انتقلوا من الدهشة ثم المناحة ... فماذا عن الزراعة
عادل سماره
(حلقة 1)
بين شيانوف ولينين
هذه رسالة إلى الفلاحين في الضفة الغربية، نعم، فبعد أن اخذتنا الدهشة بيوم 7 تشرين/أكتوبر ثم قيام الثورة المضادة فورا يوم 8 تشرين بالهجوم المعاكس بدءاً بفتك الكيان بكل شيء في قطاع غزة، وقيادة امريكا للحرب وصمت أل 57 دولة عربية وإسلامية وحصر دورها في ترجي العالم بترجي الكيان لوقف الحرب، تحولنا إلى مصلوبين أمام شاشات لا تبث سوى الأشلاء أي مشاهدة مناحة ممتدة.
وإذا صح تقديري، فقد انشغل كثير من الاقتصاديين والمحللين في توصيف أزمة الكيان الاقتصادية واعتماده على الخارج أو شرح حربه الاقتصادية على الضفة الغربية، وهذا طبيعي، ولكن ماذا عن تحفيز العمل الزراعي والإنتاج!
أما والآن فترة الزراعة الخضرية الصيفية، فماذا عملنا في هذا المستوى؟
وهنا أقصد اصحاب الملكيات الصغيرة وهي في هذه الضفة في معظمها صغيرة وخاصة الذين كانوا يعملون في الكيان وتوقفوا أو أُوقفوا.
ولكن، قبل الذهاب إلى تفاصيل ضرورة العمل الزراعي لأن الأمن الغذائي جوهر الأمن القومي، أسترجع حدثاً تاريخيا متعلقاً يُلقي الضوء على هذه المسألة مرتكزاً على خبرتي في هذا المجال.
شيانوف لينين وستالين
ألكسندر شيانوف هو اقتصادي زراعي روسي ثم سوفييتي (1888 -1937) أي وُلد قبل ثورة أكتوبر، يعتبر من المدرسة التي يطلق عليها “النمط الآسيوي في الإنتاج”/ماركس حيث الانتاج في عملية العمل ينظم على اساس الجماعة المحلية Local Community. وتكون وحدة الانتاج هي الأسرة او تجمع مجموعة أسر، وعموما الانتاج لدى هذه المجموعات/الجماعات محصور في انتاج السلع المطلوبة لاستهلاكهم. ويسمى هذا ” الانتاج الطبيعي “وهو كما مصطلح النمط الاسيوي في الانتاج و “الجماعة الهندية” اساسا من صياغة كارل ماركس.
تقوم نظرية شيانوف على أهمية المزرعة الصغيرة الخاصة لإنتاج حاجة الأسرة وتبادلها مع اسر اخرى
وطبعا كل الأسرة تعمل، وطالما تنتج حاجتها فان المزيد سيكون بلا معنى.
(يمكن للمهتم الرجوع إلى كتاب الصديق هنري برنستين أدناه وكتاب جون تايلور:
And H .Bernstein his ed text: Under Development and Development , Penguin, London 1973
From Modernization to Modes of Production, by John G. Tayler Macmillan press 1979. P.p. 175-77, 298
برنستين هو الممتحن الخارجي، د. عزيز العظمة الممتحن الداخلي لي في رسالة الماجستير بدأتها جامعة لندن واشتبكت مع المشرف دفاعا عن الراحل الزميل سمير فانتقلت لجامعة إكزتر . وحين سأله الصديق جوتم سن عن دفاعي، ضحك وقال بتواضع هو كان يمتحننا)
مشكلة شيانوف
تمسك شيانوف بنظريته بعد انتصار الثورة البلشفية وعارض، بل رفض قبول أطروحة الدولة السوفييتية بأن الأسرة ليست ملزمة بأخذ سياسة الدولة السوفييتية بالاعتبار أي الإنتاج بأوسع ما تطلبه الدولة لإطعام المدن.
وبالطبع قاوم الفلاحين سياسة الدولة سواء بتقليص الإنتاج أو حتى قتل حيوانات الحرث والجر.
عمل لاحقا في العديد من اللجان السوفيتية للإصلاح الزراعي وكان عضوًا في ناركومزيم بالإضافة إلى “شغل مناصب محاضرة وإدارية في العديد من الجامعات والأكاديميات”.
كان مؤيدًا للتعاونيات الزراعية، لكنه كان متشككًا بشأن عدم كفاءة المزارع واسعة النطاق. كانت شكوك شيانوف متجذرة في فكرة أن الأسر، وخاصة أسر الفلاحين التي تمارس زراعة الكفاف، سوف تميل إلى إنتاج كمية الغذاء التي تحتاجها فقط للبقاء على قيد الحياة. كان يعتقد أن الحكومة السوفيتية ستجد صعوبة في إجبار هذه الأسر على التعاون وإنتاج فائض. وقد انتقد جوزيف ستالين هذه الآراء بشدة ووصفها بأنها “دفاع عن الكولاك”.
التناقض هنا أن شيانوف لم يأخذ بالاعتبار الحصار الاقتصادي على السوفييت ومن ثم الحرب والغزو الإمبريالي وهي الفترة التي اسماها البلاشفة “الشيوعية الحربية” حيث غزى الغرب الدول السوفييتية ب مليون ونصف جندي، لم يهزمها لكنه أنهكها، تماما كما أنهكتها النازية في الحرب الإمبريالية الثانية. الإنهاك بالحرب والحصار هي سياسة راسخة لدى الإمبريالي.
فهذه التطورات تقتضي إطعام المدن حيث لا فرصة لاستيراد المواد الغذائية اللازمة، وبالتالي كان لا بد من تشجيع الفلاحين على توسيع الإنتاج والإنتاج من أجل السوق، وهو مخالف نسبياً للاشتراكية حيث يقوم على بقاء العمل ب “قانون القيمة” ولذلك كان لا بد من تشجيع الفلاحين على الانضمام للتعاونيات.
ومن هنا، كإن إصرار شيانوف على حصر عمل الفلاحين في إنتاج “القيمة الاستعمالية” وبأنهم ليسوا معنيين بالإنتاج للسوق اي بهدف القيمة التبادلية. ومع ذلك فإن السوفييت لم يقوموا بتأميم الملكيات الصغيرة باعتبار الفلاحين يؤمنون بالملكية الخاصة كما نظمت حقوق الفلاحين في الكولخوزات/التعاونيات الزراعية.
ولا شك أن هدف السوفييت في حينه كان صعباً ليس للأسباب الواردة أعلاه بل كذلك لأن ثقافة الاشتراكية كانت في أولياتها اجتماعيا وصار مطلوب الالتزام بها في فترة قصيرة ومباشرة نظراً للضغوطات التي تهدد كامل النظام الاشتراكي. (يتبع)
✺ ✺ ✺