هنا غزة.. 15 عاما على الحصار
اسيا العتروس
من رأي ليس كمن سمع ..و مهما اجتهد المتتبعون لتطورات الاحداث الفلسطينية وما يحدث هناك على ارض الواقع من جرائم ضد الانسانية ترتكب بعيدا عن الانظار و في غفلة من الكاميرا , فلن يكون بالامكان نقل و لو جزء ضئيل مما يحدث في اكبر سجون العالم وهو سجن غزة الذي بات داخله مفقود و خارجه مولود… العقاب المسلط على غزة مستمر منذ 2006 بعد عملية اسر الجندي الاسرائيلي شاليط و منذ ذلك التاريخ و اهالي غزة يدفعون الثمن مضاعفا من سلطات الاحتلال المتعاقبة و لكن ايضا من المجتمع الدولي الذي يكرس سياسة لا عين رأت لا اذن سمعت مع جرائم الاحتلال الموثقة رغم كل التقارير والشهادات المتواترة …
غزة سجن فرض عليه السجان قيودا تحبس على السجناء الانفاس و تمنعهم من ابسط حقوقهم في الحياة و تفرض على نحو مليوني فلسطيني او اكثر و منذ عقد و نصف الا يتحركوا و لا يتنقلوا خارج حدود غزة دون ترخيص , ترخيص قد ياتي بعد فوات الاوان و انتفاء الحاجة له و قد لا ياتي ابدا و قد يغادر صاحبه هذا العالم قبل أن يأتيه الرد من السجان الذي يحكم قبضته على كل شيئ …حصار غزة لا يبدو انه من الاحداث او العناوين المثيرة للاهتمام و مرور خمسة عشرة عاما على هذه المظلمة بات حدث عاديا لا يحرك السواكن …و لولا تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الصادر امس و الذي اعاد تحريك المياه الراكدة لبقيت غزة نسيا منسيا …
تقرير الامس الذي يمكن اعتباره صرخة فزع قد لا تتجاوز صداها حدود القطاع المنكوب بعد ان اشتد الخناق على الاهالي و بات مجرد التفكير في مغادرة القطاع لاي شأن كان عملية شبه مستحيلة في ظل القيود والحواجز الامنية و العسكرية التي ترصد و تلاحق تحركات الاهالي و تنقلاتهم ..
صحيح ان التقرير لم يتوقف عند مختلف الاعتداءات العسكرية الاسرائيلية على القطاع منذ 2006 ولكنه كشف للرأي العام حجم المعاناة الانسانية المنسية التي طالت المرضى المحرومين من المغادرة لتلقي العلاج و حرمتابناء العائلة الواحدة من التواصل مع اقاربهم و عائلاتهم في الضفة و حرمت تلاميذ و طلبة و اساتذة و باحثين و اكاديميين من فرصة المشاركة في تربصاتهم و دورات تكوينية في الخارج و منعت فنانين من تقديم عروضهم في مهرجانت دولية و حكمت على رياضيين و شباب فرصة المشاركة في مواعيد رياضية عربية و دولية و القائمة تطول …و حرمت مواطنيين من الوصول الى الجزء الاخر من فلسطين الى الضفة لزيارة عائلاتهم او زيارة القدس او الوصول الى الاقصى في المناسبات الدينية وغيرها …
لابواكي على غزة رغم ما تضمنه التقرير الذي اعتبر ان الحصار على غزة، هو “جزء من جريمتين ضد الإنسانية، وهما الفصل العنصري، والاضطهاد ضد ملايين الفلسطينيين”…
طبعا لا حق للفلسطينيين في تشغيل مطار غزة و لا حق لهم في التنقل جوا او بحرا و لا حتى برا ..فشاطى غزة محرم في الجزء الاكبر منه على الاهالي وعلى الصيادين ومن يتجاوز الحدود المسموح بها قد ينتهي به الامر الى حكم الاعدام دون محاكمة و دون جرم يقترفه ..
يقول زميلنا الصحفي محمد العجلة و الاستاذ بجامعة غزة للاعلام في اتصالنا معه امس على هامش صدور تقرير هيومن رايتس ووتش ان القطاع بات عنوان للفقر و البطالة و الياس في صفوف الشباب و خريجي الجامعات ممن ضاقت بهم السبل و ان السفر و الكلام له من خلال المعبر الوحيد المفتوح و هو معبر رفح مرهق جدا للناس و البنية التحتية مهترئة و لا مجال لتجديدها لان توريد مواد البناء ممنوع ..أما معاناة المرضة على المعبر فتلك مأساة اخرى خاصة مع تردي القطاع الصحي في غزة و افتقاره لابسط الامكانيات الطبية المطلوبة ..ووو الاخطر حسب زميلنا هو تكريس الفصل بين ابناء الشعب الواحد و بين الضفة الغربية و القطاع ..حتى الغزاويين في الخارج باتوا يحجمون عن زيارة القطاع لخوفهم من عدم امكانية المغادرة ..الحالة في غزة حسب محدثنا تركت اثارا نفسية و اجتماعية مدمرة على الجميع …
14 جوان 2007- 14 جوان 2022 خمسة عشرة عاما مضت على تطويق اسرائيل قبضتها على غزة و تحويله الى سجن مفتوح …
رحم الله الشاعر الكبير مظفر النواب الذي كثيرا ما كانت كلماته الصادمة التي لا تروق للحكام العرب تكشف الوجه القبيح لعالم يتجه للتطبيع مع التوحش و التنكر لانسانية الانسان ..و هو من كتب لغزة و اهلها و قال في ذلك ..
فى زمنٍ فيهِ حوادثنا كمذابحنا
ومآتمنا
أفعالٌ تبنى للمجهولْ
خُذ مثلاً
ضاعتْ منّا القدسُ
وقامتْ دولةُ إسرائيلْ
من المسئول؟
فعلٌ مبنى للمجهولْ
خذ مثلاً دبّاباتٌ ستٌ فى بغدادَ
ونشراتُ الأخبارِ تقولْ:
سقطتْ بغدادُ
من المسئولْ؟
فعلٌ مبنى للمجهولْ…
و نحن بدورنا نسال من المسؤول ؟
كاتبة تونسية