صبية يسار الناتو يشيدون حائط مبكى دفاعا عن الفاشية الأوكرانية!

 صبية يسار الناتو يشيدون حائط مبكى دفاعا عن الفاشية الأوكرانية!

د. عادل سماره

ثار كثير من الجدل بين اليساريين في جميع أنحاء العالم في أعقاب حرب الدفاع الروسية ضد استفزازات النظام الأوكراني المستمرة، وحلفائه النازيين الجدد، والدّعم الذي يتلقاه ذلك النظّام من الإمبرياليّة العالميّة.

ولعلّه مما يثير الدهشة هو أولئك اليساريين المارقين الذين لا يخجلون عن الوقوف علناً وبشكل مباشر وحازم مع النظام الأوكراني جنباً إلى جنب مع ثالوث الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وتابعهم النظام الصهيوني، متجاهلين بصلف الجذور والأسباب التي جعلت من هذه الحرب أمراً محتماً (أنظر مثلاً مقالة موقف الشيوعيين تجاه الحرب الإمبرياليّة في أوكرانيا نيكوس موتاس رئيس تحرير مجلة دفاعاً عن الشيوعيّة; التروتسكيّة، 10 مارس 2022).

 يتجاهل هؤلاء المزيفون حقيقة أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) وصل إلى حدود روسيا على الرغم من حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية تعهدت لقيادة الاتحاد السوفيتي السابق بأن الناتو لن يتوسع قيد أنملة واحدة في أوروبا!

وفي حين أن الشيوعية كانت دائماً الأيديولوجية المضادة والقوة الرئيسية في مواجهة النازية، فإن هؤلاء اليساريين المزيفين لم يفكروا أو يحتاطوا أبدا من موجة النازية الجديدة في أوكرانيا وفي معظم أوروبا، وحق كل دولة في الشعور بالخطر عندما تجد نازيين ينتشرون قبالة حدودها في وقت يتم فيه تطويقها من قبل الناتو أيضا.

ويتجاهل هذا اليسار المارق أيضاً أبدا الإشارة إلى ذلك التحالف الواضح بين النظام الشوفيني في أوكرانيا الذي استولى على السلطة من خلال الإرهاب، وتحالفه الوثيق مع النازيّة الجديدة والصهيونية، وبالكاد تسعفهم الذاكرة لتذكر حقيقة أن الناتو قد شرع في عسكرة أوكرانيا منذ مؤتمره في بوخارست في 21 مارس 2014.

إن أي تحليل يتجاهل هذه الحقائق الأساسيّة لهو خدمة متعمدة تخدم تحقيق أغراض عدوان تحالف الإمبريالية والنازية والصهيونية.

 لقد وقعت عشرات الأحزاب الشيوعية وتنظيمات اليسار إعلانا يساوي بين الثالوث (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان) وروسيا باعتبارهما كليهما إمبرياليات من ذات الطينة، في حين أن روسيا ليست أبدا نظاما إمبرياليا وبخاصة وفقا لتعريف لينين للإمبريالية، الأمر الذي يثبت أن هؤلاء الشيوعيين  المزيفين قد انحازوا إلى جانب الثالوث الإمبريالي وأنهم يثرثرون حول نظرية لينين لكنهم لا يبنون مواقفهم على فهمها.

وتعود محاججة أن روسيا نظام إمبرياليّ هذه إلى تراث الشيوعيين التروتسك، الأداة الدائمة لوكالة المخابرات المركزية، الذين وظفتهم لإشعال حرب أهليّة بين الشيوعيين في الاتحاد السوفياتي والصين خلال مرحلة الحرب الباردة.

لو امتلك هؤلاء الشيوعيون المزيفون أيّ احترام لشيوعيتهم ، لكان يجب عليهم النضال من أجل حل الناتو بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أنهم بالطبع لم يفعلوا ذلك. وعلاوة على ذلك، فشلوا في الانتباه إلى حقيقة أن روسيا احتجت لمدة عشرين عاما على تمدد تواجد قوات الناتو نحو حدودها. وهم كذلك اعتصموا بالصمت المريب عندما استعادت النازية عافيتها في الغرب بشكل قانوني معلن، ولم تعلوا أصواتهم كما يفعلون الآن ضدّ روسيا.

ولا يخجل يساريو الناتو البتة من أن العديد من المحللين البرجوازيين أمثال جون ميرشايمر لم يترددوا في الإشارة إلى أن المتسبب في الأزمة الحالية في أوكرانيا هو الثالوث الإمبرياليّ، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب عدم حل حلف الناتو بعد انتهاء الحرب الباردة واستمراره بالتوسع العدواني نحو الحدود الروسيّة (أنظر https://youtu.be/GdO11hgdtTQ).

وفي حين أن الصهاينة لم يتوقفوا لحظة عن تذكير العالم بالهولوكوست، فإن هؤلاء الشيوعيين المزيفين لم ينتقدوا بأي شكل التحالف المشبوه بين النظام الفاشي الأوكراني والنازيين الجدد والصهاينة. هؤلاء المزيفون أنفسهم، بمن فيهم العديد من قيادات الأحزاب الشيوعية العربية، لم يحتجوا أبدا بهذه الحديّة على حروب الإمبريالية الدمويّة في العراق وليبيا وسوريا وأفغانستان كما هم يحتجون اليوم بصخب على العمليّة العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا. ومن الجليّ أن الشيوعيين العرب تحديداً ما زالوا يشعرون بالدونيّة تجاه شيوعيي الغرب وغير قادرين على اتخاذ مواقف استقلالية عنهم، فيما نحن في الوطن العربي نتذكّر جيدا وبمرارة كم المساومات قدمتها الشيوعية العالمية للكيان الصهيوني الأشكنازي الذي احتل فلسطين وطرد شعبها عام 1948.

بالتأكيد، روسيا والصين اليوم تحكمهما أنظمة رأسمالية، لكن أنظمتهما السياسيّة لم تعلن أبدا عن عداء للغرب، في الوقت الذي يعلن فيه الغرب، وبخاصة الإمبريالية الأمريكية، ليلا ونهارا أنه يستعد لإنهاء البلدين، وينشغل حكام الولايات المتحدة ونخبها الأكاديمية والعسكرية ببناء آلة حرب ممنهجة متعددة الأوجه ضد روسيا وأيضاً ضد الصين.

 ألا يحق لنا أن نسأل هؤلاء الشيوعيين المزيفين: لم الثالوث الإمبريالي في حالة عداء دائم ضد روسيا والصين، بغض النّظر عمّا إذا كانوا يتبنون سياسات اقتصاد اشتراكي أو رأسمالي؟ وهل هذا يعني أي شيء سوى أن الثالوث الإمبريالي معاد بلا هوادة لكل أمة تريد التمتع بالسيادة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعيّة؟

وحتى لو افترضنا جدلاً بأن روسيا نظام إمبريالي، فمن حق روسيا دائماً الدفاع عن نفسها من العدوان.

لقد تجرأ الشيوعيون المزيفون في يسار الناتو على الطلب من الطبقة العاملة في روسيا والصين بعدم التعبئة تحت شعارات وصفوها بأنها لا تخدم مصالح تلك الطبقة، مثل حماية / تحرير شعب دونباس وتطهير الإقليم من النازية أو نزع السلاح من أوكرانيا. لقد فات هؤلاء المزيفين إدراك حقيقة أنّه برغم التمايز بين الطبقات في كل تشكيلة اجتماعية رأسمالية فإنّ ثمة مصلحة مشتركة لكل طبقات المجتمع الواحد في التصدي معاً للاستعمار والإمبرياليّة – في تشكلها الحالي عولمة رأسماليّة. إن مطالبة الطبقة العاملة بعدم التصدي للغزو الأجنبي هو مطالبة وقحة لهذه الطبقة بخيانة وطنها والترحيب بالاستعمار. ولو كلف يساريو الناتو أنفسهم عناء قراءة البيان الشيوعي (ماركس وإنجلز)، لأدركوا بأن الأمة المتقدمة والقوية والحرّة هي الأكثر قدرة على الانتقال نحو الاشتراكية.

يشير بيان نيكوس موتاس إلى أنّه وعلى العكس من موقف الحزب الشيوعي الروسيّ (CPRF) فإن حزب حزب العمال الشيوعي الروسي (RCWP) أصدر بيانا يقول فيه بأن الأهداف الفعلية للكرملين هي تعزيز مكانة روسيا الإمبريالية في المشهد السياسي الدولي، مشيرا إلى أن سبب الحرب يكمن في التناقضات البينية بين الإمبرياليات (أنظر بيان حزب العمال الشيوعي الروسي حول حرب أوكرانيا:

http://www.idcommunism.com/2022/02/russian-communist-workers-party-on

ukraine-war.html ).

وهذا كما هو ظاهر موقف انتهازي يثير السخريّة بالفعل، إذ رغم أنّه يهلل للرئيس فلاديمير بوتين لقراره الاعتراف رسمياً بالجمهوريات الشعبيّة قي دونباس، فإنّه يشير في ذات الوقت إلى إن العمال وحدهم، لا الأسياد، هم الذين سيموتون على الجانبين. ومع أن التضحية من أجل النضال الطبقيّ أمر محمود، إلا أن الانخراط في القتال والموت من أجل مصالح الأسياد هو حمق وإجرام وغير مقبول. ويتناسى هؤلاء أن جمهوريات دونباس الشعبية تتعرض منذ عام 2014 لعدوان مستمر من قبل أوكرانيا ونازييها الجدد، وسقط العديد من العمال شهداء هذا العدوان. فهل يريد الشيوعيون المزيفون من الطبقة العاملة في روسيا والجمهوريتين في دونباس أن تكون جبانة وتخون شهداءها وشعبها؟ وهل سيقبل الشعب يوماً لقيادة من الطبقة العاملة بأن تتولى السلطة إن هي تخلت عن الدفاع عن بلدها ضد العدوان؟

ولعله من المؤلم أن كتابات القائد لينين وظفت بشكل خبيث في عدة مقاطع من البيان الذي نشره موتاس.

وجميعنا يعرف أنّ نصوص لينين المناهضة للحرب تلك، كانت بشأن الصراع بين الإمبرياليات المتنافسة حول تقاسم الحصص من العالم المستعمَر. وطالما أن روسيا ليست دولة إمبريالية، فإن أفكار لينين ليست بذات صلة هنا ولا تنعقد المقارنة بأي شكل.

يتهم يسار الناتو الشيوعيين الذين يدعمون روسيا بأنهم يفصلون الاقتصاد عن السياسة، في حين أنهم هم أنفسهم يتجاهلون الاقتصاد تماما عندما يحددون مواقفهم تبعاً لمواقف سياسيّة زائفة تتعلق بصراع عسكري محض، ولا يشيرون أبدا إلى المصالح الاقتصادية للثالوث الإمبريالي الذي يحميه ويمكِّنه حلف الناتو ويحافظ عليه. هذا اليسار المارق لا يريد أن يفهم حقيقة أن الحرب الاقتصادية التي يشنها الثالوث الإمبريالي ضد روسيا تحت مسمى العقوبات، هي حرب مصالح وريوع. إن الأزمة المالية/الاقتصادية المستمرة في الولايات المتحدة منذ بعض الوقت تدفعها للتعويض عن اقتصاديات الإنتاج بالتركيز على المضاربة من جهة، والريع، أي تجارة النفط والأسلحة والعقارات، من جهة أخرى. وهذا التدهور في الاقتصاد الأمريكي يدفع النخبة الحاكمة في واشنطن إلى التنافس مع اقتصاد ريع قوي في روسيا يتواجد بكثافة في السوق الأوروبيّ.

وعلاوة على ذلك، فإن المصالح الاقتصادية للإمبريالية هي السبب الرئيسي وراء الحرب الحالية المعلنة ضد روسيا وتالياً ضد الصين. وليس بذي عقل من لا يدرك أن الإمبرياليات مستعدة دوما لشن الحروب، نووية حتى إن تطلب الأمر، إذا وجدت أن التراكم سيتراجع لمصلحة أطراف أخرى.

يدعي يسار الناتو أيضاً بأنه كانت هناك حرب في جورجيا! لا لم تكن تلك حرب، بل دفاع روسي مجيد ضد توسع الناتو في جورجيا من جهة، وضد قواعد الكيان الأشكنازي الصهيوني التي بنيت في جورجيا ضد إيران من جهة أخرى. ويكرر هؤلاء المزيفون كذلك أنّ روسيا ضمت شبه جزيرة القرم، ولا يذكرون أبداً أن القرم هي في الواقع جزء من روسيا، وأن معظم سكانها ينتمون إلى روسيا.

 يبذل الشيوعيون المزيفون في يسار الناتو جهوداً طائلة للتقليل من أهمية الانتصار الروسي على أوكرانيا الفاشية وحلف الناتو. لكن دعوني أقول لكم. في الحقيقة، إن معظم الشعوب في جميع أنحاء العالم تراه انتصاراً مجيداً. وهناك العديد من المواقف المتقدمة للعديد من دول العالم، بما في ذلك الهند وباكستان والصين التي لم تدن العمليّة العسكريّة الروسيّة أو تخضع للضغوط الغربيّة لمقاطعة روسيا. وينطبق الشيء نفسه على رفض الإيرانيين والجزائريين والفنزويليين توفير النفط لأوروبا ليحل محل النفط الروسي.

عندما أطلقت روسيا حربها الدفاعية، كانت تواجه خيارين صعبين: إما تجريد أوكرانيا من السلاح بالقوة، أو الانتظار حتى يشن حلف شمال الأطلسي حربا كبيرة عبر أوكرانيا ضد الاتحاد الروسيّ. ولا شكّ أن خيار الانتظار كان يعني زيادة فرص خسارة الحرب وسقوطها تحت نفوذ الاستعمار الغربي الذي سيواصل من بعدها  حربه ضد الصين بدافع من الشهوة الإمبريالية للاستفراد بثروات العالم.

لقد فتح انهيار الاتحاد السوفياتي الطريق أمام الإمبريالية لتدمير العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا، وسيمكن انهيار روسيا الإمبريالية من أخذ العالم برمته نحو انتصار البربرية.

وتدرك الجماهير حول العالم اليوم تلك الجهود الجبارة التي تبذلها الآلة الإعلامية الغربية (بما فيها مصرف الديكتاتوريات العالميّة في سويسرا مدعي الحياد) لبناءحائط مبكى من أجل النظام الأوكراني وحلفائه من النازيين الجدد والصهاينة وإظهارهم كما لو كانوا ضحايا لحرب عدوانيّة روسية، وهي ترى أن الشيوعيين المزيفين في يسار الناتو المزيفين في يسار الناتو ليسوا إلا طائفة أخرى ممن يذرفون الدموع الكاذبة أمام ذلك الحائط.

_________

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *