بوتين الحاضر الغائب في قمة الناتو الحرب في اوكرانيا تحدد مستقبل الاطلسي
اسيا العتروس
كما كان متوقعا كانت الحرب في اوكرانيا العنوان الابرز في قمة الحلف الاطلسي الثانية والثلاثين التي يسدل عليها الستار اليوم في العاصمة الاسبانية مدريد مع اكتمال الصورة الجماعية لقادة وزعماء الحلف الاطلسي كرسالة اولى مباشرة الى “العدو الروسي “على وحدة الحلف وتماسكه في مواجهة التحديات و المخاطر القائمة..عمليا يمكن القول أن قمة مدريد كانت امتداد لقمة مجموعة السبع الصناعية وقد خلصت الى أنه سيتعين الاستعداد لحرب طويلة تستوجب مزيد الدعم و المساعدات لاوكرانيا.
واذا كان البيان الختامي لقمة مدير شدد على سياسة الابواب المفتوحة للحلف واعلن دعوة السويد و فنلندا للانضمام اليه فان الامر يبقى مؤجلا بشأن انضمام اوكرانيا التي لم تتلقى دعوة للانضام الى الناتو رغم الدعوات المتكررة من الرئيس الاوكراني زيلنسكي الذي يبدوانه اقتنع حتى هذه المرحلة بالدعوة للانضمام للاتحاد الاوروبي تحسبا للموقف الروسي الذي يعتبر في هكذا خطوة تهديدا لامنه و استقراره و تبريرا للعملية العسكرية التي تقودها روسيا في اوكرانيا.
قمة مدريد التي اعتبرت انها الاخطرمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية كشفت عن استراتيجيات الحلف لافق 2030 وضرورة مراجعة الاستراتيجيات المعتمدة منذ 2010 والتي كان عنوانها الابرز مواجهة الارهاب والقاعدة و طالبان افغانستان التي يبدو انها باتت اليوم صفحة من الماضي.
-بوتين الحاضر الغائب ..
تماما كما ظل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحاضر الغائب في القمة التي شهدت تصريحات نارية ورسائل افتراضية متبادلة بين موسكو و بين دول الناتو على خلفية القرارالمعلن بقبول طلب عضوية كل من السويد و فنلندا في عضويته رغم معارضة موسكو , قرار لم يكن بالامكان التوصل اليه بدون تطويع تركيا ودخول الرئيس الامريكي جو بايدن على الخط للتفاوض مع الرئيس التركي في هذا الشان واقناعه بجدوى القبول بانضمام البلدين الاسكندنافيين قبل القمة , و يبدوأن تركيا و هي العضو في الحلف منذ 1952 كانت مستعدة لهذا المفاوضات التي اعادت الدفىء الى العلاقات بين انقرة وواشنطن بما جعل الرئيس التركي اردوغان يرفع الفيتو عن عضوية فنلندا و السويد ويفرض شروطه التي حددها لستوكهولم و هلسنكي بتسليم 33 شخصا ينتمون إلى حزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله غولن اللذين تعتبرهما تركيا إرهابيين الامر الذي مهد لتوقيع مذكرة بين الدول الثلاث تمهد لانضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي وتحقيق خطوة اولى باتجاه مزيد توسيع الحلف مستقبلا و تجاوز احد العراقيل أمام قمة مدريد التي تعقد بمشاركة 44 وفدا دوليا منها 41 على مستوى رؤساء الدول والحكومات و غالبا ما يسبقها اجتماعات وزراء الخارجية والدفاع يرافقهم وزراء الدفاع الخارجية الى جانب قادة أربع دول في الاتحاد الأوروبي غير الحليفة هي قبرص ومالطا والنمسا وإيرلنداو ممثلين عما يعرف بمبادرة اسطمبول او الشراكة بين الناتو و دول المتوسط .. و جاء البيان المشترك بين السويد وفنلندا وتركيا بأن ستوكهولم وهلسنكي ستبدآن بالتحقيق في أنشطة جمع أموال وتجنيد لصالح “حزب العمال الكردستاني” وتسليم مطلوبين لصالح تركيا…
-الخطر القديم الجديد
واعتبرالناتو خلال قمته في مدريد ان روسيا تمثل التهديد الأكبر للمنطقة، و تعهد بدعم أوكرانيا حتى تسترد سيادتها الكاملة …و جاءت تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ” ينس ستولتنبرغ أمس في هذا الاتجاه لتؤكد استراتيجيةو اولوياته للعقد القادم بعد استنزاف طويل في العراق و افغانستان وللمرة الاولى سيعتبر الناتو ان الصين الصين مصدر تهديد ..و للمرة الاولى سيدعو الحلف قادة اليابان و كوريا الجنوبية للقمة ربما في اشارة الى ان المنطقة مقبلة على ازمات و صراعات جديدة على خلفية مستقبل تايوان ..
بدوره اعلن الرئيس الأميركي جو بايدن من مدريد أن بلاده “ستعزز وجودها العسكري في أوروبا حتى يتمكن حلف شمال الأطلسي من “الردّ على التهديدات الآتية من كل الاتجاهات وفي كلّ المجالات..”.و اعلن تعزيز الوجود العسكري والإمكانات العسكرية الأميركية في إسبانيا وبولندا ورومانيا ودول البلطيق وبريطانيا وألمانيا وإيطالي لتصل الى حدود 300 الف من القوات العسكرية …
-روسيا على الخط
طبعا لم يتاخر الرد الروسي كثيرا على هذه الرسائل و قد نددت موسكو بالتوسع الجديد للحلف الاطلسي في اوروبا و قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف ، إن بلاده ليست “خائفة” من إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن تعزيز الوجود العسكري الأميركي في أوروبا
كما حذر من ان الحلف “لن يحصل على النتائج التي يتوقعها من هذه الجهود” ملمحا الى أن “ما يحدث الآن سيؤدي بلا شك إلى رد فعل من جان روسيا دون توضيحات حول طبيعة تلك الردود و ما اذا كان الامر يتعلق بتحركات جديدة في اوكرانيا او ربما باجراءات تستهدف فنلندا و السويد بعد خروجهما من الحياد و تقديم طلبهما رسميا للانضمام الى الاطلسي على خلفية التدخل الروسي في اوكرانيا .. كما اعتبرت روسيا ايضا ان الاستمرار في تزويد أوكرانيا بالسلاح سيؤدي لإطالة أمد العملية العسكرية، ويزيد عدد الضحايا، كما أن الأسلحة التي يقدمها الناتو لأوكرانيا قد تصل إلى السوق السوداء ما يزيد معدل الجريمة في أوروبا…
عمليا لم يعد الامر يتعلق بطلب فنلندا و السويد الانضمام الى الاطلسي ولكن بدعوة الناتو لهما ان يصبحا عضوين في الحلففي اجال غير مسبوقة وهو ما يعني ان الحلف يتجه لمزيد التوسع و التمدد .بعد ان اعتبر ان “روسيا هي التهديد الأكبر للحلف وسلامته واستقراره
دعم اوكرانيا دون تدخل على الارض
من خلال بيان قمة مدريد يؤكد الناتو انه سيستمر في مساعدة اوكرانيا و تمويلها عسكريا و اقتصاديا و لكن دون ان يكون له موقع على ارض الصراع فاوكرانيا ليست عضو في الناتو و لا يمكن للحلف التدخل مباشرة في الحرب ..
كما شدد ايضا على ان الحلف “كيان دفاعي لا يهدد أحدا وملتزم بالديمقراطية والحريات وبالميثاق المؤسس للحلف”.و هذا رسالة اخرى يوجهها الحلف هذه المرة الى الصين التي يجدد لها الانتقادات في مجال الحقوق والحريات …
-أول مفهوم استراتيجي جديد للناتو منذ عام 2010 سيذكرو لأول مرة “التحديات المنهجية” التي تشكلها الصين، وعلاقتها المتنامية مع روسياو هو ما سيحدد توجهات الحلف بحلول 2030.وبذلك ايضا ستعزز واشنطن حضورها العسكري في اوروبا انطلاقا من قاعدتها العسكرية في شتوتغارت بنحو مئة ألف جندي بعد حرب روسيا على أوكرانيا، مقابل ستين الف قبل الحرب ..
-زيلنسكي و لعبة المرور بالقوة
الرئيس الاوكراني زيلينسكي بدوره يواصل محاولات المرور بالقوة حيث لم يعد يغيب عن لقاء او اجتماع او قمة اوروبية او امريكية و بات يدعى لمخاطبة الرأي العام الاوروبي و الدولي و توجيه مطالبه مباشرة للمجتمع الدولي بتقديم مزيد السلاح و توفير أنظمة دفاع جوي وأسلحة متطورة، لصد الهجمات الروسية…
-الحرب الاوكرانية تعيد بعث الناتو من جديد
و فيما يصرالرئيس الامريكي على ان قمة الناتو حدثا تاريخيا تثبن اهمية تواجد حلف شمال الأطلسي أكثر من أي وقت مضى، للدفاع عن كل شبر من أراضيه.يبدو ان الحلف الذي سبق للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي اعتبر و انه في حالة غيبوبة دماغية يعود للحياة و يوسع حدوده و يستعد لاحتضان مزيد الاعضاء بعد ان وجد في الحرب الروسية في اوكرانيا محفزا له على مراجعة استرتيجيته واهدافه و اعادة تحديد خصومه و اعداءه وتاكيد وحدة اعضاءه ..كما فتحت الحرب في اوكرانيا شهية الدول الاعضاء في الاطلسي على تعزيز قدراتها العسكرية, و دعا رئيس الوزراء بوريس جونسون لزيادة الإنفاق الدفاعي 20% لتعويض النقص في القدرات ومواجهة التهديد المتزايد…بما يذكر بخطاب بريطانيا السابق زمن التمهيد للحرب على العراق وهو ما قد يؤشر الى أن ملامح حرب جديدة بين روسيا و بين الغرب قد لا تكون بعيدة بل ان حرب التصريحات تعيد الى الاذهان مناخ الحرب الباردة التي تبدو اليوم اكثر وضوحا بين الاطراف المعنية ..كل ذلك فيما ذهب الرئيس الاوكرانى حد المطالبة باقصاء روسيا من الامم المتحدة مستندا في ذلك على الفصل الثاني من ميثاق الأمم المتحدة تنص بوضوح على أن أي دولة عضو تنتهك المبادئ باستمرار يمكن طردها من المنظمة من قبل الجمعية العامة بناء على توصية مجلس الأمن…
نهاية اشغال قمة الناتو لا يعني بالضرورة نهاية المعركة المستمرة في اوكرانيا ..بل ربما تكون منطلقا لمشهد جديد يمهد لعودة مناخ الحرب الباردة و اجواء الصراع الامريكي الروسي فكل شيء قبل و بعد القمة يوحي بان الحرب في اوكرانيا ليست سوى الوجه المعلن لحرب خفية بين موسكو وواشنطن ..
كاتبة تونسية