الانقسام والخلافات والصراعات التي لا تنتهي منذ تفردت حماس بالقطاع و اهله … الحقيقة ان غزة التيضاقت باهلها وعلى اهلها مع تفاقم كل مظاهر الفقر حتى لم يبق للفلسطينيين غير الزواج المبكر والانجاب حتى تستمر الحياة.
الحقيقة ان اسباب كثيرة باتت تدفع اطفال وشباب غزة للمقامرة بحياتهم و الابحار بحثا عن فرصة محفوفة بالمخاطر للوصول الى اوروبا لعلهم بذلك يمنحون انفسهم و ربما عائلاتهم امكانية الخروج من دائرة الفقر المدقع و البؤس الذي يلاحقهم.. حتى الامس بلغت حصيلة الضحايا الغزاويين السبعة وربما ارتفع الرقم مع اخراج المزيد من الجثث… ربما لا يملك شباب فلسطين رفاهية الخيار في ظل شؤم الاحتلال و تلاشي ما بقي من العدالة الدولية العرجاء.
شباب غزة كما شباب تونس و شباب افريقيا ضحية الخيارات السياسية البائسة و لاطماع المتضاعفة للقوى الاقليمية والدولية التي وقعت نهاية الضمير الانساني…غزة تبكي شبابها وتتأمل ان تستعيد جثث المفقودين لموارتهم التراب في غزة التي دفعوا دفعا لهجرتها تماما كما تبكي تونس ضحاياها و تنتظر عائلات في جرجيس وطبلبة وغيرها ان تواري ابناءها الثرى و تستعيد بقية من كرامة للميت.
كاتبة تونسية