حق الدفاع الشرعي للشعب الفلسطيني
المحامي إبراهيم شعبان
يتمتع الشخص العادي أينما وجد ذكرا أو أنثى بحق الدفاع الشرعي عن نفسه و/أو ماله و/أو عرضه كحق أساسي من حقوقه الحياتية التي يجب حمايتها من الغدر والعدوان. فإذا تعرض شخص ما وبغض النظر عن دينه أولغته أولونه أو عرقه أو أصله الإجتماعي أو ثرائه أو جنسيته لاعتداء وقع أو يوشك أن يقع عليه أو على ماله أو عرضه من الغير، أن يرد هذا العدوان الواقع عليه من الغير. ولا يعتبر فعل المعتدى عليه فعلا جرميا ولو أدى لوفاة أو جرح المعتدي، بل يتمتع المدافع وهو المعتدى عليه بسبب إباحة ويعتبر فعله مباحا وبالتالي لا يتوجب أية عقوبة جنائية أو تأديبية أو مالية.
هذه القاعدة المستقرة عالميا والمجمع عليها دوليا في كل قوانين العقوبات في العالم، والمطبقة في جميع المحاكم على وجه الأرض، مشروخة محليا وفلسطينيا. فبموجب أوسلو اللعين لا تملك السلطة الفلسطينية ولا المحاكم الفلسطينية أن تحاكم أي إسرائيلي يقترف موبقات الأرض، بل عليها أي السلطة أن تسلمه للسلطة الإسرائيلية عبر ما يسمى بالتنسيق الأمني. والسلطة الإسرائيلية، تفعل ما يحلو لها تجاه هذا المجرم الإسرائيلي وفق سلطتها التقديرية، ولكم أن تتخيلوا سلطتهم التقديرية. ليس هذا اجتهادا فقهيا أو رأيا قانونيا بل مرجعية قانونية ملزمة عبر نصوص أوسلو. فالسلطة للاسف أي المفاوض الفلسطيني، تخلت عن حقها الأصيل وغير المكتسب عبر قاعدة إقليمية القوانين، في القبض على الإسرائيليين الذين يقترفون جرائم على الإقليم الفلسطيني وترابه وسلمت بعدم محاكمتهم، رغم حقها الأصيل في القبض عليهم ومحاكمتهم وسجنهم بل إعدامهم إذا أدينوا بارتكاب الجريمة التي تستوجب ذلك.
بكلمات أخرى فإن القانون الفلسطيني والمحاكم الفلسطينية تستثني من تطبيقها القانوني المستوطنين والمجرمين الإسرائيليين الذين يقترفون جرائم على الأرض الفلسطينية المحتلة. وعليه فإن ذلك المستوطن الذي قتل السيدة الفلسطينية البريئة من سنجل دهسا حديثا لا يخضع للمساءلة القانونية الفلسطينية ولا للقضاء الفلسطيني عملا بقانون أوسلو ولن يخضع للقانون الإسرائيلي الجنائي. وبنفس القدر يستثنى من تطبيق القانون الفلسطيني على المجرمين الإسرائيليين الذين يقومون بتهريب المخدرات أو يمارسون البغاء والدعارة والتهريب والجرائم الضريبية على الأرض الفلسطينية. وتمنع المحاكم الفلسطينية من محاكمة هؤلاء المجرمين على اختلاف أوصافهم وأسمائهم . وللعلم فإن الشرطة الإسرائيلية وهي غير ذات اختصاص بل الجيش الإسرائيلي المختص، لا تفتح ملفات للتحقيق مع هؤلاء المجرمين سواء أكانوا مستوطنين أو إسرائيليين مدنيين منحرفين. وهذا أمر معروف من بعد عام 1967 وإلى يومنا هذا، بل كتبت عنه التقارير، ووصفته الصحف، ومراكز حقوق الإنسان، بل كتبته التحقيقات الرسمية عن خروقات المستوطنين، ووثقته الأمم المتحدة ومنظماتها المتفرعة عنها، وأمنستي وصحف عالمية، ودول عديدة. كل ذلك بدون فعل أو إتهام أو إجراء وبقي الموضوع حبرا على ورق. فلا دولة أوروبية وضعت اسم مستوطن قص شجرة زيتون فلسطينية أو قتل شيخا فانيا أو أحرق عائلة فلسطينية. ولكم أن تتخيلوا اختصاص القانون الإسرائيلي والقضاء الإسرائيلي الواسعين، في أي أمر يتصل أو يمس الأمن الإسرائيلي أو بالدولة الإسرائيلية بغض النظر عن مكان ارتكاب الفعل وزمانه كما حدث مع أيخمان ورجال المقاومة الفلسطينية ومن تعاطف معهم بغض النظر عن جنسياتهم.
وبذات القدر تأتي الأخبار الحزينة من أن تلك الإعتداءات الإستيطانية مستمرة بل استشاطت كما حدث أخيرا في قرية برقة الفلسطينية شمال نابلس. ويزداد الخبر شجنا وحزنا حينما نسمع عن تركيب حمايات للمنازل الفلسطينية من اعتداءات المستوطنين، بدل أن نرد الإعتداء على وجه المعتدين بقدر عدوانهم. هذا حق أساسي للشعب الفلسطيني ولا يجوز التنازل عنه البتة ولا الجدل حوله، ولا يجوز التنازل عن الحق الطبيعي والقانوني للشعب الفلسطيني للرد على الإعتداءات الإسرائيلية عبر استعمال حقه بالدفاع الشرعي بصور كافة ضد الإعتداءات الإسرائيلية. فلا يجوز التسليم بالإعتداءات الإسرائيلية وكأنها قدر محسوم ولا راد لقضاء الله. ويثور السؤال أين ستقف هذه الإعتداءات الإسرائيلية، وما هي سقفها وزمانها ومكانها، ومن سيوقفها إذا تزايدت إذا تطورت، وهل من ضامن لذلك بأن لا تتطور، ولماذا نسمح لها بالتزايد نوعا وكما أصلا بينما يجب إيقافها. ولعل في وقف صلاة المستوطنين المزعومة إلى قبر النبي يوسف بعد الأحداث الأخيرة، يشير إلى أن الفلسطينيين يملكون التأثير في الأحداث إن رغبوا، بل هم أفضل من عمل وفعل. وعدم وقف المستوطنين سيشجعهم لارتكاب المزيد من فظائعهم.
الإستيطان والمستوطنون مجرمو حرب لجريمة حرب وفق ما قرره القانون الدولي الإنساني ومواثيقه في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والملحق الأول لعام 1977. وليس فيه حل وسط أو عشائري أو قبلي، لذا فأمر مستغرب أن لا يرد عدوانهم الشعب الفلسطيني، بل إن ميثاق روما لعام 1998 جعل من الإستيطان جريمة جنائية دولية يعاقب مرتكبها. فما بالك عندما تقع جريمة من هذا المستوطن على الإقليم الفلسطيني المحتل. ويجب على الدول وهي الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وهي تقريبا جميع دول العالم مجتمعة، بأن تتخذ الإجراءات التشريعية لملاحقة المتهمين وتقديمهم للمحاكمة فرض عقوبات جنائية فعالة على من اقترف هذه المخالفات الجسيمة والخروقات الخطيرة وحتى تسليمهم لدول تطلبهم لمحاكمتهم عن أفعالهم. ولا بد من اشارة هنا إلى موضوع الإختصاص العالمي كرافعة لمحاكمة المستوطنين عن اعتداءاتهم على الفلسطينيين القرويين او المدنيين. وعلينا كفلسطينيين أن نعمل على ذلك وهو أمر ممكن.
صحيح أن إسرائيل تنكر تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على الأراضي المحتلة بحجج وذرائع سخيفة لم تقنع أحدا في العالم أجمع بل إن الأمر مستقر أن هذه الأراضي هي محتلة وليست متنازع عليها كما يزعم الإسرائيليون والمستوطنون. وهناك نصوصا صريحة بأن الإستيطان خرق خطير ومخالفة جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة ( المواد 49، 146، 147، 148). وفوق هذا وذاك كان الإستيطان لعنة دولية أثناء الحرب العالمية الثانية وجريمة دولية بموجب العرف الدولي الذي تمت صياغته في ميثاق لندن لعام 1945.
وعلى سبيل الجدلية المحزنة، ما دام الإسرائيليون يخصمون شرقا وغربا من أموال الفلسطينيين المتحققة لهم بموجب أوسلو اللعين ويخصمون رواتب الأسرى ويحتجزون تعويضاتهم، فلماذا لا يطلب الفلسطينيون بالمقابل من الإسرائيليين تعويضا عن خسائرهم المادية والمالية والمعنوية التي تسببها لهم الإعتداءات الإسرائيلية وهي كثيرة على مر الإحتلال. ولماذا التقاعس في هذا الأمر وتسويفه وتأجيله؟! وهل كتب على الفلسطينيين أن يتنازلوا عن حقوقهم السليبة والوطنية والأساسية والإنسانية من أجل سواد عيون الأغراب الخارقين لقواعد السماء.
يسرقون ماءنا وثرواتنا الطبيعية وأمننا وسيادة شعبنا ومصالحنا الإقتصادية وأرضنا، وفي نفس الوقت لا نرد اعتداءاتهم إلى نحورهم عملا بحقنا في الدفاع الشرعي عن نفسنا وعرضنا وأرضنا ومالنا. حقنا في الدفاع الشرعي عن النفس الفلسطينية حق أساسي نظمه القانون الإنساني والطبيعي ويجب أن يعمل به ولا يهمل، فالألفة مجلبة للإستخفاف والمزاحة تذهب المهابة!!