زلة لسان.. اعتراف بوش الذي تأخرعشرين عاما
اسيا العتروس
“خطأ.. وحشي و غير مبرر” هكذا وصف الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الابن وهو في اتم مداركه العقلية الاجتياح الامريكي للعراق في مارس 2003 في اعقاب هجمات 11 سبتمبر .. اعتراف غير مسبوق وهو موثق بالصوت و الصورة سرعان ما انتشر عبر مختلف المواقع الاجتماعية و احتل صدارة الاحداث و أثار ردود افعال في مختلف الاوساط السياسية و الاعلامية بعد مضي عقدين من الزمن على التدخل الامريكي في بلاد الرافدين, اعتراف تلقائي وعلى الملىء أمام محكمة الرأي العام الدولي دون استجواب او ضغوط قضائية او سياسية او اعلامية بل لعلها الاعترافات الاكثر صدقا و تطابقا مع الاحداث في تاريخ الرجل و هي اعترافات تاريخية و ان أتت متأخرا فانه افضل من الا تاتي ابدا..
المثير أن اعتراف الرئيس الامريكي السابق لم تتوقف عند هذا الحد فقد مضى يقول أن النتيجة هي غياب الضوابط والتوازنات , وقرار رجل واحد شنّ غزوا وحشيا غير مبرر بالمرة للعراق ..الاكيد ان الرئيس الروسي لن يكون الاكثر سعادة بهذا الاعتراف فهناك الملايين من العراقيين ممن فقدوا الامل في نشر حقيقة دوافع واهداف غزوالعراق قد بات بامكانهم أن يفهموا ما حدث … حديث بوش لم يكن في جلسة مغلقة و تم تسريبه رغما عن ارادته و لم يكن أيضا خلال دردشة عائلية او مع الاصدقاء و الخلان بل جاء خلال كلمة له أمام حضور من الخبراء و الطلبة و الاعلاميين بمعهد يحمل اسمه , فنطق بما لم يكن احد يتوقعه منه
صحيح , ان بوش سرعان ما تدارك الامر و اوضح بأسلوب ساخر انه يقصد التدخل الروسي في اوكرانيا محملا المسؤولية لتقدمه في السن و تراجع قدرته على التركيز ..
و لكن الاكيدو هذه قناعتنا, ان الامر لا يتعلق بزلة لسان أو تداخل في الاحداث ولا هو ايضا مرتبط بالتقدم في السن وعدم القدرة على التركيز .. بل الامر يتعلق وهنا مربط الفرس بحقيقة مصادرة منذ سنوات و بكابوس ما انفك يلاحق بوش الابن و يسكنه وهو الذي تلاحقه و تلاحق قوات من الجيش الامريكي اتهامات بارتكاب جرائم حرب قد لا تجد طريقها يوما الى الجنائية الدولية ولكنها تبقى شهادة موثقة عما ارتكب في حق اجيال متلاحقة في العراق بعد ان تحول الى عنوان للفوضى و الانهيار على مدى عقدين من التدمير الممنهج الذي امتد الى مختلف مؤسسات الدولة من جيش وامن و مجتمع وتعليم و فن و ثقافة و معرفة..
صحيح ان بوش الابن يتمتع بحصانة دائمة و ليس من المتوقع اسقاطها وهو الرئيس الامريكي الذي شرع للحرب في العراق في مارس 2003 تحت غطاء انقاذ العالم من خطر سلاح الدمار الشامل في العراق الذي لم يتم العثور عليه حتى يومنا هذا و الذي تحول الى ذريعة للتبشير بالشرق الاوسط الجديد والديموقراطية الفتية باعتماد سياسة الفوضى الخلاقة انطلاقا من العراق مرورا بسوريا و ليبيا و اليمن.
قبل اسبوعين على مغادرة الرئيس بوش البيت الابيض بعد انتخاب اوباما في 2008 اختار الرئيس الامريكي الاسبق ان يعقد ندوة صحفية في العاصمة العراقية وكان يتوهم او وقع ايهامه انه سيستقبل بالورود ولكنه بدلا من ذلك تلقى في وجهه فردتي حذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي وهو يصرخ “هذه قبلة وداع من الشعب العراقي ايها.. وهذه من الارامل و الايتام و كل الذين قتلوا في العراق “
بقية الحكاية معروفة تم ايقاف الزيدي و حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات قبل ان يتم الافراج عنه …في السياسة يقال ان زلة القدم اسلم من زلة اللسان … فزلة القدم يمكن معالجتها على عكس زلة اللسان التي يمكن ان تضربصاحبها اوتحرجه او تصيبه بلعنة حتى اخر ايامه او ربما حتى تدينه ..أما في لغة علم النفس و حسب توصيف استاذ علم النفس سيغمون فرويد.
فان زلة اللسان مراة تعكس افكارا و دوافع و امنيات دفينة في الاوعي …و هي بالتالي تعبير عن دواخل الشخص مما يعكسه سلوكه الواعي …
هكذا اذا و كلما توقعوا ان حرب العرق من الماضي الا و عادت الى سطح الاحداث و أثارت معها مزيد الشكوك حول الادعاءات الرئيسية التي استخدمتها إدارة بوش لتبرير غزو العراق ..اغلب المنابر الاعلامية الامريكية و منها
“فوكس نيوز” اعتبرت ما حدث زلّة مؤسفة، في حين وصفتها “هافينغتون بوست” بأنها زلة مقيتة، وقالت صحيفة “واشنطن إغزامينر” إن “بوش ارتكب خطأ فادحا بحجم العراق..و لكن في المقابل لا احد اعتبر على الاقل حتى الان ان هذه الاعتراف يمكن ان ترقى الى وثيقة ادانة تستوجب الملاحقة و المحاسبة بشان جريمة العصر التي يعتقد ان نصف مليون عراقي قتلوا خلالها دون اعتبار لحجم الدمار و الخراب الذي لحق هذا البلد و ما اصابه من افلاس و تجهيل و تقسيم واستهداف للعلماء و اغتيال للجامعيين و تصفية للنخب ومن سطو على ثرواته النفطية و كنوزه الاثرية و الطبيعية و متاحفه التي لعبت بها الايدي فنهبت اثمن و اجمل ما فيها حتى ان الاثار العراقية كانت تلاحق في بيوت الجنود الامريكيين و في المزادات العلنية و الاسواق كل هذا طبعا دون التوقف عند جرائم غوانتانامو و ابو غريب ….أما مستقبل العراق فيكفي الازمة السياسية التي يغرق فيها منذ انتخابات نوفمبرالماضي و الفشل الذريع في الخروج من عنق الزجاجة و تشكيل حكومة توفر الحد الادنى للمواطن العراقي …اليس بعد كل هذا ما يؤكد ان بوش لم يكن اكثر صدقا مع نفسه و مع العالم مما كان عليه امس …
كاتبة تونسية