هل سيكون حسين الشيخ الخليفة القادم للرئيس محمود عبّاس؟
وهل “صمْت” حركة “فتح” وكوادرها علامةُ الرّضا؟ ولماذا تدعم إسرائيل وأمريكا هذا الخِيار؟ وما هو البرنامج “المُقلِق” الذي وعد بتبنّيه في حالِ الوصول للزّعامة وشرحه في “نيويورك تايمز”؟
عبد الباري عطوان
يبدو أنّ البحث عن إيجادِ بديلٍ للرئيس الفِلسطيني محمود عبّاس في رئاسة السّلطة يقترب من نهايته، وأنّ الإسرائيليين والأمريكان باتا يُفَضِّلان السيّد حسين الشيخ عُضو اللجنة المركزيّة لحركة فتح وأمين سِر اللجنة التنفيذيّة للمنظّمة، وضابِط الاتّصال (وزير الإدارة المدنيّة) مع القِيادة الإسرائيليّة الأنسب لتولّي هذا المنصب.
لم يكن من قبيل الصّدفة أن تفرد صحيفة “النيويورك تايمز” أكثر من نصف صفحة لإجراء حديث مع السيّد الشيخ، لتهيئته للخِلافة، وإفساح المجال له لتقديم أوراق اعتماده، ومُؤهّلاته للمنصب الأعلى في السّلطة الفِلسطينيّة، ومُباركة مسؤولين أمريكيين كِبارًا لهذا الاختِيار كان أبرزهم دانييل شابيرو السّفير الأسبق في تل أبيب، ووكيل وزارة الخارجيّة الأمريكيّة ومُستشارها السّابق.
السيّد الشيخ في حديثه للصّحيفة الأهم في الولايات المتحدة كان يتحدّث كما لو أنّ الرّئاسة باتت في جيبه الصّغير، عندما قال “إنّ تاريخه وسجلّه الحافل يمنحانه الشرعيّة لقِيادة الشّعب الفِلسطيني، وأنا أعرف كيفيّة قِيادة هذا الشّعب إلى المسارِ الصّحيح”، وشرَح فلسفته ومشاريعه للقِيادة بقوله “إنّه لا يعتقد أنّ إسرائيل غير جادّة في إنهاء الاحتِلال لذلك ليس لدى الفِلسطينيين من خِيارٍ سِوى الاستِمرار في المسار الحالي، لأنّ حلّ السّلطة سيُؤدِّي إلى الخِيار الأسوأ أيّ الفراغ والفوضى والعُنف وسفْكِ الدّماء”.
اللّافت أنّ هذه المُقابلة تأتي مُباشرةً بعد “إعلان القدس” الذي صدر في خِتام زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وكان من أبرز بُنوده دعم الأمن القومي الإسرائيلي وحمايته، والاعتِراف بيهوديّة دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وضمّها للقدس المُوحّدة، وعدم الإشارة مُطلقًا للدّولة الفِلسطينيّة المُستقلّة وحُقوق الشّعب الفِلسطيني، علاوةً على منْع إيران من امتِلاكِ أسلحةٍ نوويّة سِلمًا أو حربًا.
الأمر الصّادم في مِثل هذه التّصريحات أنه لم يَصدُر عن حركة “فتح” ولجنتها المركزيّة، وقواعدها التنظيميّة أيّ ردّ فِعل على هذه التّصريحات التي تُشَكِّل تجاوزًا لنظامها الأساسي، وآليّات اختِيارها لقِياداتها، وللشّعب الفِلسطيني، والسّماح بشَكلٍ مُباشر لدولة الاحتِلال وداعمها الأمريكي بالكلمة الفصل في هذا المِضمار.
قمّة طُموحات السيّد الشيخ، مثلما جاء في حديثه للصّحيفة الأمريكيّة هو الإبقاء على الوضع الفِلسطيني الحالي تحت الاحتِلال دُونَ أيّ تغيير، واستِمرار التّنسيق الأمني، والعيش على ما ترميه السّلطات الإسرائيليّة من فُتات الأموال وفُرص العمل للشّعب الفِلسطيني في المُستوطنات تحت ذريعة تجنّب الفوضى والفَراغ والعُنف وسفْكِ الدّماء.
استِطلاعات الرّأي العام، وحسب الصّحيفة الأمريكيّة، لا تُعطي السيّد الشيخ أكثر من 3 بالمِئة من أصوات الشّعب الفِلسطيني لقِيادة السُّلطة وحركة “فتح” ممّا يعني أنّ أمريكا وإسرائيل لا تُريدان انتخابات رئاسيّة أو تنظيميّة وهُما اللّتان تتشدّقان بالديمقراطيّة وأنّهما يختاران القِيادة التي يُريدونها، ويفرضونها بالتّالي على الشّعب الفِلسطيني بالقُوّة، والقمْع، والتّجويع، والإعدامات الحيّة في الشّوارع لكُل من يُعارض أو يتمرّد.
البديل للرئيس عبّاس ليس السيّد الشيخ، أو أيّ من أعضاء اللجنة المركزيّة المُستَسلمين الخانعين، البَديل هو المُقاومة للاحتِلال بكُلّ الطُّرق والوسائل، لجَعل هذا الاحتِلال مُكلِفًا جدًّا ماديًّا ومعنويًّا مثلما كان عليه الحال قبل اتّفاقات أوسلو الخيانيّة، فالقضيّة الفِلسطينيّة تراجعت إلى ما تحت القاع عربيًّا وعالميًّا بسبب هذه الاتّفاقات التي حوّلت الفِلسطينيين إلى خونةٍ وحُماةٍ للاحتِلال وتكريسه، وتسخير قوّات الأمن لمُطاردة واعتِقال وقتْل المُقاومين والشُّرفاء الرّافضين للاحتِلال والتّطبيع.
القِيادة الجديدة لحركة “فتح” يجب أن يكون هدفها الأبرز إنهاء الاحتِلال، وليس العمل على استِمراره، وتطبيق قرارات المجلس المركزي كاملةً كحَدٍّ أدنى، وسحب الاعتِراف بالدّولة الإسرائيليّة، وإلقاء اتّفاقات أوسلو في صناديق القُمامة، والعودة إلى المُقاومة وينابيع الثّورة الفِلسطينيّة الأُولى.
معركة سيف القدس الأخيرة غيّرت جميع المُعادلات على الأرض وعزلت إسرائيل عن العالم، وأرسلت ستّة ملايين إسرائيلي إلى الملاجئ، وضاعفت من الهِجرة المُعاكسة وجعلت من الصّندوق القومي اليهودي يُفكّر في شِراء جُزر يونانيّة مهجورة وتأهيلها لاستِيعاب اليهود الهاربين من صواريخ المُقاومة التي باتت حتميّةً، ويأتي من بيننا من يقول إنّه يُريد الحِفاظ على الاحتِلال وتكريسه تَجَنُّبًا للفوضى والعُنف وسفْكِ الدّماء.
الانتفاضة المُسلّحة الثّانية التي جاءت ردًّا على الضّغوط الأمريكيّة والإسرائيليّة للتّنازل عن القدس، وحقّ العودة، لم تَكُن فوضى، وإنّما مُقاومةً مشروعةً لاحتِلالٍ فاجِر تُؤيّدها كُل القرارات والمُعاهدات الدوليّة، فلماذا يُريد السيّد الشيخ تجنّبها بالرّضوخ والخُنوع للاحتِلال بكُل ما يعنيه من إذلالٍ للشّعب الفِلسطيني، ومُصادرة لحُقوقه المشروعة التي نرى إرهاصاتها حاليًّا.
ثورة الشّباب الفتحاوي الحاليّة المُشرّفة، وعودة كتائب شُهداء الأقصى إلى نهج المُقاومة للاحتِلال، هُما البديل الفتحاوي الحقيقي للسّلطة الحاليّة ورئيسها الحالي والقادم، وردّ الاعتِبار للإرْث الفتحاوي النّضالي المُشَرِّف المُعَمَّد بدِماءِ عشرات الآلاف من الشّهداء والأسرى.
تشارل ديغول، وجورج واشنطن، وتشرتشل، ونيلسون مانديلا، وكُل قادة المُقاومة لم يكونوا إرهابيين عندما قاوموا الاحتِلال لبلادهم بقُوّة السّلاح، والشّيء نفسه يجب أن يُقال عن ياسر عرفات وجورج حبش وخليل الوزير والشيخ ياسين، ويحي عياش ومحمد الضيف وزياد النخالة، وأحمد جبريل ونايف حواتمة، ومروان البرغوثي.. والقائمة تطول.
قيادة الشّعب الفِلسطيني لا تختارها إسرائيل وأمريكا، ولا اللجنة المركزيّة لحركة “فتح” وحدها، وإنّما بُندقيّة المُقاومة، ودِماء الشُّهداء، والشُّركاء في جميع الفصائل الأُخرى وغُرفها المُشتركة، ويجب أن تصل هذه الرّسالة وبصَوتٍ واضح إلى كُلّ الجِهات المعنيّة، فالشّعب الفِلسطيني ليس قطيعًا من الأغنام يَختارُ له الاحتِلال من يرعاه.