يومُ الأسيرِ الفلسطينيّ 17 نيسان.. سقوطُ القلعةِ الصهيونيّة واختفاء المعبد

 يومُ الأسيرِ الفلسطينيّ 17 نيسان.. سقوطُ القلعةِ الصهيونيّة واختفاء المعبد

عيسى قراقع

17 نيسان يومُ الأسيرِ الفلسطينيّ هذا العام هو عرسُ الشهداءِ من جنين حتّى الخليل، ومن النقب حتّى الجليل، لنستمرَّ في الهجوم كما قال الشهيد أبو جهاد، الهجوم على الجدار والحاجز والمستوطنة والوصول إلى تل أبيب، نيسان يحاصرُ المحتلّين في شوارعنا ومنازلنا التي احتلّوها، وفي أحلامهم؛ أشباحُ الضحايا تطاردُ القاتلين في الزمان والمكان والتاريخ، دمُ الفلسطينيّ ينتصرُ على السيف الإسرائيلي؛ الشهداءُ يحملون بأرواحهم البلاد ويرتفعون، يعلنون إقامةَ دولةٍ فلسطينيّةٍ مستقلّةٍ فوقَ سيادةِ النشيد.

17 نيسان هو نضوجُ الجرح واللوز والنار في قلوب أجيالٍ وفتيانٍ تمرّدوا على السجن والعتمة وحصار الروح، أجيال لا تنسى؛ القهرُ ينمو والحجارةُ تتدفّقُ ويهدم السياج وأبواب المعسكرات الظالمة.

 17 نيسان هذا العامُ هو المشهدُ الذي بدأت تتداعى فيه أعمدةُ القلعة الصهيونيّة، بتاريخ 6-9 -2021 استطاع 6 أسرى من حفر نفقٍ تحت سجن جلبوع المحصّن واستنشاق فضاء الحريّة؛ الإرادةُ تكسرُ الحديد، الحريّةُ تبزغُ من تحت الإسمنت، الحريّة تنتصر على الظلام والمستحيل، الفكرة والإيمان أقوى من المدفع والقنبلة.

17 نيسان هذا العامُ هو القدس ُ العربيّة الإسلاميّة المسيحيّة الفلسطينيّة المشتبكة مع غلاة المستوطنين، القدس المرابطة المدافعة عن مقدساتها وتاريخها ومكانتها الروحيّة والحضاريّة، القدسُ التي تقذف نيران الانتفاضات الجماهيريّة المتتالية من باب العامود والشيخ جرّاح إلى اللد والرملة وعكا وحيفا والناصرة، القرابين التي سيذبحونها داخل المسجد الاقصى لن تجلب المغفرة لخطايا المحتلّين المستمرّة والمتكرّرة، لا هيكل هنا، المقدسيّون أفشلوا المؤامرة واختفى المعبد.

17 نيسان هذا العام هو الإجماعُ العالمي الذي اتّهم دولة الاحتلال بارتكاب جريمة الفصل العنصري بحقّ الشعب الفلسطيني، السلب والنهب والهدم والإعدامات الميدانيّة، صرخة العدالة المذبوحة على أرض فلسطين المحتلّة، صوت الضحايا على قصف القنابل في قطاع غزة، صوت المقتولين يعودون من الموت أحياء في الأرض إلى الأبد.

17 نيسان يومُ الأسير الفلسطيني، هذا التاريخُ الذي اعتمده وتبنّاه المجلس الوطنيّ عام 1974 ليكون يومًا وطنيًّا وعالميًّا لمساندة الأسرى ونصرتهم وحقوقهم العادلة في الكرامة والحريّة والانعتاق من قيود الاحتلال.

17 نيسان ارتبط تاريخيًّا بانطلاق وتفجّر الثورة الفلسطينيّة في 17 نيسان عام 1936 والإضراب والعصيان الشامل الذي نفّذه الشعب الفلسطيني مدّة 6 شهور ضدّ سياسة الانتداب البريطاني الداعمة للعصابات الصهيونيّة واعتداءاتها على فلسطين، الداعمة للهجرة الصهيونيّة لفلسطين، تجسيدًا لوعد بلفور المشؤوم.

17 نيسان هو يومٌ مشهودٌ لأطول إضرابٍ وتمرّدٍ وعصيانٍ مدنيٍّ في التاريخ الحديث ضدّ السياسة الاستعماريّة البريطانيّة والحركة الصهيونيّة، بعد أن طفح الكيل من فظائع وممارسات ومخاطر تهدّد الوجود الفلسطيني، من مذابحَ وهدمِ بيوتٍ واعتقالاتٍ وإعداماتٍ وسلبٍ للأراضي لصالح اليهود ومشروعهم الاستعماري.

17 نيسان هو رجعُ الصدى لنداء الأسرى المشنوقين في سجن عكا في عهد الانتداب البريطاني، والصوت التاريخيّ لإنسان الحريّة في الدفاع عن إنسانيّته وأرضه وفاءً لمن استشهدوا وقاتلوا في سهول وجبال فلسطين، ولمن تحمّلوا العذابات والآلام في سجون الانتداب وزنازينه الموحشة.

17 نيسان هذا العامُ يذكّر العالم أن مليون فلسطيني وأكثر زجّوا في السجون منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي، وأنّ كفاح الشعب الفلسطيني ما زال متواصلًا من أجل الاستقلال والحريّة، وأنّ الأسرى ما زالوا يسقطون في المعسكرات والزنازين قهرًا وتعذيبًا ومرضًا وقتلًا، وأنّ الإرادات الفلسطينيّة، مهما اشتدّت الصعاب ما زالت تقرع على جدران السجون وتهتف للحريّة وكسر القيود.

17 نيسان هو التاريخُ الذي لم يتوقّف، هو الزمنُ الذي لم يتجمّد، هو المناضل المشتبك بلحمه وجوعه ولم يأخذ إجازة، هو المواجهات المستمرّة، الإضرابات الجماعيّة والفرديّة التي شهدتها ساحات السجون وما زالت جذوتها مشتعلة، هو الشعبُ الفلسطيني الذي يسعى للخلاص من براثن الاحتلال، هو كلُّ أمٍّ وطفلٍ وفتاةٍ وشاب وعجوز، هو كلُّ بيتٍ وحارةٍ وصرخةٍ ووجع، هو الأغنيةُ ونافورةُ الدم، هو الحقيقةُ التي تكشف الوجه البشع لدولة الاحتلال وجرائمها المنظّمة ضدّ شعبنا الفلسطيني.

17 نيسان هو التجلّي الأعلى لإنسانيّة الإنسان الفلسطيني الذي يتصدّى لسياسة تجريده من إنسانيته ولسياسة التعامل معه كأنه ليس من بني البشر، وهو القيمة المقدّسة للإنسان وللإنسانيّة وللقيم الأخلاقيّة والعدالة الكونيّة، لهذا فهو صوتُ كلّ حرٍّ في كلّ مكان، صوتُ كلّ شعبٍ يسعى لحقّ تقرير مصيره ورفع الظلم والاضطهاد عن كاهله.

17 نيسان هذا العام يأتي في ظلّ استمرار العدوان الإسرائيليّ على حقوق الأسرى ومحاولات تجريدهم من شرعيّتهم النضاليّة والتعامل معهم كأرهابيين ومجرمين والقيام باحتجاز أموال المقاصة الفلسطينيّة، بحجّة إعانة السلطة الفلسطينيّة لعوائل الأسرى والشهداء والجرحى، فكان صوتُ الشعب الفلسطينيّ وقيادته ردًّا على هذا الهجوم أن لا تفاوض على نسبة الكرامة؛ لأنّ الكرامة لا تعطى على جرعات، فإما كرامة كاملة وإما المواجهة، إما الحريّة أو الموت، لا مساومة على كرامة الإنسان وحقوقه المشروعة، لا شيء يعوّض عن خسارة الكرامة، لا الأكل ولا وفرة العيش ولا الطعام ولا التحسينات الشكلية، فالسجنُ هو السجن، والجلاد هو الجلاد، فألف يوم من الجوع بكرامة أفضل من يوم واحد في السجن تحت السياط والإهانة.

17 نيسان هو عودة الأرواح التي تبحث عن السلام الحقيقي، أرواحنا تقف عند هذا الحاجز أو ذاك مقتولة ذبيحة معدومة، أرواحنا مشبوحة ومصلوبة في ساحة المسكوبية وفي غرف التحقيق، أرواحنا محجوزة في مقابر الأرقام، أرواحنا قلقة متمردة تنتظر بصبر أن يحاكم القتلة والجلادين.

17 نيسان هي المعركةُ الدائمةُ ضدّ دولةٍ تحوّلت إلى دولةٍ فاشيّةٍ عنصريّةٍ جنودُها صاروا وحوشًا بريّة، ممارسات بهيميّة وبربريّة، دول بلا أخلاقٍ ونوازعَ إنسانية، تمارس جرائم الحرب وجرائم ضدّ الإنسانية، دولة طاغية متوحشة في المنطقة، تحرّكها خطابات الكراهية العنيفة والدعوات إلى القتل وإلغاء الآخرين من الوجود، دولة المعسكرات والمستوطنات والسجون والإعدامات الميدانيّة، الأخطر الآن على السلام والأمن في العالم.

17 نيسان هي قوّتنا العنيدة في مواجهة دولة القراصنة والدفاع عن مكانة أسرانا وشهدائنا وجرحانا، عن رموزنا الوطنيّة فالأسرى والشهداء والجرحى أغلى ما نملك، وأسرانا هم شهداء مع وقف التنفيذ قالها الرئيس أبو عمار، وهي امتحان الجدارة لكلّ مقوّمات المجتمع الدولي للتحرّك بوضع حدٍّ للتشريعات والقوانين العنصريّة المتصاعدة المعادية لحقوق شعبنا وحقوق الإنسان ولكلّ القيم النبيلة.

17 نيسان هذا العامُ هو المعركةُ الفاصلةُ على شرعيّة نضال الأسرى ومكانتهم القانونيّة، فالدفاعُ عن الأسرى أصبح دفاعًا عن مسيرة وتاريخ ونضال الشعب الفلسطيني أحياء وشهداء، وتصدّيًا للقرصنة والاستهداف الإسرائيلي بتجريم كفاحنا الوطني ضدّ الاحتلال، فالحريّة تنتزع انتزاعًا من براثن الأعداء، فليكن يوم الأسير هو يوم التمرّد على الابرتهايد الإسرائيلي والفاشية الإسرائيليّة، ولنخلع ثوب العبيد.

17 نيسان هو أطولُ تاريخِ مسجونٍ في العالم، هو كريم يونس وماهر يونس ونائل البرغوثي والعشرات الذين يقضون أكثر من ربع قرن في السجون، فمن يحرّر هذا التاريخ؟ ومن يطلق سراحه في ربيع اللوز والزعتر والأرض العطشى للحب والفأس والمطر وللسماء الواسعة بلا سياج؟

17 نيسان هو التابوتُ المفتوح على الأبد، للمئات من الأسرى المرضى والمشلولين والمعاقين الذين يصارعون الموت في السجون بسبب الإهمال الطبي والجرائم الطبيّة التي تمارس بحقّهم، فمن يوقف الموت في السجون، ويحرّر 17 نيسان من حبل المشنقة وسياسة القتل البطيء التي تجري على أرواح وأجساد المعتقلين؟ من يعطي 17 نيسان الهواء والدواء والشمس التي لا تغيب؟

17 نيسان هو الطفولةُ الماسورةُ للأولاد والصغار المكبلين المعذبين المهانين المرعوبين المصدومين، صوت الطفل الأسير أحمد مناصرة التي هدرت طفولته بالتعذيب والعزل والقمع، هو صوت جنود الاحتلال في منتصف الليل، الاعتقالات الهمجيّة، الاعتداءات، الترويع، الدعس على أجساد الأطفال بالبساطير المدبّبة، الضرب والإذلال والاهانات، طفولة مقيّدة، طفولة لا تحلم ولا تبتسم ولا تذهب إلى المدرسة.

17 نيسان هو غيابُ العدالة في محاكم الاحتلال، هذه المحاكم التي صارت قناعًا لتغطية الجرائم تحت شعار القانون، لا محاكمات عادلة، هم قضاةٌ وجلادون وسجانون في آن واحد، محاكم حربيّة لتعميق وتكريس الاحتلال والمعاناة تحت غطاء وهمي زائف يسمى القضاء.

17 نيسان هو هذا الاعتقال الذي لا نهاية له، اعتقالات إداريّة تعسفيّة، مصير مجهول للمئات من الأسرى، أعمار في السجون محجوزة إلى آخر الآخرة، عقاب جماعي، نزعات انتقاميّة، دولة فوق القانون مستهترة بالعالم وبالاتفاقيّات الدوليّة، فلنستمرّ في مقاطعة المحاكم العسكريّة الإسرائيليّة وجهاز القضاة الإسرائيلي، لننزع الشرعيّة عن هذه المحاكم غير العادلة والتي تعمق وترسخ الاحتلال تحت غطاء القانون.

17 نيسان رغم أنه صرخةٌ ألمٍ إنساني فإنه ثورةُ حياة، ثورةُ إرادة، ثورةُ إنسانية واسعة وممتدة لشعبٍ يستحق الحياة، فالجوع وحبات الملح والشفاه الناشفة انتصرت على الدولة المسلحة وترسانتها وأساليب قمعها المتعددة، ها هي نطف منوية تخرج من السجون، أولاد وبنات يخلقون ويولدون ويكبرون، ثورة حب لم يستطع السجن ولا الحديد ولا الحرمان والغياب من إطفاء شعلتها المتقدة، فالتحرر مثل عملية الولادة وإن كانت ولادة مؤلمة، ولكن الذي يتمخض عنها هو إنسان جديد يطل على أيامه القادمة.

17 نيسان هو نشيدنا الأول المتصاعد في الأرض والسماء:

نعم لن نموت، نعم سوف نحيا

ولو أكل القيدُ من عظمنا

ولو مزقتنا سياط الطغاة

ولو أشعلوا النار في جسمنا

نعم لن نموت لكننا

سنقتلع الموت من أرضنا

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *